طرائق الناس شتى في التضليل واظهار الأمور على غير حقيقتها, والناس في هذا الأمر مختلفون فمنهم المبدع الذي يستطيع ان يضع الأمر وكأنه حقيقة، يرسمه بريشة الفنان، ويواربه بألوان البديع والبيان, والبعض الآخر قد لا يحسن الإخراج، ولم يرزق بشيء من البلاغة وتنميق الكلام.
وفي هذا العصر انتشرت شتى المعارف من اقتصاد وادارة واعلام وهندسة وطب وخلافه، وخرج من حملة هذه العلوم من أفاد واستفاد ونذر نفسه للإبداع في حقله, وبعض من هؤلاء، وآمل أن يكون الأقل استغل مكانته العلمية في التنميق، وإظهار الأمور على غير حقيقتها, فعندما يتحدث عن موضوع ما، تراه قد حفظ بعض المفردات الجميلة التي يلوكها بلسان لتظهر للمستمع البعيد عن ميدانه وكأنها الضالة المنشودة، وكأنه سيد من ساداتها, بينما عين الحقيقة غير ذلك، فهو قد هجر حقله وترك مجال الممارسة الفعلية التي تولد الانتاج والابداع، وفرَّغ نفسه للاشراف العام والادارة حتى يتمكن من اصدار الأوامر، وتصدر الصفحات والمجالس، وفي المجال الوظيفي سواء كان قطاعاً خاصاً أو عاماً نجد بعضاً من المديرين لا يعرف عن دائرته إلا المعطيات العامة، وبشيء من السطحية، وهو لا يحرص ان يدخل في أعماق العمل الفعلي، أو قد يمل منه بعد دقائق محدودة ليعطي لغيره مهمة الابحار في أعماق العمل، ليتفرغ هو للتوقيع وليس سواه، وهو الناذر وقته للعلاقات العامة، ومع هذا يحاول أن يظهر لدى الغير بمظهر المدير العامل الجاد الحريص المتفاني المنكب على التدقيق والتمحيص والعمل الجاد وهو غير ذلك تماماً.
والفئة الأولى القادرة على الابداع والاخراج والايهام تحصل على نصيب الأسد من المال والشهرة والمراكز المتقدمة في المجال الوظيفي، وقد يصعب على الكثير معرفة الحقيقة بعينها بينما قد يعرفها بعض ذوي الألباب, أما الفئة الثانية غير القادرة على الاخراج فإنها في الغالب تكون ظاهرة المعالم معلومة الأهداف والمرامي، وهي بعملها هذا لم تنل شأوها، ولم تسلم من معرفة الناس لحقيقتها، فيتحدث الناس عن هذه الفئة في مجالسهم وملتقياتهم، وهذه الفئة لا تختلف عن الفئة الأولى في شيء سوى عجزها عن الابداع في التنميق.
وتبقى المشكلة الأكثر الحاحاً والمتمثلة في كيفية التمييز بين ما هو ظاهر، وما هو واقع ولا سيما اذا صاحب ذلك الظاهر شيئاً من التجميل.