ما تكاد تأتي مناسبة رياضية تتاح فيها فرصة للالتقاء,,, فتكون مشروع امسية مفعمة بالروح الرياضية,, حتى يضع عدد من العالمين ببواطن الامور ايديهم على قلوبهم مخافة الذي يحذرون!,, فمع قصور الوعي ينطلق كثير من الشباب يمارسون الفوضى التي يتجاوزون بها حدود اللياقة واللباقة,, فيثيرون بعضهم، ويلحقون بالناس وبأنفسهم الضرر!,, ولا تكاد امسية رياضية جماهيرية سارة تنتهي حتى نفاجأ غالبا بنبأ غير سار او اكثر!,, فهذه مشاجرات، او اعتداءات، وتلك مصيبة وقعت في الطريق,, حادث مروري بين عدد من السيارات الغارقة في ضجيج المنبهات الصوتية المزعجة، والمغطاة بالاقمشة الملونة والاعلام,, الغاصة بعدد من المشجعين,, فإذا غمرة الفرح في لمح البصر تتحول الى كابوس مفجع يحول بينهم وبين الخطر الداهم على الطريق,, فتشتبك السيارات في مشاهد مرورية مؤسفة!,,, قد تتسبب في وقوع ضحايا في مقتبل شبابهم!,, فأي جمال يبقى لتلك الأمسية الرياضية الجميلة؟!,, او لتلك الامسية التي كانت جميلة؟!,, وأي طعم للفوز يبقى مع مرارة الفقد وهول الفاجعة؟
كثير من تلك المصائب غير المحسوبة,, قد تبدأ صغيرة! لكنها تكبر فجأة,, فتأخذ بهولها القلوب، وتشل بمصابها الاذهان!,, حتى ان بيتا على سبيل المثال ، كان من الممكن ان يجتمع فيه ثلة من الشباب اجتماعا رياضيا تغمره اجواء مرحة في اليوم التالي,, قد يتحول الى مزار للمعزين الذين يزورونه لتأدية واجب العزاء !,.
بيوت عديدة اصيبت بمثل هذه المصيبة التي تتكرر,, وكأن احدا لم يمت!,, او يسمع بموت احد ليتعظ قبل حلول مناسبات الاسابيع التالية!,, وكأن الطرق من والى الملاعب الرياضية قابلة للتحول الى طرق سريعة الى الاعاقة المستديمة او الحتف!,, فأقل ما يقع من الانباء السيئة ان تأتي الاتصالات الهاتفية لأهل البيت بأن فلانا من ابنائهم اما في المستشفى او في عهدة الايقاف!,, سواء على ذمة واقعة مرورية او جنائية!,, وكم ادت مشادات لا داعي لها بين شباب منفعل بين الفوز والهزيمة الى ما لا يحمد عقباه!,, وكأن مشجع الفريق الفائز هو من صنع الفوز لفريقه فهو مسؤول عنه امام اقرانه وزملائه!، او كأن مشجع الفريق الخاسر هو الذي وراء الهزيمة!,, كل طرف يأخذ بتلابيب الآخر,, يبدأ الشر بالهمز واللمز,, حتى تشتبك الايدي فيقع المحذور وبين جان ومجني عليه!,, ويمضي الطرفان في قضيتهما لدى السلطات بين المستشفى والسجن (لمن سلم من المقبرة!),, فيما تستمر فرق الاندية في مبارياتها لاكمال برنامجها في مسابقات الموسم الرياضي,, لا تتوقف ولا تنتظر حتى يفرج عن هذا من السجن او يخرج صاحبه من المستشفى!.
مشكلة الوعي مشكلة,, فالتورط لسبب او لآخر يستمر في استدراج كثيرين ممن يتحفزون لمتابعة المباريات والفرق الرياضية,, حيث يؤدي بهم الانفعال الى الوقوع في الاخطاء بين سهلها وصعبها!,, مما يجعلك تتساءل عن بيئاتهم التربوية التي جاؤوا منها!,, وعن ملابسات تنشئتهم وظروفها!,.
لا شك ,, هناك تأثير للشحن الاعلامي على كثير من اولئك الشباب,, ومسؤولو الاندية الرياضية، والاعلام الرياضي ليسوا ابرياء دائما من كثير مما يحدث في الواقع!,, وهو ما تحكيه قصص مماثلة في مجتمعات رياضية اخرى تعاني بين لغة الاعلام المتشنج وتصريحات مسؤولي الاندية مما يتسبب في اضرام المواجهات بعد إثارة الجماهير الرياضية واساءة حشد طاقاتها في مسارات العنف!
الاسبوع الماضي اعتبر صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز ظاهرة تجاوزات الجماهير الرياضية عقب المباريات ظاهرة مؤلمة!,, وسموه يتحدث بوصفه وزيرا للداخلية,, ويتحدث من سعة اطلاع على وقائع تناسبها كلمة (مؤلمة)!,, وهي كلمة لها مدلولها، ويجب ان تستنهض كل مسؤول تربوي ورياضي واعلامي حريص على امن اهله ومجتمعه وبلده,, ليتفهم ابعادها، ومتطلبات واجبه تجاهها وما يتعين عليه اداؤه!,, ولأن سموه يتحدث من واقع بات يفرض التدخل جراء ما يحدث من المساس بكرامات الناس,, فقد وجه سموه الجميع للترفع عن كل ما يمس كرامة الانسان,, وقال:
(هذه الامور لابد ان تنتهي، ونحن في وزارة الداخلية بصدد مواجهة هذه الامور، ووضع حد لها من كل فرد، ووضع الخطط اللازمة قريبا لاعادة ممارسي هذه الظاهرة الى صوابهم، وانا ارجو ان يعودوا الى صوابهم، وان يتحلوا بالاخلاق الكريمة قبل ان نقوم بهذه الحملات).
ولأن المسئولية ليست مسئولية وزارة الداخلية فقط,, لما تمثله الظواهر الامنية التي يعنيها سموه من مساس بأمن المجتمع وافراده,, وهم نحن جميعا واخواننا وابناؤنا,, اليوم وغدا,, فإننا مطالبون جميعا بالتصدي لكل الظواهر المسيئة لئلا تستشري فندفع الثمن غاليا على حساب أمن مجتمعنا وسلامة انفسنا ومصيرنا ومستقبلنا!,, نحن جميعا مطالبون بتأدية أدوارنا التربوية القويمة في الإعلام، والأندية الرياضية,, في البيت، وفي المدرسة,, وفي كل موقع ذي صلة بهذه الفئات من الشباب.
سمو الامير نايف دعا شباب الأمة الى ان يعي انه ينتمي لأمة كريمة، وانه مسلم وعربي، ويتخلق بالاخلاق الفاضلة,, وقال: المسؤولية كذلك تقع على الاسرة وعلى المدرسة في ضبط الاجيال ليترفعوا عن هذه الامور التي لا تليق .
يبدو اننا بصدد مسار جديد في طريق مسؤولياتنا التربوية,, فهل نعي حقا مخاطر ما يعنيه سمو وزير الداخلية؟
عبدالله العتيبي