Thursday 9th March,2000 G No.10024الطبعة الاولى الخميس 3 ,ذو الحجة 1420 العدد 10024



ضحى الغد
دعوة إلى ثقافة مرورية راسخة

جرت السفينة تشق عباب البحر بريحة طيبة سخرها الله، وكان المسافران الوحيدان عليها هما البحار الذي يقودها ومرافقه العالم النحوي الشهير, فأراد النحوي إظهار أهمية العلم الذي يحمله، وسأل البحار:
أتعلمت النحو؟!
لا،لم أتعلمه!
لقد ضاع نصف عمرك!
ضحك البحار على هذا الحكم الذي أصدره عليه النحوي المعتز بنحويته، وأضمر له جولة أخرى يسترد فيها حقه الشخصي! وواصلت السفينة سيرها في أعماق البحر إلى حيث هدفها البعيد، وفي لحظات سريعة غير متوقعة عصفت الريح وارتفع موج البحر واظلمت الدنيا أمام البحار والنحوي، وأخذت الامواج تلعب بالسفينة تحملها إلى الأعلى ثم تهوي بها في لجج البحر! وانتهز البحار فرصته ليؤكد على اهمية علمه، والتفت على النحوي، وسأله:
هل تعلمت السباحة؟
لا، لم اجد الفرصة لتعلمها!
لقد ضاع عمرك كله!!
و(المرور) اليوم علم إن أضعناه أضعنا العمر كله! فالقاضي والمعلم والطبيب والمهندس والمهني لايكفيهم علمهم إن جهلوا أنظمة المرور وثقافته ومهارته وفنه! نحن بحاجة شديدة وداعية إلى تأكيد اهمية المرور كوجود وثقافة ونظام بل وكعلم يحافظ بإذن الله على سلامة الإنسان وحياته، حينما يقود السيارة، وحينما يعبر الطريق!
يجب أن يتعلم الطفل الصغير أنظمة المرور وحقائقه وقواعده وهو ناشىء في المدرسة، وهو شاب في مراحل التعليم المتقدمة، وهو كهل يحمل عبء المسؤولية، وهو شيخ يكدح في الحياة! تأصيل علوم المرور تأكيد لهيبتها وقواعدها ودعوة صريحة للناس ليأخذوا بها منعا وتخفيفا من فواجع الحوادث القاتلة، والتي كثرت بعد أن اصبحنا مثل النحوي الذي اعتز بنحويته وركب البحر دون ان يتعلم السباحة! لقد قدَّر أن تضييع (النحو) تضييع لنصف العمر، لكنه اكتشف في وقت الازمة (تلاطم الموج) أن إهمال مهارة السباحة إضاعة للعمر كله!
ضعيف حين يلقى الموت جبار حين يستقبل الحياة!
*اقلعت الطائرة تحمل مجموعة الركاب واستوت في عنان السماء ، ونادى المضيف أن فكوا الاحزمة، فقد أخذت الطائرة ارتفاعها الثابت الذي اعتمد لها الى حيث محطة الوصول! وقام المضيفون الآخرون بتوزيع المرطبات على الركاب الذين كانوا في أمان وسلام يقرؤون ويتحادثون في تسلية ممتعة!
وفجأة اضاءت إشارات ربط الاحزمة قبل موعدها المعتاد، واضطربت الطائرة وتراكض المضيفون الى حيث مقاعدهم يربطون احزمتهم، وبدا ان شيئاً غير عادي قد حدث للطائرة!
أخذ الموقف يزداد سوءاً بعد سوء وارتفع صوت بكاء الاطفال وتبعه النساء وتلاه انين الرجال، وأحس الجميع انهم في مواجهة مع الموت! وفي هذا المشهد الضاج بالخطر الداهم المتوقع! نادى أحد الركاب الجالسين في المقدمة، والذي ظهر أنه رجل انتصف به العمر، قائلاً: اشهدوا ياجماعة الخير انني فلان بن فلان وانني قد سورت الارض الفلانية وامتلكتها ظلماً وتعديا وأنها ليست لي، وانني معترف بذنبي تائب الى الله، فاشهدوا على توبتي رحمكم الله!
وتعاظم الألم في موقف المعاناة، وتعلق الامل بمن بيده ملكوت السماوات والارض، ويشاء الرحيم ان يرحم عباده، فيزول الخطر، وتهبط الطائرة في محطة الوصول بأمان وسلامة من الله! ويتباشر الناس من ركاب ومستقبلين بهذه السلامة التي حفت بها عناية الله، ولايبقى من ذكرى هذه الرحلة سوى توبة ذلك المسافر التي اعلنها علىمجتمع الطائرة وشهد عليها الجميع!
وعاد الناس الى اعمالهم في مجتمع المدينة التي يسكنونها، وشاع خبر توبة فلان، ولكن فلانا هذا لم يظهر من توبته القولية اي تحقيق فعلي لها، فقد تمسك بالارض التي حازها وسورها! وأنكر مقالته في الطائرة وعدها ارتباكا نفسيا وقع له من هول الحدث! وتعجب الناس من قوله وإنكاره! لكنهم نسوا ان الإنسان ضعيف حين يلقاه الموت، جبار حين تستقبله الحياة!
عبدالكريم صالح الطويان

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved