بعد جمعه رئاسة لجنة السياحة بغرفة الرياض واللجنة الخليجية للسياحة والتسوق انتخاب عبدالمحسن الحكير رئيساً للجنة السياحة الوطنية يرفع مستوى المطالبة بمعاملة السياحة معاملة الصناعة |
* اجرى الحديث: عبدالرزاق السنوسي
تم وبالاجماع اعادة انتخاب الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز الحكير رجل الاعمال المعروف وصاحب مجموعة عبدالمحسن الحكير واولاده للمشاريع الوطنية والسياحية,, رئيساً للجنة السياحية الوطنية بمجلس الغرف السعودية الى جانب رئاسته للجنة السياحة بغرفة الرياض، تقلد مؤخراً منصب رئيس لجنة السياحة والتسوق بدول مجلس التعاون الخليجي وجاء اعلان نتيجة الانتخاب والترشيح للشيخ الحكير خلال افتتاح الدورة الجديدة للجنة السياحة الوطنية وانعقاد اجتماعها التاسع والثلاثين بشاليهات بحيرة اليمامة على طريق الخرج بحضور اعضاء اللجنة الثلاثة والعشرين ظهر الاحد الماضي وتم خلالها تكريم الدكتور عبدالعزيز العوهلي وكيل وزارة المواصلات لشئون النقل والنائب السابق للجنة,, حيث كانت فرصة رائعة للتعريف بآخر المستجدات التطويرية لمشاريع الحكير الترفيهية والسياحية في الرياض ومختلف مناطق المملكة.
الشيخ عبدالمحسن الحكير خص الجزيرة بحديث موسع عن اهتمامات اللجنة الوطنية بتفعيل مفهوم السياحة في المملكة وفق اهميتها الحتمية التي تفرض عليها عادات هذا البلد الكريم وتقاليد شعبه المضياف وشغفه بالتنويع واختيار وسائل الاستجمام والترفيه فبدأ حديثه بقوله:
* عندما نعلم ان هناك 30 مليار ريال تصرف من السعوديين على السياحة في خارج المملكة في العام الواحد فقط، اكثر من 3 ملايين سائح سعودي يغادرون البلاد الى الخارج بهدف السياحة,, فان هناك معدل 30 مليون ليلة يقضيها السعوديون خارج المملكة، مازال اكثر معدل صرف على السياحة في الخارج منصبا على السعوديين من بين جميع دول الخليج، بمتوسط صرف خمسمائة ريال يومياً للفرد الواحد وفي ضوء ذلك بلغ معدل السياح السعوديين في داخل المملكة حوالي 17% مما ينفقه خارج المملكة علماً ان الانفاق من السائح داخل المملكة لا يتجاوز ال 200 300 ريال يومياً ومازال بوسعنا في المملكة استعادة النسبة الطبيعية من السياح السعوديين او حتى بجزء قليل، مع الوقت يمكن ان ترتفع النسبة الى ان تصل الى المستهدف من الارقام، المهم في الموضوع كله الرسالة الاعلامية التي تصل بوضوح للسياح السعوديين، هذا لا يتم الا بوعي الجميع لما يحدث، فالمسئول الذي كان يعارض في السابق ان يسافر ابناؤه للخارج اصبح ابناؤه انفسهم يرغبون في البقاء في المملكة.
ونحن في المجموعة اصبحنا ندرك الفرق بين الماضي والحاضر,, من خلال ملاحظاتنا للبعض الذين يعبثون بالتجهيزات والآلات,, الخ,, اما اليوم فقد اصبحوا يحافظون عليها ويعتبرونها من ممتلكاتهم الشخصية ولذلك فان اليوم اختلف عن الامس، لكننا لانزال بانظمتنا القديمة دون ان نطورها، لاتزال الكثير من القيود مسيطرة على مسيرة السياحة في المملكة وانا اتعجب من اللذين لا يود لها ان تكون مثالاً لمجتمعنا المحافظ والعريق بطبيعته في عاداته وتقاليده، فنحن لا نطالب بأن تكون السياحة لدينا صورة مماثلة لما يحدث في الخارج,, بل العكس من ذلك,, سياحة نقية تحتضن الاب مع اسرته في جو غير شاذ,, وهذا في عرف ديننا امر بالمعروف ودعوة للتكافل والتراحم وصلة الارحام.
لا وجود للبطالة
ونحن ننادي بتوفير الايدي العاملة السعودية من خلال استقرار صناعة السياحة، عندما يكون لدينا 7 ملايين عامل غير سعودي في المملكة فهذا لا يعني ان لدينا بطالة وانما لدينا عدم توفير فرص العمل للسعوديين وهي تحتاج الى تطوير المناهج، الكفاءات، التدريب، واذا ما قامت صناعة السياحة في بلادنا فسيجد الكثير من الشباب فرص العمل متاحة امامهم بل يجب ان يكون للسياحة نظرة صناعية بحتة، يجب معاملة السياحة معاملة الصناعة والزراعة والتعليم ذلك لان السياحة مرفق مهم جداً طالما اننا نبحث وراء الاقتصاد المتين ومن هنا كانت السياحة ام الصناعة، الزراعة بل هي ام اكثر من عشرين مهنة من المهن المهمة المحلية.
خدمات مفيدة لقاصدي الحرمين الشريفين
وعندما نتحدث عن مشاريع الحكير الترفيهية فليس هدفنا ان نتميز عن غيرنا في تقديم هذه الخدمة، فنحن في المملكة لدينا طاقة وامكانات ليست موجودة عند غيرنا واول هبة منحنا اياها الله جل وعلا وهي اعظم من هبة البترول الا وهي وجود الحرمين الشريفين في بلادنا وفيها منافع للناس ولا يوجد ما يمنع ان اقدم خدمة للمسلمين القادمين لاداء الحج والزيارة والبالغ عددهم سنوياً اكثر من مليون ونصف المليون وهذا العدد هو من اصل مليار وثلاثمائة مليون مسلم، لو اننا حصلنا على نسبة من هذا الرقم فان المملكة سوف ينتعش اقتصادها دون الحاجة الى دعاية للسياحة فيها,, فنحن في المملكة الوحيدين في العالم التي تتمتع اراضيها وبحارها وبطبيعتها الجذابة، ومع ذلك فاننا نفتقد الى ثلاث مراحل مهمة,, كما هو متاح في بلد مثل فرنسا المعروف عنها بارتفاع نسبة السواح لديها وهي تنفق اكثر من 15% حتى الان للتعريف بالسياحة في ايراداتها واذا توقفت عن الانفاق فانها سوف تتوقف عن استقطاب السواح لمدنها التي يصلها اكثر من 75% من سواح العالم, وعلى النقيض من ذلك فان الولايات المتحدة الامريكية لا يصلها من هذه النسبة سوى 4% فقط لان معظم سياحتها داخلية فنحن اذا اكتفينا بالسياحة الداخلية اصبحنا مثل امريكا واذا طلبنا السياحة الخارجية اصبحنا مثل فرنسا,, ولكننا لسنا من هؤلاء ولا من اولئك,, ولذلك من المهم جداً ان نحدد هدفنا خدمة للاسلام ولبلدنا,, واذا كان هناك بديل فعلي عن البترول فانه سيكون السياحة والزيارة والعمرة والخدمات المتاحة لها,, وهذا بالفعل هو الايراد الذي لا ينضب ولاجل تنفيذ ذلك نحتاج فقط للتسهيلات,, ونحن مع ذلك الدولة الوحيدة التي لن تحتاج ابداً الى دفع قرش واحد للتعريف بالاماكن المهمة في بلادنا لاننا بطبيعة الحال معروفون عند اكثر من مليار من المسلمين واذكرهم بذلك خمس مرات يومياً, وعلى اية حال نحن نتطلع الى المنطقة الوسطى والى دعم سمو الامير سلمان بن عبدالعزيز وتشجيعه للسياحة انطلاقاً من مشروع منتزه الثمامة الذي سيكون واجهه الرياض السياحية والذي تقدر مساحته بأكثر من 400 مليون متر مربع.
الاستفادة من شواطئنا على البحر الاحمر
واعود الى العامل الثاني والمهم ايضاً على مستوى المملكة وهو استثمار ساحل البحر الاحمر سياحياً امام اربعة دول مطلة على نفس البحر تستفيد من حوالي 700 كيلو متر يزورها سنوياً 6 ملايين سائح ينفقون اكثر من 4 مليارات دولار ولا يوجد بها بنية اساسية، خدمات ومع هذا كله فان الدخل الاول من جمهورية مصر العربية يصل الى ثلثي الايراد للدولة ويتحقق من الجزء البسيط على شاطىء البحر الاحمر وتأتي في المرتبات التالية اسرائيل، الاردن، الدول الاخرى التي استفادتها محدودة جداً,,.
ومن هنا فان المملكة بها اجمل شاطىء مع خدمات متوفرة، بنية اساسية قائمة ولذلك نحن فقط نحتاج الى تبسيط الاجراءات، النظرة للسياحة على انها صناعة وليست ترفيها بل يجب ان تعامل السياحة معاملة مقومات التنمية وليست استثماراً ففي دول مثل مصر وتونس على سبيل المثال يعطى المستثمر حق تملك الارض بسعر تشجيعي، يعطى الخدمات بأسعار تشجيعية، تقدم له القروض الميسره,, فنحن كعاملين في قطاع السياحة نعتبر انفسنا يتامى ليس لنا اب ولا ام ونحتاج الى من يساندنا ويعطف علينا وفي نفس الوقت تلقينا وعوداً كثيرة والتأخير ليس في صالحنا ولا في صالح اقتصاد بلادنا لان العالم القادم سيبنى بالقرار السريع وليس بالقوة والكثرة والقرار اذا ما اصدر اليوم فلابد من ان نتوقع حدوث الاخطاء مع بداية تنفيذه,, كما ان النجاح لا يولد الا مع وجود الاخطاء ومعايشتها ومن ثم الخروج منها بالفوائد واستبعاد غير المناسب لنا كمجتمع محافظ، يجب علينا ان نحجز مقعدنا في القطار الذي سينطلق واذا لم نبادر من الان فسيفوتنا بلا رجعه وسنسير بعد ذلك على اقدامنا دون ان نجد بعد ذلك من يساعدنا للوصول الى ما وصل اليه اقل منا في الامكانات ومن هنا فان الذي نطالب به هو من حقوق المواطن ومن حقوق الدولة ايضاً علينا الذي يجب ان يتحقق لمصلحة الاقتصاد الوطني.
فوهة المدفع
ورداً على سؤال عمااذا كان المهتمون بقطاع السياحة في المملكة مجددين ولانهم كذلك فان العقبات حتما ستواجههم, يجيب الشيخ عبدالمحسن الحكير بقوله ان بلادنا ولله الحمد بها عدة مجالات وانا وغيري عندما اخترنا هذا المجال,, وهو الاصعب على ارض الواقع,, فقد وضعنا انفسنا في فوهة المدفع وواجهنا هذا التحدي الصعب بحذر واصرار على الاستمرارية وإلا كان من الاسهل علينا ان نعمل في العقارات وغيرها من النشاطات سريعة الكسب ويصلنا دخلنا ونحن في بيوتنا مثل غيرنا، ولذلك فان القائمين على مشاريع الترفيه والسياحة الان هم الذين يحتاجون المساعده ويشكرون على ما قاموا به ومن المفروض ان يتلقوا يومياً الشكر على ما قدموه لبلادهم كما هو حاصل في بقية الدول,.
ان الذين قدموا المشاريع الترفيهية لبلادهم ودخلوا هذا المجال وهم قلة اعتبرهم شخصياً اكبر المخاطرين اقتصادياً للعوامل السابقة التي ذكرتها.
الآثار التاريخية,, والسياحة
وعما اذا كان توجه الدولة مؤخراً الى تنشيط الاهتمام بالآثار والاماكن الاثرية في المملكة سيسهم مع الوقت في دعم السياحة المحلية؟
يجيب الشيخ عبدالمحسن الحكير: اود اولاً ان اؤكد بأنه لا سياحة بلا آثار ولا آثار بدون سياحة,, ومع ذلك فهي عندنا مازالت تغط في نوم عميق ونتمنى ان تفيق من نومها وان كانت في الفترة الاخيرة اخذت تنتبه من نومها لان هناك في بلادنا اثاراً ماتت وهي واقفه والكل ينظر الى حالتها البائسة، تحيط بها مجموعة من التعليمات تمنع الدخول اليها او الاستثمار فيها او حتى ممنوع من الانسان ان يشاهدها او حتى الاقتراب منها, ومن هنا فانا ادعو الى الاهتمام بها كما فعل صاحب السمو الملكي الامير وزير الداخلية باعتبارها ثروة كبيرة وتفتخر بها هذه البلاد ولكن لم يستفد منها كتراث او للسياحة بهدف السياحة ولا اعلم سبباً واحداً لما يحدث، عندما تصبح بلادنا ملتقى لتصدير السياحة لغيرها وليس اليها.
فجميع الدول المجاورة لنا تعمل منفرده على تكثيف سحب اكبر تسويق للسياحة من بلادنا,, دون ان نسعى نحن في المقابل الى سحب نفس الحصة من تلك ا لدول لزيارة بلادنا والسياحة فيه,, وانا اقول كغيري ان ما يفعله اولئك حق من حقوقهم حتى بلغ عدد رواد مهرجان دبي من السعوديين اكثر من 60% ، 40% من رواد مهرجان فبراير في الكويت من السعوديين، 40% من اجمالي المصطافين في لبنان من السعوديين، هناك 400 الف سعودي يزورون مصر سنوياً,, وهذا ليس عيباً بل انهم يعملون لمصالحهم,, ولهذا يجب ان تتكون لدينا سياحة بالمفهوم الذي يتناسب مع مجمتعنا وعاداته وتقاليده,, ومن حقنا ان نطالب بتشكيل هيئة عليا للسياحة او بأي مسمى علوي مثل وزارة او الى غير ذلك من الجهات التي تملك القرار في التنفيذ لهذه الصناعة الحية ولا اعتقد بأن مثل هذه الامر صعب المنال,, وأضرب مثالاً والامثلة كثيرة,, عندما قرر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز انشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع كان هذا في بدايته حلماً ويصعب ان يتحقق على ارض الواقع لبناء قاعدة صناعية كبيرة لبلادنا, ان جميع الدول والخبراء المختصين كانوا متشككين في امكانية نجاح هذا المشروع حتى قالوا ان المملكة بهذا المشروع سوف تلقي بأموالها في البحر,, ولكن لانه كان هناك قرار واصرار على مصلحة هذه البلاد تحقق ذلك الحلم الى واقع ملموس بل اصبح ما انفقته الدولة على انشاءات المشروع لا يمثل 15% من التكلفة الواقعية له، نفس الشيء بالنسبة للصناعة وها انتم ترون الاف المصانع في جميع مناطق المملكة تعمل وتنتج وتربح, وكذلك بالنسبة للسياحة فهي لا تحتاج الى الاموال التي انفقت على الصناعة وغيرها وانما تحتاج فقط الى قرار يتعامل معها كصناعة وتشرف عليها الدولة وتدعمها بمواقفها واهتمامها.
وهناك نقطة مهمة يجب ان نلاحظها الا وهي ان اكثر من 70% من سكان المملكة تترواح اعمارهم في ا لعشرينات واذا لم توجه هذه الاعمار الى السياحة الداخلية فان نتائج متابعتهم لما يشاهدونه عبر الفضائيات والانترنت ومن خلال سياحتهم الخارجية سوف ينتج عنه مالا يحمد عقباه كشباب مليء بالحيوية فهم اولى بأن يوجهوا التوجيه الصحيح داخل بلادهم واقلمتهم على ماهو متاح وموجود ومتيسر في بلاده والا سوف يكون عبئاً على المجتمع وعلى نفسه ايضاً,, وقد أصدرت مؤتمرات رجال الاعمال والمختصين على مدى سنوات طويلة توصيات بأهمية دعم السياحة الداخلية وافساح المجال امام المهتمين ودعوة اصحاب الفكر والقلم للدعوة الى ذلك,, ومع ذلك لم نتقدم خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح,, فنحن عندما بدأنا هذا المشوار كانت منطلقاتنا الاساسية لعدم وجوده في بلده ولعدم قبول اي شخص تبنى هذا التوجه قبل 30 سنة علماً ان فيه من العوائق والمآسي المستمرة الى اليوم معنا,, حتى انني في بدايته ظننت انني أخطأت التقدير والاختيار ولكن بعد هذا المشوار الطويل ادركت وادرك معي الكثيرون ان ما ينفق على الجامعات والمعاهد والمدارس لابد ان يتساوى مع السياحة لانها في نهاية الامر كتلة من المدارس للاجيال، تكون النظرة اليها تعليمية وليس استثمارية,, وكما قلت سابقاً ان دولا اخرى تعفي قطاع السياحة من الرسوم الجمركية وتقدم له التسهيلات لتدفعه للانتاج وتوعية المجتمع وليس فقط الترفيه,, وهذا الواقع شئنا ام ابينا سيأتي اليوم الذي نذكر فيه اننا ضعنا الوقت الطويل دون ان نباشر في الاهتمام به، كلما كان القرار سريعاً كانت خسائرنا اقل.
الربع الخالي,, والأمل
وحتى اذا اردنا ان نحدد الاماكن التي بطبيعتها سياحية ومن الممكن جداً ان تتحول الى قاعدة سياحية كبرى فهناك مثلاً الطائف والشريط الممتد منها الى ابها,, فهذا الشريط اكثر من رائع جغرافياً، مناخياً، سياحياً، ويمكن الاستفادة منه بجعله سياحة للمملكة وغير المملكة مروراً بالباحة وغيرها من المناطق، لذلك انا اقول بأن الطائف يمكن ان تكون ليس مدينة سياحية متطورة فقط وانما بوابة للمناطق السياحية الاخرى لارتباطها بالمناطق الجميلة مثلها.
وفي المملكة ايضاً الربع الخالي، والذي اطلقت عليه تسمية حديثه الان,, الربع الغالي لما يتمتع به من ثروات ومقومات هامة ويمكن ان يتحول كما في الصحراء التونسية والجزائرية والتي اصبحت اليوم كما هي صحراء لاس فيغس الامريكية,, وعموم القول ان لدينا من الاماكن والاشياء التي يجب ان نفتخر بها ونعزز من وجودها لمصلحة اقتصادنا الوطني كما هو الحال عندما نعتز بواقعنا وماضينا وحضارتنا الجميلة ولهذا يجب ان نضحي من اجل بلادنا.
صناعة السياحة,, الأهم
ومع بداية فصل الصيف وفي عطلات الاعياد ترى صالات المطارات الدولية بالمملكة مكتظة بأعداد كبيرة من السعوديين عاقدين العزم على شد الرحال الى بلاد الغربة للتنزه والاصطياف، وقد يبدو للبعض انني باعتباري رئيسا للجنة السياحة الوطنية ومن اشد المتحمسين للسياحة الداخلية سأكون ضد سفر السعوديين الى الخارج على طول الخط وهذا مناف للحقيقة فأنا مع السياحة الخارجية المقننة التي تغلب مصلحة الوطن على مصلحة الفرد، فلا يمكن بأي حال من الاحوال اهدار حق المواطن في السفر والتنقل الى اي مكان يشاء وفي الوقت الذي يريد، ما نأمله فقط ان نكون على علم ودراية بمجريات الامور من حولنا وان نحرر عقولنا من قيود الطفرة وننظر الى مستقبل الاجيال القادمة وماذا سنترك لهم من مصادر الدخل الوطني، وعلينا ان ندرك ان صناعة السياحة اصبحت من اهم الصناعات المؤثرة في العالم وانها اصبحت علما وفنا له اصوله وقواعده، وبنظرة فاحصة في الاحصاءات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية ندرك الدور الكبير الذي تلعبه صناعة السياحة فقد اصبح دخلها على المستوى العالمي يفوق العديد من الصناعات الاخرى مثل البترول فقد كان اجمالي الدخل على المستوى العالمي في عام 1997م في حدود 3,8 تريليونات دولار، ووفر قطاع السياحة العالمي 262 مليون فرصة عمل في عام 1997م ، وقدرت الاستثمارات والانشطة السياحية على المستوى الدولي ب 800 مليار دولار ، كما قدر حجم الضرائب العائد من انشطة سياحية حوالي 700 مليار دولار عام 1997م وبلغ عدد الكليات الجامعية والمعاهد التي تقوم بتدريس المواد السياحية والفندقية ما يقارب الالف جامعة من هنا ندرك ما للسياحة من اهمية اقتصادية عالمية كبيرة اذا اصبحت مصدرا رئيسيا للعملات الصعبة.
وعلى الجانب الاخرى ماذا نرى؟ نرى ارقاما واحصاءات ذات دلالات بالغة الخطورة على اقتصادنا الوطني والذي نحن في امس الحاجة الى تنميته وتطويره: فقد قدر ما ينفقه السعوديون خارج المملكة خلال عطلة الصيف ب 25 مليار ريال سعودي، وبلغ عدد السعوديين الذين يسافرون خارج البلاد حوالي 3 ملايين سائح سنويا، وبلغ عدد الليالي السياحية التي يقضونها حوالي 30 مليون ليلة سياحية، كما يعد متوسط انفاق السائح السعودي خارج المملكة من اعلى المتوسطات المعروفة عالميا حيث تزيد بنسبة 50% عن المتوسط العالمي لانفاق الفرد على السياحة, اذن نحن جميعا مطالبون بالحد من نزيف الانفاق على السياحة الخارجية ووقف هذا الهدر الكبير لثروات بلادنا, فلو تمكنا على سبيل المثال من جذب 30% من اجمالي السعوديين الذين يسافرون الى الخارج سنويا فمن المتوقع ان يكون العائد الوطني لذلك حوالي 9 مليارات ريال سعودي، وذلك على اساس ان المواطن السعودي ينفق في المتوسط 300 ريال على الليلة الواحدة في السياحة الداخلية، اضافة الى ذلك وفي حالة جذب هذه النسبة الى الداخل فمن المتوقع ان يوفر قطاع السياحة الداخلية مالا يقل عن 1490645 فرصة عمل وقد يتساءل البعض وهل نحن مؤهلون لاستيعاب هذه الاعداد الكبيرة من السعوديين للاصطياف في الداخل، وهل لدينا البدائل السياحية المناسبة التي تغنيهم عن السفر الى الخارج؟ كل هذه التساؤلات تجعلني ارجع بذاكرتي الى الوراء لاسترجع ما كان عليه الحال منذ سنوات ليست بالبعيدة، فقد ارتبطت كلمة السياحة في مجتمعنا بمفاهيم ذات دلالات سلبية، وكان ينظر اليها كما لو كانت شبهة او تهمة يسعى الكثيرون للتنصل منها، وكان الاستثمار السياحي في ذلك الوقت مغامرة غير مضمونة النتائج اما اليوم فقد تغير هذا الوضع وخطت صناعة السياحة خلال الاونة الاخيرة خطوات واسعة وطموحة مواكبة في ذلك النهضة الشاملة التي تعيشها المملكة في مختلف مناحي الحياة في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله وحكومته الرشيدة واصبح مصطلح السياحة والحمد لله جزءا من ثقافة المجتمع واهتماماته الشخصية وهذا الواقع الجديد لفت الانظار الى اهميتها كصناعة وكرافد اقتصادي يساهم فيه القطاعين: الحكومي والخاص، وبرزت السياحة كخدمة اجتماعية ضرورية حرصت الدولة على تقديمها للمواطنين والمقيمين على ارض المملكة اقتناعا منها بأهميتها الترويجية والصحية ودورها في تخفيف ضغوط الحياة المعاصرة بكل همومها ومشاكلها، ولاشك ان تنامي الاستثمارات السياحية في المملكة يرجع الى وجود بنية تحتية صلبة وقوية خلقت الارضية الصلبة لكل ما تحقق من نجاح في قطاع السياحة الداخلية حتى وصلت الاستثمارات السياحية في المملكة خلال السنوات الخمس الاخيرة الى ما يقارب من 25 مليار ريال سعودي تمثل المنطقة الغربية منها 50% وحوالي 35% المنطقة الشرقية وتشير آخر الاحصاءات عن حجم القطاع الفندقي بالمملكة عن وجود اكثر من 328 فندقا سياحيا تضم حوالي 290300 غرفة نوم, ونرجع الى التساؤلات السابقة والتي تتعلق بالمقومات السياحية في بلادنا وهل نحن مؤهلون حقا لنكون بلدا سياحيا متميزا، والاجابة بكل بساطة نعم وبعيدا عن وجهات النظر ذات الرؤى القصيرة والتي تشكك في امكاناتنا وقدراتنا السياحية نقول بكل فخر ان مفهوم السياحة ليس غريبا على الشعب السعودي فاكرام الضيف سلوك متأصل في جذورنا حيث تمثل المملكة التراث العربي الاصيل في كرم الضيافة وحسن الوفادة واكرام حجاج بيت الله الحرام، واننا بحكم تعاليم ديننا الحنيف وبحكم تقاليدنا وقيمنا العربية الاصيلة نكرم الغريب ونهش في وجهه ونشعره بأنه في وطنه وبين اهله، وبلادنا ولله الحمد تمتلك كل مقومات وعناصر الجذب السياحي، فالمملكة تمتد على مساحة شاسعة مما يجعلها بلدا فريدا من نوعه تتنوع بها التضاريس والمناخ، والحياة النباتية والتراكيب الجيولوجية مما يهيؤها لاحتواء كل الفصول المناخية في وقت واحد، وان تكون مؤهلة تماما لسياحة دائمة غير مرتبطة بالانماط التقليدية للسياحة الصيفية الموسمية ففي منطقة ابها على سبيل المثال تجد الاجواء الربيعية والغيم والمطر في فصل الصيف مما يغري الكثير من المواطنين للانتقال الى هناك للاستمتاع بهذه الاجواء الجميلة، وهناك المناطق الساحلية والتي تتمتع بشواطىء ذات بيئة طبيعية خلابة تصلح للسياحة البحرية بكافة انواعها واشكالها وهي لا تقل عن جمال الشواطىء البحرية في العالم، فعلى البحر الاحمر تمتد الواجهات البحرية الرائعة من حقل شمالا مرورا بكورنيش جدة حتى تنتهي بجزيرة فرسان وعلى الخليج العربي تمتد من ساحل العقير حتى شاطىء نصف القمر وواجهة منطقة الدمام البحرية وشواطىء الجبيل وفضلا عن ذلك فهناك مناطق التاريخ والتراث والتي تتناثر في ربوع المملكة ومنها: منطقة الخدود الاثرية بنجران، ومدائن صالح، وقرية الفاو وغيرها من الآثار التي مازالت صامدة في شموخ لتحكي للاجيال المتعاقبة تاريخنا وحضارتنا المجيدة, اذن فنحن لدينا انماط سياحية متنوعة مما يسمح بوجود سوق متكامل لصناعة السياحة في المملكة وما نشاهده الان من تنافس شريف بين كافة مناطق المملكة نحو جذب المواطن الى اماكن الراحة والجمال في بلاده خير دليل على سمو السياحة الداخلية ونبل مقاصدها وعلى ما تحظى به من اهتمام فهناك: مهرجان سياحي في ابها، وهنا مهرجان سياحي في الطائف، وآخر في المدينة المنورة والهدف من ذلك كله الحفاظ على العائلة السعودية المحافظة المسلمة من مغبات السياحة الخارجية بما لها من مساوىء على نسيح العائلة وعلى ترابط المجتمع السعودي، فنحن بالفعل في حاجة ماسة الى السياحة العائلية البريئة والتي تجمع الاسرة في مكان واحد يحتويهم ويلم شملهم، ويوفر لهم كل عناصر الترويج في جو من الخصوصية والاستقلالية التي ينشدونها ومن هنا فاننا نقول ان العمل على دعم السياحة الداخلية في بلادنا واجب علينا جميعا لدورها في دعم النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وزيادة الدخول وتنمية المناطق عمرانيا وحضاريا، ودعم الروابط بين اقاليم الدولة المختلفة.
ولا شك ان السياحة الداخلية تأخذ حيزا كبيرا من اهتمام المسئولين في دولتنا الرشيدة، فلقد ركزت خطة التنمية الوطنية السادسة للفترة 1415 1420ه على تنمية وتطوير قطاع السياحة على اعتبار انها احدى الصناعات الهامة سريعة النمو وهي احد مصادر الدخل ورافد من روافد التنمية, اذن فالدور علينا كمواطنين ومستثمرين للمشاركة في صنع التنمية ودعم القطاع السياحي في بلادنا، فالمواطن مطالب بالاصطياف في بلاده والتنزه في ربوعها ومناطقها السياحية الجميلة خاصة في ظل وجود العديد من المرافق الترويجية والترفيهية الرائعة في معظم مناطق المملكة، فالمواطن حين يأخذ القرار بقضاء اجازته بين ربوع بلاده الآمنة، فانما هو يدعم بطريق غير مباشر السياحة الوطنية في هذا البلد المعطاء، والاموال الطائلة التي يهدرها في الخارج حين ينفقها داخل بلده، فهذه الاموال لن تذهب ادراج الرياح بل ستعود عليه بالخير والنفع في صورة مشروعات تنموية جديدة فجحا اولى بلحم ثوره كما يقول المثل الشعبي الشهير واموالنا نحن اولى بالاستفادة منها لان تنمية وتنويع مصادر الدخل الوطني احد الهموم الكبرى التي يجب ان نتصدى لها على جميع المستويات، اما دورنا نحن كرجال اعمال فهو اكثر اهمية والحاحا من اي وقت مضى وذلك بالمزيد من الاستثمارات السياحية في جميع المناطق واستحداث المزيد من عناصر الجذب السياحي، وتوفير الخدمات السياحية وايجاد الفنادق والموتيلات والشاليهات والمنتزهات والقرى السياحية للمواطنين والمقيمين وتجهيزها بكافة الخدمات الضرورية.
واذا كنا نعيش على اعتاب مرحلة جديدة في تطورنا الاقتصادي مع التقلب المستمر في اسعار النفط فلابد من تغيير شامل في نظرتنا السابقة للكثير من الاشياء وادراك الكثير من المتغيرات الجديدة والتعامل معها، وتمثل التنمية السياحية طوقا هاما للنجاح في مسيرتنا التنموية، فعلينا ان نبدأ التحرك من الآن في ايجاد الآليات القادرة على دفع عجلة السياحة الداخلية وانشاء هيئة للسياحة الوطنية تكون مهمتها: التخطيط العلمي المدروس والاشراف على تنمية وتطوير وحل مشاكل القطاع السياحي في المملكة، واعداد مسح شامل للمناطق السياحية وتوحيد جهود جميع الوحدات المسئولة عن تنمية القطاع السياحي، وتقييم الامكانات السياحية المتاحة بكل منطقة.
|
|
|