هل كتبت رسالة غير قابلة للنشر
عفوا عزيزي القارىء اعذرني ان كان خطابا وجدانيا مغلفا بالرومانسية,, أعتقد اننا نحتاجه في خضم ركضنا وتحت سطوة لهاثنا خلف صدى طموحاتنا,.
اما جربت ذات مرة ان تكتب رسالة غير قابلة للنشر تحتفظ بمفرداتها في فضاء خيالك وتذرها حبيسة ذاتك واسيرة بالك,, وما زلت محاولا ان تخبىء ايحاءها تدس صهيلها,, ان تمر بها من نقاط التفتيش.
انها رسالة صادقة من نفسك الى نفسك,, نزوح من الذات الى الذات,, عبر مكاشفة صريحة دونما حواجز ولقاء مفعم بالحرارة ومسكون بالحوار المتوهج,, وكأنك تجرِّد من ذاتك شخصا تخاطبه,, تبث اليه اشجانك,, تلقي بهمومك,, تهديه باقة هواجسك تشكو اليه ألم انكساراتك,, تطلعه على دوائر احلامك,, ومنتهى آمالك,, ها انت تقف على بوابة وجدانك,, تلامس ملامح ذاتك لتعيد اكتشافها من جديد,, ومضيت تتوغل في اعماق نفسك,, تسافر في آفاقها الرحبة لتطل على ضفاف مشاعرك وتقرأ رسوم كفاحك,, تلم بحروف عطائك ,, تذرع مسافات شاسعة في صحراء النفس.
اما عانيت هذا الموقف ذات يوم هربت فيه من رقابة الفكر وكسرت مصيدة التسلل لتسجل هدفا في شباك ذاتك,, موقف كأنك تولد فيه من جديد,, عبر تغلغل في ثنايا شخصيتك,, تريد ان تكتب لها سيرة ذاتية عامرة بألوان التجلي.
نعم كل منا لديه سجل ذاتي خاص لرسائل غير قابلة للنشر سوى في بريد ذاته هي بينه وبين نفسه فقط,, وعندما تفتش حقيبة الذات وتبعثر محتوياتها ستجد رسائل صادقة مفعمة بالأحلام ومليئة بالأماني,, او مثخنة بالأشجان ومرارة المواقف,, واستبداد الظروف تطغى عليها نغمة الحزن والأسى,, رسائل مؤثرة تغمس حروفها بمداد العاطفة الملتهبة التي اوقدت جذوتها جراح الأيام وقسوة الليالي.
ترى متى يمكن ان تطل في أذهاننا رسائل غير قابلة للنشر أهو في مواقف الانهزام ام الالتزام؟ في منعطفات الفرح أم محطات الحزن؟ في مظاهر العبث ام تحت ظلال الاحساس بالمسؤولية؟ تحت سقف الهدوء ام في موكب الصخب؟
ترى هل تلك الرسائل تمثل مواقف مواجهة مع الذات ام انسحاباً اليها من لسعات الحياة وانكفاء على وعائها؟
اعتقد ان الحوار مع الذات موقف قوة لا ضعف فالانسان بحاجة الى ان يقيم مع نفسه حوارا يوميا يستمع فيه الى اصداء آلامها وآمالها ويقوم انكساراتها ويصحح مرئياتها ,, بل ويتزود بوقود العطاء ويرسم منهج التقويم السليم ويكبح جماحها ويضع امامها مشاريع مباركة وفاعلة يتحرر من خلالها من قيود الذات ويتجاوز الدائرة الضيقة.
الحوار مع النفس نقطة صاخبة وأفق مفعم بالحركة والحيوية والنقاش يرصد الانسان من خلاله تحركات عاطفته ويسجل ابعاد شخصيته ويدون ملامح موقعه في الخريطة ,, كيف لا؟ وهو يقف امام مرايا ذاته انما مرايا صافية لم تهشمها رياح الزيف,, او تخدشها عواصف التزوير ,, هي تعرفك ولن تستطيع ان تخدعها بمظهر او تخفي عنها مشاعر,.
نعم اللقاء مع الذات موقف وجداني ساخن يثير موجات المشاعر ويحرك أغصان الأحاسيس ويقيم شلالات البوح الصادق عبر دفقات عاطفية يحتاجها المرء في هذا العصر الشحيح بالمشاعر,, انه لقاء يزيل غيوم الغبش عن أعين الحقائق ويصفي الأجواء ,, بل ويتيح لأصوات العقل والحكمة والمنطق ان تؤكد حضورها فلا تملك الا ان تنصت لخطابها الأنيق,, حوار بين العقل والعاطفة ,, بين الحب والكره,, بين الجد والعبث,, بين الحقيقة والخيال,,
ولم ازل أؤكد ان كل انسان بحاجة الى أن يكتب رسائل الى ذاته ويقيم معها تواصلا تتراسل فيه حواسه ولن يستطيع ان يحجب تلك الرسائل حتى لو اخفى صندوق بريده,, هي رسالة تحترق تحت لظى المشاعر المتوهجة,, فقد كتبناها بآهاتنا ونقشناها في جبين ضمائرنا وحفظناها في حقيبة العاطفة المكلومة,,
وتظل رسائل الذات ممارسة ماتعة لها اصولها وحرارتها ولم تزل عائمة في بحيرة الوجدان,, ما أروع ان تكون واصلا للرحم مع نفسك ,, وقادرا على ملء موقف مشرف مع ذاتك,.
محمد بن عبدالعزيز الموسى
بريدة