مكاشفة وزارات جديدة ,, هل حان الأوان؟ أنس حسن زارع |
تردد في صفحات الصحف اقتراح استحداث وزارات اضافية في هيكل الدولة,, تضطلع بالعديد من المهام التي تتحمل اعباءها اكثر من هيئة حكومية, وتركز الحديث في دائرة انشاء وزارة للثقافة قبل اية وزارة خرى وساق من طرقوا الموضوع اكثر من ايجابية تترتب على ظهور هذه الوزارة او تلك , واهم ما في الامر ان الاختصاص سينحصر في جهاز موحد له من المرونة والصلاحيات ما نأمل ان يعزز مسيرة التنمية الوطنية، ويكرس الطاقات والموارد لتحقيق المزيد من الاهداف بعيدا عن الازدواجية.
ربما يشفع للداعين الى اضافة تلك الوزارات الحديثة كون هذه الدولة الفتية قد قطعت شوطا طويلا في تطوير اجهزتها وتعليم مواطنيها، وخاضت تجربة عدة خطط خمسية واستطاعت خلال اقل من قرن من الزمن وهي مدة وجيزة في عمر الامم والحضارات اللحاق بركب التقنية المتقدمة واثبات وجودها واحتلال مكانة تليق بمجدها وتاريخها.
اي ان الكوادر الوطنية قد تمرست في اداء مهامها ومزاولة اختصاصها، فاكتسبت نضج الرؤية وغنى التجربة، وغدت مهيأة اكثر من ذي قبل لترجمة تطلعات القيادة وطموحات الشعب.
لقد اكد ولاة الامر في جميع المناسبات والمواقف,, ان ثوابت الامة راسخة الجذور,, ولن نحيد عنها قيد انملة، وان قطار التنمية لسائر قطاعات الدولة وفئات المجتمع لن يتوقف او يتعثر طالما تشبثنا بمنهجنا القويم، وان المواطن الانسان هو الثروة الحقيقية والمعين الذي لا ينضب لهذه الدولة بإذن الله,, فالاستثمار فيه ضرورة حتمية ومستمرة.
وانشاء وزارة للثقافة والتراث الوطني,, اظنه والله اعلم اولوية تفرضها الحالة الثقافية التي بلغها الكيان السعودي على مستوى الفرد والمؤسسة والدولة, ومثل هذا الجهاز بوصلة تصون وجهة الهوية الوطنية، وتحفظ لها شخصيتها الحضارية في عالم تسيطر عليه التقنية الكونية وتحكمه ثورة الاتصالات ويغلب عليه طابع التلاقح الثقافي والفكري, والوزارة المقترحة ستتمكن من اداء رسالتها وفق مسار واضح ترسمه القيادة من وحي الثوابت الشرعية والوطنية وبأسلوب علمي تنظيمي يتوافق مع السمات المحلية,, ولا يجافي المستجدات العصرية.
ان رصيدنا من الارث الحضاري والغنى الثقافي ضخم، ولا ينبغي ان نوزعه بين عدة جهات,, كلها تملك من الاهلية والقدرة وسلامة النية وحسن التوجه ما يتجاوز الظنون ويدحض الشكوك، ولكنها لن تنجو من الازدواجية وتكرار الجهود وعدم التنسيق فيما بينها.
وليس الهدف هنا الغاء دور اي من تلك المؤسسات,, ولكن تضافر اسهاماتها وصهرها في بوتقة واحدة.
لقد نجحنا في اقامة اعراس وطنية ومناسبات حضارية,, كمهرجان الجنادرية واحتفالات عيد الفطر المبارك خلال سنوات متتالية,, وبكفاءة مشهودة واقتدار متنام, ومثلنا كدولة حري بتأسيس وزارة متخصصة، نواتها المشاريع الثقافية القائمة واطارها الصلاحيات التي سيمنحها اياها ولي الامر عندما يشرفها بالتوجيه السامي فتبادر جميع الهيئات المعنية ذات التجربة السابقة في هذا المجال، وتشارك في رعاية المولود الجديد اما بإعارة فريقها المتخصص وكوادرها المؤهلة,, او بنقلهم بوظائفهم التي يشغلونها لاعمار الجهاز المستحدث وتمكينه من القيام بعمله, وكثير من تلك الكفاءات يتمتع بخبرات محلية وتجارب دولية لا ينبغي ان نمر عليها مرور الكرام,, دون ان نستثمرها وطنيا، ونستخلص منها عطاء يرفع راية الامة ويحفر اسمها في سجل المجد والخلود.
انني اكاد اجزم,, ان كل وزارة,, او مؤسسة وطنية حكومية او خاصة يمكن لها ان تمد يد العون لهذا الاقتراح وتشارك بسهم وافر في عملية مخاضه,, حتى يرى النور ويشب عن الطوق,, ويحتضن ذاكرة تراثنا وخزائن حضارتنا.
فالمتاحف والاندية الادبية الثقافية والمعارض التراثية والمهرجانات الشعبية في مختلف مناطق الوطن وخارجها,, ما هي الا صور من المنجزات المأمولة للوزارة المقترحة.
الاقتراح الثاني الذي نسوقه في هذه العجالة,, هو انشاء وزارة للرياضة والشباب,,, ونحن لن نكون بدعا في مثل هذه الخطوة,, التي سبقتنا اليها دول عديدة شقيقة وصديقة,,, ومجاورة وبعيدة,, وهذه الوزارة موجودة حاليا على ارض الواقع وتمارس دورها بكل جدارة واقتدار, ولها من الكوادر والمباني والمنشآت والمرافق والفروع ما يتيح لها الانضواء تحت مسمى الوزارة,, حتى تكتسب مزيدا من الصلاحيات وتتساوى مع مثيلاتها حول العالم.
انها الوزارة المختصة بأغلى ثروة يمتلكها الوطن,, الشباب,, وانجع وسيلة لتقوية الشباب واستثمار طاقاتهم البدنية في الرياضة.
واذا ما ارتأى ولي الامر المضي في هذا التوجه، وتكريم ابنائه الشباب (وبناته الشابات) باستحداث وزارة ترعى شئونهم وتنظم انشطتهم العامة ومسابقاتهم الرياضية فانه لن يضن عليهم حفظه الله برسم الآفاق التي تستنير بها تلك الوزارة ، وتحديد اختصاصاتها، وربما استدعى الموضوع دمج اقسام في وزارات اخرى بوزارة الشباب، او تأسيس ادارات جديدة.
ولكن من البديهي,, ان يكون لكل وزارة هيكل مفصل ووكالات تتفرع عن سلطة الوزير، وشعبة لكل شأن او اختصاص، وستتوزع المديريات في المناطق والمحافظات حسب التقسيم الاداري والجغرافي لمملكتنا الحبيبة.
وان مسئولي الرئاسة العامة لرعاية الشباب,, هم الاكثر الماما بطبيعة عمل تلك الوزارة ولعل هذا الاقتراح هو احد طموحاتهم,, وقد اشبعوه دراسات وابحاثا.
اما الوزارة الثالثة التي اتمنى ويشاركني في ذلك كثير من عشاق هذا الوطن الغالي ان تظهر على مسرح التنمية الوطنية وتساهم في بناء الانسان السعودي ورفاهيته وسعادته وحضارته,, فهي وزارة السياحة والآثار وحقا,, كم نحتاج الى مثل هذه الوزارة لتتحمل اعباء الرسالتين فالسياحة مهمة عائمة تتدخل في شؤونها جهات كثيرة غير وزارتي التجارة والبلديات وحبذا لو تم دمج جميع المسئوليات في جهاز موحد ومتخصص على غرار ماسبقتنا اليه دول تعتمد على السياحة ولقد آن للاقتصاد الوطني ان يجعل من السياحة، الداخلية (ترويحية ودينية وعلمية) احد موارده الاساسية, اما الآثار,, فالله اعلم بمكامنها واحصاءاتها في بلادنا المترامية الاطراف,, وكل جامعة او بلدية تدعي وصلا بليلى مع ان وزارة المعارف تتحمل العبء الاكبر في رعاية الاثار رغم جسامة مسئولياتها الاخرى, ونحن نتمنى للمعارف ان يكون همها الاوحد تربية ابنائنا وتعليمهم,, واعظم به من هم وغم.
موضوع الآثار له ابعاده الوطنية والتاريخية والسياسية والاقتصادية وقيام وزارة متفرغة لرعاية شئونه سيعطي للدولة اليد الطولى في تتبع الآثار وتحديد قيمتها المعنوية والمادية وصيانتها ونقل ايلولتها من ملكية الافراد الى الحق العام,, اما بالمقايضة او الهبات او التعويض او المصادرة او ما يراه الجهاز المختص في خدمة المصلحة الاجتماعية والوطنية, ان كثيرا من الآثار تضيع او تختفي او تنتقل الى غير اوطانها واهلها بسبب الاهمال او الجهل او الجشع وموت الضمير, وهذه مشكلة عالمية,, فيحق لكل دولة ان تستحوذ على رعاية آثارها وتراثها، وتباشر ذلك من خلال هيئة رسمية لها نظامها وصلاحياتها وميزانيتها, والآثار لاشك رموز لتاريخ الامة وحضارتها، وضياعها او بخس قيمتها لا يمكن تعويضه باي ثمن مادي, يكفينا هنا ان نتعلم من تجارب الدول المجاورة والشقيقة مهما كانت كمية آثارنا محدودة، فالعبرة ليست بالعدد او الحجم,, بل بحصر الاعيان والمواقع الاثرية ومعرفة قيمتها التاريخية واضفاء الصفة الرسمية عليها ونقل مسئولياتها الى الولايات العامة التي يعتمدها ويفوضها ولي الامر بالقيام بمهامها.
اما اذا كان في الافق متسع لطرح المزيد من المقترحات والتصورات النابعة من حب هذا الوطن والالتفاف حول قيادته، فان قيام وزارة للبيئة امل يراود فئات مختلفة من ابناء المملكة كعلماء الجامعات واعضاء جمعيات حماية البيئة المحلية والدولية ومسئولية الادارات الرسمية والمنظمات والمجموعات التي ترعى شئون البيئة,, من مواقعهم وحسب صلاحياتهم وخلفياتهم وتوجهاتهم لا ننكر ان وزارة البلديات والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية ومصلحة الارصاد تضطلع بأعباء شئون البيئة، بمشاركة وزارات وهيئات اخرى,,, لكن معطيات العصر واتجاهات المجتمع الدولي تشير الى تفويض امر البيئة الى جهاز اعتباري موحد ذي صفة رسمية ونظام معتمد ومسئوليات معلنة والاهتمام بالبيئة لدينا ممارسة حية وتجربة ثرية انبثقت عن حرص قيادة المملكة على رعاية المواطن الذي هو نواة المجتمع وتوفير محيط حيوي له يعيش فيه آمنا مطمئنا معافى.
تلك آمال وأفكار أعلم أنها مكررة، ولكن,,,, أسأل الله أن يكون في تسجيلها هنا خدمة للصالح العام ووفاء ببعض واجبات الموطن.
فبالله التوفيق
|
|
|