بوح وطن العز ( 1- 2) إبراهيم الناصر الحميدان |
الدول مثل الشعوب تختلف نظرة الناس لها عن سواها لأسباب تاريخية حضارية أو علمية واقتصادية, وهذه النظرة تكون في الغالب ثابتة وإن تحكمت بها تصرفات بعض الأفراد أو سلوكياتهم, فإذا ذكر اليهود على سبيل المثال قفز إلى الذهن مختلف المواقف,, الخيانات والغدر والغطرسة وتدبير المؤامرات وخلافها من الأوصاف الهابطة, وليس هذا الحكم أسوقه جزافاً بدافع ذاتي إنما التاريخ يحدثنا عن تصرفاتهم منذ أكثر من خمسة آلاف سنة أثناء تواجد أعداد كبيرة منهم في أرض مصر إبان حكم الفراعنة وما تلا ذلك من أحداث يندى لها الجبين مع مختلف الأنبياء ابتداء من موسى عليه السلام ثم التنكيل بالمسيح عليه السلام وأخيراً محاولاتهم مع سيد البشر محمد صلوات الله وسلامه عليه في خيبر وبعد ذلك مع الصحابة مما أدى إلى إجلائهم من تلك الأراضي المقدسة حيث انتشروا في مختلف الأقطار وما انفكوا على طباعهم الدنيئة في الدسائس وإثارة الحروب وانقسامهم ما بين هذا المعسكر أو ذاك حتى يسهل عليهم بلوغ أهدافهم في السيطرة أثناء الحربين العالميتين الأخيرتين وانتزاع وعد من الإنجليز لإعطائهم وطناً قومياً مزعوماً في فلسطين بمساعدة الأتراك, ولن أدخل في تفاصيل هذه السلوكيات إنما استطاعوا - بتصميمهم وإصرارهم - التأثير على سياسة أكبر دولة في العالم هي أمريكا كما هو معروف ومازال أمامهم الكثير الذي سيفعلونه حتى يتسنى للعرب - أعدائهم التقليديين حشد طاقاتهم الفكرية والمادية ، للإطاحة بهم وتقليم اظافرهم وهذا ما سيحدث حتماً ذات يوم كما حدثنا كتاب الله، انما قد لا يكون قريباً.
وفي المقابل عندما يذكر العرب تختلف القراءات حولهم فمن الناس من يتذكر حضارتهم ونجاحاتهم الفكرية والثقافية عن طريق نشر لواء الدين الإسلامي الحنيف وما بشر به من مساواة بين البشر وبلوغ رسالتهم إلى أقاصي الدنيا في دول آسيا وتخوم أوروبا بينما يرى آخرون في طباعهم بعض الجفاف والترفع ثم كيف تم إغواؤهم بجحافل الفسق والميوعة وسواها من وسائل الإلهاء والترف وتجاهل ذلك التاريخ العظيم ومواقفه الخالدة وقالوا في تفسير ذلك أمم سادت ثم بادت في مراحل من حياتها لأن حكمة الله قضت بأن لا شيء يبقى على حاله كدرس يستفاد منه, فإذا سلمنا اليوم بتقدم الغرب فهذا لا يعني نهاية العالم لأن مظاهر التفسخ والانحلال توحي بقرب انهيار هذا الصنم المادي التعيس.
ويحق لنا أن نتعرف على ذاتنا بصورة موضوعية اي لا تأخذنا العزة بالإثم فننتفخ في ذاتنا دون وجه حق إنما نتحرى الصدق وتاريخ هذا الجزء من العالم ناصع والحمد لله منذ شرفنا الله بالرسالة المحمدية وانطلق من ربوعنا نداء الحق لا إله إلا الله محمد رسول الله فغمر الضياء مختلف ارجاء المعمورة ثم تتالت الفتوحات وانتشر الدين الحنيف وتحول الإيمان إلى ثقافة وفلسفة فكانت الحضارة العربية الإسلامية في أوج نهضتها زمن الخلافة العباسية فعرفنا التعريب كما تسربت اشعاعات هذه المعرفة إلى دول أوروبا لاحقا فأخذوا يعربون فكرنا وثقافتنا, إنه تاريخ طويل لابد ان يواكبه الشيخوخة فتذهب حيويته ويسقط تحت متاريس القوة الغاشمة التي تمثلت بالتتار وهولاكو الطاغية عندما أحرق أنوار الثقافة وقذف بالمكتبات إلى نهر دجلة في عنفوان طغيانه وانتصاره في عهد الترف العباسي.
|
|
|