Thursday 9th March,2000 G No.10024الطبعة الاولى الخميس 3 ,ذو الحجة 1420 العدد 10024



سرديات
الغذامي السارد 3
د,عبدالعزيز السبيل

من يقرأ كتاب الغذاميحكاية سحارة يجد أن الحكاية الأولى كما أشارت سرديات سابقة تأتي مدخلا للسحارة وليست جزءا منها, ولذلك فحكايات السحارة تبدأ في الواقع من الحكاية الثانية, والحكايات من الثانية إلى الخامسة ذات موضوعات متفاوتة, لكننا حين نصل إلى الحكاية السادسة، فإننا نبدأ في الدخول إلى عالم واحد يتمثل في المدرسة والأستاذ حسون والمعلم مسعود والشاب (سمير) تلميذ المعلم مسعود وميرده الأثير (68), وتستمر الحكايات متواصلة مترابطة حتى نهاية الحكاية السادسة والعشرين، التي اختتم بها الكتاب وإن كانت الحكايات لم تنته.
ولذا، فإن القارىء يشعر وكأن الكاتب أراد أن تكون حكاياته منفصلة، لكنه حين دخل إلى عالم المدرسة، وجد أنها حكايات أصبحت تقود إلى بعضها البعض، فاستمرأ المؤلف الاستمرار في نفس الحكاية وإنما على شكل ترقيمي، ولو ألغي الترقيم في بعض الأحيان لظلت الحكايات مترابطة, وهي حكايات تمتلئ بالواقع والخيال والغرائبية، وهي مجموعة أكاذيب كما تمت الإشارة إلى ذلك, وصرح المؤلف بهذا بقوله أمارس تكاذيب الأعراب في هذه الحكاوي (5), لكن حين تأتي حكاية المدرسة وما يتربط بها، فإننا نجد تأكيدا آخر من المؤلف، حول الأمر نفسه ولكن بطريقة حديثة, ففي الحكاية السادسة التي يتحول فيها المؤلف إلى راو وبطل يشارك في صنع الأحداث، يشير المؤلف إلى تاريخ بدء الأحداث، وهو يوم السبت الأول من نيسان, بمعنى أننا في الأول من إبريل، وهو يوم تمارس فيه كذبة إبريل لدى بعض الثقافات, ولذا تنطلق التكاذيب من ذلك اليوم، وتمارس فيه هذه الحكايات, وإذا كنا هنا أمام نيسان وليس إبريل، فلأننا أمام تكاذيب عربية وليست أجنبية, وهي أكاذيب ترتبط بالواقع مكانا وأشخاصا، فثمة شارع التخصصي والعروبة وأبو توفيق، والرياض والقاهرة.
هناك ترابط بين شخصيتي الراوي (الغذامي)، وهو أيضا بطل يشارك في الأحداث، وبين شخصية سمير, ليس فقط من خلال الارتباط بأحد الأماكن (عنيزة)، وإنما في التوافق في الأفكار، فحديث سمير حول فكرة الكتابة وعمومية النص وأن الأصل في اللغة أنها صوت جماعي,, هي أفكار مشتركة إلى حد كبير, وحين يطرح سمير بعض الأفكار فإن (الراوي)، يهز رأسه موافقا (107), وبينهما ود وتآلف، وصل إلى حد أن أصبح سمير جزءا من السارد (الغذامي)، يتقمص شخصيته بلبس ملابسه, حيث يشير أنه حين كان في مطار القاهرة، وحين انفتحت الشنطة خرج لي سمير لابسا بدلتي الجديدة (117).
في الحكاية الثالثة من حكايات سحارة ينقل المؤلف (الغذامي) تقريرا عن أطروحة للدكتوراه, وقد حولت الحكاية كتاب دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني إلى أطروحة، أرسلت إلى أحد الأساتذة لتقييمها, والتقرير يفتقر إلى العلمية ويبدو تقليديا، وضد أي رؤية جديدة، بل إنه يصل في النهاية إلى رأي حاد يتمثل في أن الباحث غير مؤهل لنيل درجة الدكتوراه على هذه الأطروحة، ونقترح عليكم حذف هذا الموضوع، وإعطاء الطالب فرصة أخرى على موضوع آخر,,, (23).
إذا نحن نظرنا إلى كتاب دلائل الإعجاز وقيمته في الدرس البلاغي واللغوي، فإننا سنصاب بكثير من الدهشة من ذلك التقرير, وإذا نظرنا إلى مجموعة من العوامل سنكتشف (توقعا لا حقيقة) أن المسألة هنا إسقاط على تجربة خاصة مر بها الغذامي نفسه, إحدى هذه الدلالات تتصل بالزمن، فتاريخ التقرير تاريخ حديث وهو عام 1988, وهذا العام يرتبط بفترة مهمة في تاريخ النقد المحلي، ذلك أنها تمثل قوة المد الحداثي وانقسام الناس وليس النقاد فقط إلى فريقين متناقضين حول النظرة للقديم والحديث, وقد كتب الكثير عن أطروحات الغذامي النقدية، ومنها مانشر عن كتابه الخطيئة والتكفير الذي صدر عام 1985، واستمر الجدل حوله لعدة سنوات، وهو أحد أبرز الكتب النقدية في الأدب المحلي، بما طرحة من أفكار أولا، وما أثاره من ردود فعل قوية جدا, وعبدالقاهر الجرجاني من النقاد القدامى الذين احتفى بهم الغذامي في كتابه الآنف الذكر, وثمة رؤى مشتركة بين الكتابين أشار التقرير إلى بعضها, فالتقرير المكتوب حول دلائل الإعجاز، يشبه كثيرا من المقالات التي كتبت حول الخطيئة والتكفير.
والمسألة لا تقف عند هذا الحد فلابد من الكشف عن هوية صاحب التقرير, وليس البحث عن الهوية الشخصية، وإنما الهوية النقدية, فما دام هذا رأيه في كتاب دلائل الإعجاز، أو (إسقاطا) كتاب الخطيئة والتكفير، فقد ذكرت الحكاية أن الاسم تعرض للشطب والمسح، وبجانبه تعليق على الهامش هذا نصه (نكرة، غير معروف، لا قيمة لرأيه، ولا وزن لمشورته), ومن التعليقات أن صاحب التقرير لا يفقه ولا يميز (23), فهل كانت هذه هي الحال بالنسبة لكثير من التقارير التي كتبت حول الخطيئة والتفكير ؟
وجدير ألا نغفل تقريرا مهما جدا حول ديوان شعر للمدعو أحمد بن الحسينالمتنبي جاء في الحكاية الثانية، وهو تقرير لا يبدو منطقيا أو علميا, ولعله جاء تمهيدا للتقرير السابق حول كتاب الجرجاني.
في كتابحكاية سحارة يسيطر السرد على الحكايات جميعها، دون استخدام لتقنيات أخرى تقريبا, فنحن أمام أسلوب سردي يتصل بالتراث بشكل أكبر, السارد يروي من الداخل، فهو جزء من الأحداث ويساهم في صنعها, وهي أحداث تتشعب وتتجه عدة اتجاهات، ولأنه لا يمكن السيطرة عليها، فإن السارد ينصرف عن متابعة بعض الأحداث.
ولذلك ، فإننا أمام حكايات لم تكتمل، ونتوقع استكمالها، والمؤلف يأمل أن ينقل المزيد من الحكايات في جزء ثان مستقبلا (124), تنتهي الحكايات وسمير لا يزال يأمل أن يجد مايدله على قصيدة والدته الضائعة, كما نتوقع أن نستمع إلى بقية حكاية الناظر (ابن جلا) الذي ذهب إلى أرض السواد (46)، وتفصيلات أخرى لحكايات طلعت وسوزي وماجد, والاستحضار التاريخي في الحكايات لشخصيات تاريخية وأدبية حدث كثيرا في الحكايات, منها الحجاج، والأعشى وامرؤ القيس وعمر بن أبي ربيعة، والخليل بن أحمد، وزرقاء اليمامة وغيرهم.
وإذا كانت الحكايتان (20,19) أشارتا إلى النزاع حول ملكية السحارة بين حمدون الأسدي وعبدالله الغذامي، فإننا في النهاية نجد اعترافا من ع,م, غ, (عبدالله محمد الغذامي) بعدم ملكيته للسحارة، حيث وقع كتابه بسارق السحارة , والسارق لا يملك, ولذا، فمن المتوقع أن يستفيد حمدون من هذه الوثيقة ليستخدمها حجة في المطالبة بحقه, وإذا كانت سرديات قد تعاملت مع الغذامي على أنه سارد في حكاية سحارة ، فقد تحول باعترافه إلى (سارق)! نسأل الله له الهداية، ونذكره بأنه يملك حق الدفاع عن نفسه! خصوصا أنه لم يصدر بحقه حكم حتى الآن حسب معلومات سرديات، التي آثرت أن تصمت بعد الآن عن الموضوع.
الترقيم داخل الأقواس يشير إلى صفحات كتاب حكاية سحارة .

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved