حقوق الإنسان في الإسلام سلمان بن محمد العُمري |
الإنسان في الإسلام هو الهدف الأسمى والغاية الأنبل التي يبتغي الإسلام سعادتها في الدنيا والآخرة، ومن هنا فإن الإسلام الدين الحنيف هو المنهج الوحيد الذي يضمن حقوق الإنسان كاملة غير منقوصة وبشكل يتماشى مع فطرة البشر، فالله سبحانه هو الذي خلق البشر وهو الذي يعرف ما يناسبهم وما يأخذهم نحو السعادة والتقدم والازدهار.
ورغم كل هذه الحقائق فإنه ولأسباب عديدة منها ما يخص أبناء المسلمين ومنها ما يخص شعوبهم ومنها ما يتعلق بقوى خارجية كمنظمات وأفراد ودول وحكومات وغير ذلك، وكلها أدت للنهاية لحدوث نظرة سواء من غير المسلمين أو حتى من قبل بعض أبناء المسلمين إلى أن الإسلام يتعارض مع حقوق الإنسان، وكانت تلك النظرة ظالمة غاية الظلم، فالإسلام يتماشى مع الفطرة وكل حقوق تتماشى مع الفطرة يحرسها الإسلام ويحميها، أما ما عدا ذلك فالإسلام ينبذه لأنه يؤدي لهلاك الإنسان وليس لرقيه وسموه، إن القوانين الوضعية وعلى اختلافها تحوي الكثير من الأمور التي تتعاكس وفطرة الإنسان، ومصير تلك القوانين إلى الزوال مهما طال بها الأمد وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة، فأي قانون هذا الذي يدافع عن الحرية النسبية أو حرية زواج الذكر من الذكر وغير ذلك من الأمثلة كثير.
لقد تداعى أبناء الإسلام المخلصين لعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات لتوضيح حقيقة حقوق الإنسان في الإسلام وتبيان جوهرها الأصيل، وذلك للمسلمين وللعالم قاطبة، لابل إن بعض تلك الندوات تقام أصلاً في ديار غير إسلامية، وهذا له من الأهمية بالغ الأثر في توضيح الحقيقة وإعطاء صورة الإسلام الحقيقية بعيدة عن التزييف والكذب والتضليل.
وفي هذا السياق تأتي الندوة العالمية التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي في روما الأسبوع الماضي ولمدة ثلاثة أيام وكان عنوانهاحقوق الإنسان في الإسلام ، وشهد حفل افتتاح الندوة مشاركات بغاية الأهمية حيث أسهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز آل سعود سفير خادم الحرمين الشريفين في إيطاليا ورئيس مجلس إدارة المركز الإسلامي الثقافي في روما، وتحدث فيها سموه عن المستوى الرفيع للمشاركين من مفكرين وباحثين وانهم يمثلون المجتمع الإسلامي والعالم الإسلامي خير تمثيل في محاولتهم تبديد الأفكار المغلوطة عن الإسلام وإحقاق الحق في كل من الأمور موضوع البحث,لقد قال صاحب السمو الملكي : ليس أفضل من هذا الوقت لطرح مثل هذه الموضوعات التي تتناول حقوق الإنسان في الإسلام حقوق الرجل والمرأة والطفل وحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه إضافة إلى حقوق الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم وحقوق الأقليات المسلمة في المجتمع غير المسلم , وأردف قائلاً: أقول إنه ليس أفضل من هذا الوقت لطرح مثل هذه الموضوعات الدقيقة الحيوية وفي ذهن الحملات الظالمة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون التي تستهدف في جانبها الاستراتيجي والواسع تعطيل الحيوية المتجددة في المجتمعات الإسلامية وصولاً إلى تعطيل التعاون بين العالمين الإسلامي والغربي وتعميق العداء للمسلمين ودينهم .
لقد أكد سفير خادم الحرمين الشريفين في إيطاليا على ترحيبنا كمسلمين بالنقد البناء حيث قال:إننا نرحب بالنقد بل ونشجعه إذا تأسس على الدرس الجدي والتمحيص الدقيق والاحاطة بجوانب المسائل والموضوعات محل النقد، لكننا لا نرى نقداً يستحق هذه التسمية فيما نراه من الهجوم غير المسوغ على حقوق الدول الإسلامية في ممارسة حقوقها داخل حدودها وفي نطاق سيادتها على نفسها، ولا نرى نقداً حقاً في التهجم على الشريعة الإسلامية السمحة الذي لا ينم إلا عن جهل أو تجاهل لا يغير من الأمر شيئاً .
لقد أكد الأمير محمد بن نواف أن الجهل يغذي التحامل والغرور ويؤدي بأصحابه إلى الضلال البعيد، أما المعرفة فتحرر وتغني .
لقد قال سموه: إن الإسلام يحمي حتى الشجر والزرع والضرع والمنشآت المدنية ويحرم التعرض للعدو من خلالها، أين هذا من الانتهاكات المتكررة لهذه الحقوق وغيرها من حقوق الإنسان التي يرتكبها بعض من يحاضرون علينا في هذه الحقوق وهم أحق بأن نحاضر عليهم.
وتابع يقول: إننا نؤمن بأن الحوار هو الطريق الوحيد إلى التفاهم والتعاون، وأن مستقبل الإنسان يتقرر في نطاق التفاعل بين ثقافات وحضارات العالم.
وكانت هناك كلمة لمعالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي التي تشرف على المركز، بالإضافة لكلمات لعدد من الهيئات وجهات دولية أخرى معنية بحقوق الإنسان.
لقد سبق لمعالي أمين عام الرابطة أن بين أن موضوع حقوق الإنسان في الإسلام من الموضوعات التي تسعى الرابطة لتعريف المجتمعات العالمية بمضامينها الشاملة والعادلة، وذلك لحاجة الإنسانية إليها، كما نعمل على طرحها بين يدي المؤسسات الحقوقية والقانونية الدولية للاستفادة في صياغة التشريعات التي تقوم بإعدادها تلك المؤسسات المعنية بالتأطير لنظم وقوانين وبرامج النظام العالمي الجديد وأنظمة وبرامج العولمة,وحول اختيار هذا الموضوع بالذات سبق لأمين عام الرابطة أن أكد أن ذلك يمثل حرص الرابطة على توضيح مبادئ حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام للبشرية كافة.
لقد كانت الندوة شاملة وكاملة بالموضوع الذي بحثها حيث وضعت محاور اشتملت على الموضوع من كل زواياه وجوانبه، فالمحور الأول بحث حقوق الإنسان من خلال الدساتير والعهود والمواثيق وذلك على شكل دراسة تحليلية، أما المحور الثاني فقد بحث لحقوق الإنسان والقضايا الكبرى ومن زوايا متعددة، والمحور الثالث والمهم كان حول التطبيقات الإسلامية لحقوق الإنسان لقد اشتملت المحاور على موضوعات بغاية الأهمية منها على سبيل الذكر: حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان رؤية إسلامية، وحقوق الإنسان في التصور الإسلامي، وحقوق الإنسان والتنمية، والاتجاهات الجديدة التي يثيرها المجتمع الدولي لضمان حقوق الإنسان، وحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه في الإسلام، ووسائل الاثبات والاعتراف في الشريعة الإسلامية، والأقليات الدينية في المجتمع المسلم حقوقها وواجباتها، وحقوق المرأة في الإسلام الذي نال قسطاً كافياً ووافياً من البحث والنقاش، وكذلك الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية من ناحية حقوقها ومشكلاتها، ولم تنس الندوة حقوق الطفل ورعايته في الإسلام، وكان هناك موضوع متميز حول التطلعات المعاصرة والمستقبلية لحقوق الإنسان.
لقد شارك في الندوة عدد من أصحاب المعالي والفضيلة وقيادات العمل الإسلامي بالإضافة لعدد من الأئمة والدعاة في إيطاليا وخارجها.
وقد أثرت تلك الفعاليات بمناقشات فكرية عالية المستوى ولا ريب كان الوفد السعودي المشارك في الندوة كالعادة الأميز والأبرز في المناقشة والطرح العلمي الشرعي العقلاني.
وغير خاف على أحد ان الهدوء وحصافة الرأي والخبرة والمعرفة ضرورية في ندوات كهذه وخصوصاً عندما يبدأ النقاش ويتعمق، وهذه الصفات كانت ميزات شخصية الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل الذي أبلى بلاء حسناً في النقاش والمحاورة والإجابة على الأسئلة والاستفسارات التي طرحت عليه ولا غرابة في ذلك فهو من شجرة مباركة طيبة تعود جذورها للشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله وهو ابن مفتي الديار السعودية الأسبق يرحمه الله لقد كان مثالاً للشخصية المسلمة التي تدافع باقتدار عن مبادئ وقيم الإسلام وحضارة المسلمين.
لقد صدر في نهاية الندوة بيان ختامي رسمي بإعلان روما حول حقوق الإنسان في الإسلام اشتمل على قرارات الندوة وتوصياتها.
لقد دعت الندوة من خلال هذا الإعلان حكومات العالم وهيئاته ومنظماته ومؤسساته الإنسانية لعمل عالمي مشترك هادف وفاعل لتحقيق راحة الإنسان وفق معايير تضمن حقوقه وتضعه في المكان اللائق بإنسانيته، لقد اشتمل الإعلان على خمسة مبادئ تساهم بتحقيق أهداف الندوة، لقد نصت تلك المبادئ على أهمية ربط الحقوق الإنسانية بمرجعيته تراعي المعتقدات والقيم الدينية التي أوصى بها الله سبحانه وقال على لسان أنبيائه ورسله، كما أكدت على ضرورة ربط الحقوق بالواجبات بشكل متوازن وعلى نحو لا يتعارض مع إرادة الله تعالى، واعتبرت أن إسهام المنظمات غير الحكومية في الجهود المبذولة لإعادة صياغة المواثيق والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان عامل إيجابي في تحقيق الشمولية المطلوبة ومساعدتهم لتكامل الرؤى والجهود الإنسانية السامية لحماية الإنسان وضمان حقوقه.
لقد نص أحد المبادئ على تشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات بما يساعد على تفهم أفضل لحقوق الإنسان وبما يجنب المجتمعات البشرية ويلات الصراع والنزاع المسلح وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على الإنسان والبيئة.
كما أكد الإعلان على توفير الأسباب والوسائل التي تحقق نبذ التمييز بين أفراد المجتمع البشري على أساس من الجنس أو اللون أو اللغة أو الانتماء الوطني.
إن قضية حقوق الإنسان بالمنظور الإسلامي وطرحها بهذا الشكل في ندوة عالمية سيكون له أبلغ الأثر إن شاء الله في توضيح الصورة الصحيحة والصادقة للإسلام في أذهان البشر قاطبة، لأن شريعة الإسلام قد قدمت الضمانات لتحقيق التكامل والشمول والتوازن والمرجعية وآليات التطبيق الصحيح لحقوق الإنسان، ولا ريب في ذلك بعد النجاح الكبير الذي حققته الندوة من خلال جلساتها ومحاورها المتعددة أهمية عقدها في مناطق أخرى في أوروبا وأمريكا، حيث إن تلك القضية لن تنتهي، ورابطة العالم الإسلامي بقيادة ربانها معالي الشيخ عبدالله العبيد خير من يقوم بتلك المناشط الخيرة، وخصوصا بعد النجاح الذي تحقق لتلك الندوة، حيث كان الجميع مشاركين وباحثين وضيوف سعداء ايما سعادة بهذا الجو الأسري الذي ضمه المركز العملاق، كما أن حسن التنظيم والإعداد والتفاعل من الجميع صغيراً وكبيراً كان له الأثر البالغ في تحقيق الأهداف الخيرة من هذا اللقاء المبارك.
|
|
|