تأكيدات اجتماعية من الحج أو دروس أ,د, ابراهيم بن مبارك الجوير |
* يؤكد الحج ان هذه الامة امة واحدة كما قال تعالى: (وان هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون), وفي الحق ان هذه الامة المسلمة التي تربط بينها قيم الاسلام وعقيدة الاسلام التي بنى عليها شرائعه هي امة واحدة على الرغم من مظاهر الاختلاف ورغم الغزو الشرس الذي تتعرض له من اعدائها وهو غزو لم تتعرض له امة من الامم بمثل هذا العنف, ولكن بقاء هذه الامة يؤكد في كل يوم عمق جذورها وصلابة عودها واصالةمعدنها وصدق انتمائها واستمرار املها.
* ويؤكد الحج ان مشكلات هذه الامة وآلامها واحدة قد تعتبرها مشكلة فرد واحد، او مشكلة مجتمع واحد، ومعرفة مشكلة اي فرد او جماعة في هذه الامة هي مسؤولية الامة كلها والسعي لحلها هي مسئولية الجميع قال تعالى: (إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون), وبعد ان اكدت الآية اخوة المؤمنين اكدت على الطبيعة البشرية وانه من الممكن ان تنشأ خلافات اواختلافات ومن هنا جاء الامر باصلاح ذات البين وتقوية اواصر الرابطة بين هؤلاء الاخوة كلما اعتورها الخلل والحث على التقوى والاخوة برضا نفس وسلامة ضمير لتكون من موجبات الرحمة, ويؤكد الحج ايضا على ان تصنيف الناس الى ذكور واناث والى شعوب وقبائل هو من اجل استمرار الوجود الانساني عن طريق التعارف والا فان الرسالة الربانية تتجه الى الناس كافة والمؤمنون بهذه الرسالة هم المسؤولون عن تحقيق الترابط والتعارف بين الناس وهم المسؤولون عن تحقيق العدالة والمساواة حيث ان ذلك التصنيف لا يعني تفضيل شعب على آخر او جنس على جنس من حيث هو شعب او قبيلة او جنس بل ان مناط الفضل والتفضيل هو التقوى والعمل الصالح وهذا المفهوم مفهوم حضاري لم تستطع الفلسفات والنظم البشرية التي تزعم التقدم والحضارة ان تهتدي اليه.
* ويؤكد الحج الطبيعة الحية الدائمة للمجتمع المسلم الذي يقوم على اساس لنظرية العضوية التي تنظر الى المجتمع على اساس انه جسم واحد حينما يكون سليما يكون كل شيء سليما,, واذا اختل اي شيء في الجسم ظهرت اعراض ذلك الاختلال علىالجسم كله,, وهذا ما نلاحظه في المجتمع المسلم عبر عصور التاريخ المختلفة قوة وضعفا وتماسكا وتفككا, وان وظيفة اي فعل اجتماعي في المجتمع هو مزيج متكامل بين الحق الفردي والحق الجمعي على السواء من دون ان يطغى جانب على آخر, وبهذا يتحقق التوازن المطلوب.
ويؤكد الحج على ان منهج المجتمع المسلم لا يختلف عن منهج الفرد المسلم لان السلوك الفردي او الجمعي انما ينبع من عقيدة واحدة تسير على ضوء (ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك) وانعم بهذا المنهج ضابطا للسلوك الانساني فردا كان او جماعة.
* يؤكد الحج على ان العصبية والانتماء للاسلام وحده ولا غير الاسلام كما يقول ابن خلدون: (ان العصبية الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في اهل العصبية ,, وتفرد الجهة الى الحق، فاذا حصل لهم الاستبصار في امورهم لم يقف لهم شيء لان الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهكذا كما وقع للعرب في صدر الاسلام في الفتوحات) ويقول: (ان الدعوة من غير عصبية لا تتم) وهو بغير ذلك التكافل والتضامن العضوي بين ابناء الامة على اساس من صدق الانتماء للمبادىء التي يؤمنون بها.
* ويؤكد الحج على ان المناسك والعبادات واحدة في الصلاة والحج وجميع فروض الاسلام كلها تتجه الى مناجاة الحي القيوم كما قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين) وكلها عبادات تجسد التوحيد والوحدة التي تساوي وتجمع وتؤاخي وتؤلف وتجعل من المسلمين فعلا بناء اجتماعيا واحدا متراصا,, والحج بهذا المفهوم هو اجتماع وليس مجرد تجمع واجتماع دين وحضارة وتتناغم فيها كل جوانب الحياة الروحية والعقلية والثقافية والبدنية.
* ويؤكد الحج على ان مفهوم الالتزام في المجتمع المسلم لا يفرض من خارج البناء الاجتماعي المسلم ولا من خارج الذات المؤمنة بل هو التزام بطاعة الله وانصياع لامره بغير اكراه بل بحب وسعادة ورضا,, ولا تستطيع قوة في الارض ان تسير هذه الدقة والالتزام كما يحدث تلقائيا وذاتيا في الحج محبة لله عز وجل.
ويؤكد الحج ان بامكان المسلمين المجتمعين في هذا النسك العظيم جماعات وفرادى ان يتعرفوا ويبحثوا مشكلاتهم على نحوين:
1 المشكلات العامة التي تهم المسلمين جميعا وتتعلق بقضاياهم المشتركة وقيمهم الحضارية الشاملة.
2 المشكلات والمسائل ذات الصبغة المحلية التي تتصل بشعب من الشعوب او مجموعة من المجموعات او اسرة من الاسر وهذه او تلك لهما الاهمية فلا يمكن ان نقلل من شأن المشكلات المحلية او الصغيرة فقد تمتد ويصبح شأنها اكثر خطرا اذا اغفلت ولم يلتفت اليها ومعظم النار من مستصغر الشرر, وفق الله الجميع.
|
|
|