Thursday 9th March,2000 G No.10024الطبعة الاولى الخميس 3 ,ذو الحجة 1420 العدد 10024



معلناً نقلة علمية هامة
التصوير الفوتوغرافي في بدايته غرفة مظلمة وعطاؤه المعاصر بلاحدود

كان العالم على موعد مع حدث مهم، حدث فريد من نوعه ظهر على يد الفرنسي جوزيف نييبس عام 1827م حيث أنتج أول صورة فوتوغرافية في العالم.
جاءت بدايات هذا الحدث منذ أيام أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، عندما لاحظ ما يعرف بالستينوبية وهي الصورة التي تتشكل لك حينما تمنع دخول الضوء لغرفة ما مع السماح لحزمة ضوئية بالدخول عبر ثقب صغير لا يتجاوز المليمتر الواحد ثم تضع ورقة بيضاء على بعد عشرين سنتميترا من الثقب، في تلك الحالة ستجد المنظر الخارجي قد ارتسم على الورقة بشكل مقلوب وغير واضح، لكنها معروفة المعالم, وعرفت فيما بعد بالغرفة المظلمة وهو اسم إيطالي.
استغل الفنانون الإيطاليون هذه الغرفة في القرن السادس عشر لعمل لوحاتهم فليونارد دافينشي أوصى بمراقبة تلك المشاهد التي ترتسم داخل الغرفة المظلمة، وبعد مرور خمسين سنة أدخلت بعض التحسينات على الغرفة ليزداد وضوح الصورة فاستخدمت العدسات التي كانت تستعمل لتصحيح النظر, وكذلك ادخال الحدقة, وعندما أيقن الفنانون بأن هذه الغرفة سوف تساعدهم على تحسين مستوى أعمالهم بدأوا يفكرون في غرفة مظلمة متنقلة، وبالفعل تمكنوا من عمل ذلك, وكانت تلك هي المرحلة الأساسية للآلة الفوتوغرافية.
مع ذلك التطور لم يحاول أحد أن يثبت تلك الصورة بشكل دائم، إلا أن عالم الطبيعيات الألماني جوهان شولتز الذي اكتشف أن آثار الفضة تتحول للون الأسود إذا تعرضت لضوء ساطع، لكنه لم يتمكن من تطبيق عملي له، وتوالت الاكتشافات حتى جاء العالم الفرنسي جوزيف نييبس واستخدم مادة زفت الجليل التي من خواصها أنها تتصلب وتصطبغ بالبياض عندما يسلط عليها الضوء.
وفي تلك الأثناء قام جوزيف برسم صورة على قطعة من الزجاج ووضعها على صفيحة دهنت بالزفت ثم وضع الكل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاث ساعات ونتيجة لذلك حصل على صورة صلبة ودائمة مخترعا بذلك نوعا جديدا من الفن اطلق عليه اسم التصوير الشمسي, وبعد نجاح هذه العملية قام جوزيف بدهن قطعة من القصدير بمادة زفت الجليل ثم سلط عليها منظرا كان يراه من غرفته لمدة ثماني ساعات، وهكذا حصل على أول صورة فوتوغرافية في العالم.
لم يهدأ المهووسون بهذا الاكتشاف عند هذا الحد، ولم يقفوا عند تلك النقطة، فأول صورة في العالم كان ينقصها الكثير من المميزات، وتفتقد للعديد من التقنيات, حتى جاء عام 1837م وفيه استطاع الفرنسي لويس واغير ثتبيت الصورة المنتجة داخل الغرفة المظلمة بواسطة ملح الطعام وأطلق على اكتشافه اسم النموذج الداغيري , وكان يعطي صورة موجبة مباشرة لا يمكن السحب عليها، بالإضافة لكونها هشة مما يجعل التعامل معها أمرا صعبا بسبب سطحها اللماع، وتشجيعا له استطاع الفلكي والفيزيائي فرانسوا راغو أن يؤمن من الحكومة الفرنسية مساعدة مادية للمخترع وبذلك توصل لتحسين طريقته حيث قام بتثبيت الصورة بواسطة هيبو سلفيت الصوديوم ثم تجفف باللهب وتختم الصورة بإحكام تحت الزجاج للحفاظ على السطح الحساس، وبذلك كان النموذج الداغيري أفضل مرآة للطبيعة في ذلك العهد.
وبعد ذلك الاختراع صرح الفنان بول دي لاروش بقوله: مات فن الرسم اعتبارا من اليوم وتهافت الناس على شراء النموذج الداغيري بعد عرضه على الأكاديمية العلمية في باريس، وانتشر في العديد من البلدان العالمية، وأصدر لذلك كتيبا يوضح فيه تاريخ ووصف الطريقة المسماة النموذج الداغيري,وفي عام 1835م تشكلت أول صورة سلبية في العالم على يد عالم الرياضيات الإنجليزي فوكس تابلوت، ولم يكن على علم بالنموذج الداغيري ونتيجة لذلك طالب فوكس بكتاب وجهه لفرانسوا راغو بأسبقية أعماله على أعمال داغير، وعرض أمثلة لأعماله في المعهد الملكي في لندن، وعرض كذلك عدة صور موجبة وسالبة أخذت عن طريق الغرفة السوداء، ولكن تلك الطريقة لم ترق للجمهور، ولم تلفت نظرهم لأن طريقة داغير كانت أسرع وأدق، وتأثر فوكس كثيراً بتجاهل الجمهور الإنجليزي له ولطريقته، ومع ذلك تابع فوكس أعماله وحسن من طريقته حتى حصل على شهادة للاختراع الذي أطلق عليه اسم الكالوتيب .
وبعد حصوله على شهادة الاختراع أنشأ مخبراً لسحب الصور في مدينته واتجه إليه العديد من الأشخاص الذين يودون التقاط صور شخصية لأنفسهم، ونشر كتابا يشرح فيه طريقته وهو أول كتاب مصور، ومع ذلك لم يلق رواجا في الولايات المتحدة لوجود النموذج الداغيري في الصدارة، وانتشرت المخابر لتصوير الوجوه في بريطانيا وكانت أجمل الصور التي التقطت من قبل روبرت الذي التقى بالرسام الاسكتلندي دافيد.
استمرت حركة تطوير ذلك الفن فكان ثبات الصورة ووضوحها وسرعة إصدارها أهم الأشياء التي شغلت بال المهتمين والباحثين في شؤون التصوير فبحثوا عن سبل للتغلب عليها وفعلا تمكنوا من ذلك بفضل النحات فريدرك سكوت الذي تعلم فن التصوير بواسطة طريقة الكالوتيب وقارن بين النماذج وبحث عن ورق أكثر حساسية من الورق المستخدم في النماذج السابقة وحصل على صحيفة الكلوديون الرطب والتي تختصر وقت التعريض إلى اقل من ثلاث ثوان في اشعة الشمس وكانت هذه الطريقة تتطلب من المصور أن يكون ذا خبرة فوتوغرافية وكيميائية.
أصبح التصوير في تلك الحقبة متاحا للجميع فكانوا يقفون أمام عدسات التصوير لالتقاط صور لهم حتى ان الشعراء الإنجليز أمثال تنيسون وبرادينغ وقفوا أمام عدسة أكبر مصورة هاوية في ذلك الوقت جوليا مارغريت والتي كانت تستخدم قياسا كبيرا للصورة, واضاءة مدروسة وعدسة ضخمة وتطلب من نماذجها الوقوف أمام العدسة لمدة 67 دقائق ودون حركة ودون مسند لرؤسهم خوفا من تشويه المنظر الطبيعي للوقفة وكان يعرف بالتصوير الفني.
كان التصوير الفني في تلك الفترة يحاول تقليد الرسامين من ناحية الاتقان والدقة، وفي نفس الوقت كان الرسامون يستخدمون التصوير للوصول للدقة التي يبحثون عنها في الرسم، ويوماً بعد يوم وشيئا فشيئا ترك الرسامون الواقعية للمصورين الضوئيين لأنهم لم يجاروهم واتجهوا للمدارس الفنية المتعددة.
صحيفة الكلوديون الرطب رغم أنها أكثر حساسية من الاكتشافات السابقة لكن معالجتها تطول مما يجعل التعامل معها أمرا ليس سهلا وليس ميسرا للجميع لالتقاط الصور التي يريدونها من أجل ذلك فكر الهواة في حلول لهذه المشكلة فتوصل مادوكس لمركب جيلاتينوبرومور الفضة وتم تطويره من قبل هواة آخرين لذلك الفن حتى أصبحت بريطانيا تحتضن أربعة معامل لانتاج تلك الصفائح الجافة وذلك عام 1878م, وبعد سنتين من ذلك التاريخ أضحى التصوير في متناول الجميع عندما بدأ تصنيع الآلات الصغيرة القابلة للحمل والتصوير بها مباشرة دون الحاجة للحامل لكي تثبت عليه، وظهرت كذلك الآلات الصغيرة جدا التي تخبأ في يد عكاز أو في إطار ساعة أو كتاب,, إلخ.
وعرفت تلك الآلات باسم آلات المخبرين, وبعد إصدار آلة كوداك عام 1888م قال جورج ايستمان كلمته المشهورة: اضغط على الزناد ونحن نقوم بالباقي وبواسطة تلك الآلة يستطيع المصور أياً كان تصوير ما يحب وما يريد ثم يرسل الكاميرا إلى الصانع وبدوره يخرج الفلم ويقوم بإظهار الصور ويعيد الكاميرا لصاحبها بعد أن تعبأ من جديد ومعها الصور التي تم اظهارها.
ومنذ ذلك الحين والتصوير يشهد تطورا سريعا, وسنلقي الضوء في المرات القادمة حول بداية التصوير الملون والتصوير الصحفي ورواد التصوير الأوائل.
أحمد الدهلاوي
الشارقة

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved