وأتى الفصل الخامس من كتاب الشيخ عبدالعزيز التويجري بعنوان الملك عبدالعزيز والشريف حسين وفي هذا الفصل ملامح من ملامح الفصل الأول، أي شيء من العرض، أو السرد التاريخي, وكلما ازداد شيخنا الجليل قرباً مما يمكن أن يندرج تحت نطاق الحوادث التاريخية، وبخاصة تلك التي اعتمد فيها على آخرين، قلت متعة القارئ الذي يكاد ينتشي بعذوبة اسلوبه الأدبي، وأصبح يشغل عقله بما يضنيه بدلاً من ترك عاطفته تسبح في أجواء ما يطربه.
في أول فقرة من فقرات حديث الشيخ عن الحسين بن علي ص99 أشار إلى أمر هو في حد ذاته حقيقة، لكن ايراده في السياق الذي قيل فيه قد يوحي للقارئ ما يشعر بأن فيه اشارة دونية الى المتحدث عنه، الذي ذكر بأنه ولد في استامبول من أم شركسية , فلا المكان الذي ولد فيه وطن عربي، ولا أمه عربية، وما ضر المأمون ان أمه كانت أم ولد, وما قام به أبطال الشيشان برهن على أنهم كانوا أكثر شبهاً بالرعيل الأول من أماجد العرب المسلمين، بسالة وتضحية، من أكثرية أحفاد ذلك الرعيل، وان الواحد منهم كان أعظم من مئة من هذه الأكثرية العربية, من كان يظن أنهم سيصمدون اسبوعاً واحداً أمام قوة عسكرية موتورة بكل ما تملك من ترسانة أسلحة متطورة فتاكة؟ انه الصمود الذي سيذكره التاريخ جنباً إلى جنب مع موقف الدول الإسلامية، بصفة عامة، التي لم تدع واحدة منها مجرد دعوة سفيرها عند الروس للتشاور، وهو أمر لو فعل من الأسبوع الأول من حرب الإبادة لكان من المحتمل جداً ان يتخذ الغرب المنافق موقفاً غير الذي وقفه، ولأعادت روسيا حساباتها، لكن من المؤسف أن من الدول الاسلامية من لم تهتم اطلاقاً بما كان يحدث، بل ربما وجد منها من سره القضاء على أولئك الأبطال لأن انتصارهم لو حدث سيصب في مصلحة التوجه الاسلامي المنادي بتطبيق شرع الله، وهذا ما تحاربه هذه الطائفة من الدول التي رفضت كل منهج اسلامي.
بل ان من المؤسف حقاً ان ممثلين رسميين للمسلمين قد صرحوا بأن ما جرى في الشيشان كان أمراً روسياً داخلياً في حين انهم لم يصرحوا بمثل ذلك في مسألة تيمور الأندونيسية مع أن الشيشان يختلفون عن الروس في الأصل والدين والتيموريون لا يختلفون عن بقية الأندونيسيين أصلاً وليسوا كلهم مختلفين عنهم ديناً.
لكن ما لنا، هنا، وتذكر آلام أمتنا الحاضرة التي عبت من كؤوس المهانة حتى ثملت، ولعل في الهروب إلى التاريخ والاستمرار في الحديث عن بطل من أبطاله ومؤسس كيان نعتز به ما يخفف الألم.
نعم ولد الحسين في الأستانة في أثناء اقامة والده هناك، لكنه انتقل منها الى مكة مع أسرته وهو في الثانية من عمره، وذلك عند اسناد شرافتها الى جده سنة 1855م وعاش بعد وفاة والده، عام 1870م، تحت رعاية عمه عبدالله بن محمد ابن عون، الذي زوجه من ابنته عبدية، فرزق منها أولاده الثلاثة: علي، وعبدالله، وفيصل, ولما قتل عمه، حسين بن محمد عام 1881م ذهب ضمن وفد من ذوي عون إلى الأستانة للتفاوض بشأن اعادة الشرافة إليهم بدلاً من آل زيد، ثم أجبر على الاقامة الجبرية في العاصمة التركية، وان بقي معززاً مكرماً حيث منح رتبة وزير وعين عضواً في مجلس الشورى.
قيل ص99 في فقرة منقولة عن الوردي: إن الحسين عين شريفاً لمكة عام 1327ه والصحيح انه وصل إلى مكة بعد تعيينه في ذي القعدة سنة 1326ه، كما نص على ذلك الأديب الراحل والمؤرخ الصادق أحمد السباعي في تاريخ مكة.
وقد ورد ص101 انه التقى جمعاً من أمراء القبائل عند الملك عبدالعزيز في يوم من الأيام، وأخذت كل قبيلة تفاخر بنسبها وتعتز، فوجئ الملك عبدالعزيز بسؤال من أحد الحاضرين: ما هو نسبك يا عبدالعزيز؟ من أي القبائل أنت؟ فنادى أحد رجاله، وقال:
ائتني بسيف ومصحف، ثم قال: نسبي هذا السيف، به أخدم هذا الكتاب الكريم، فإني لا أرى لي نسباً غير هذين .
هذه القصة لو تأملها من هو خبير بعادات أهل وسط الجزيرة العربية وعاداتها كالشيخ عبدالعزيز لوجد ان من الصعب التسليم بصحة وقوعها بالتفصيلات التي ذكرت فيها، فمن المستبعد أن يسأل أمير قبيلة من هذه المنطقة الملك عن نسبه.
وقد تكون هذه القصة ركبت على قصة أخرى قد تشبهها في وجه من الوجوه ، لكنهما مختلفتان في الجوهر.
ولقد عبر الشيخ عبدالعزيز عما حدث بين أشراف مكة في عهد الدولة السعودية الأولى بعبارات هي السحر بعينه، لكن أن تكون هي الحقيقة فذاك أمر آخر، قال متحدثاً عن دخول سعود بن عبدالعزيز مكة، عام 1218ه: تلك الذكرى سببت زيارة الإمام سعود الأول للحجاز حين نادت الضرورات الأمنية الدرعية طالبة منها النجدة لتأمين حجاج بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي، صلى الله عليه وسلم.
وأي قارئ للتاريخ يعرف أسباب حصار سعود مكة بجيش اضطر الشريف غالب أمام قوته حين اقترب من تلك المدينة ان ينسحب إلى جدة، ويعرف ان أشراف تلك الحقبة التاريخية وقفوا موقفاً سلبياً من دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية التي ناصرته، ومنعت اتباع تلك الدعوة وهذه الدولة من الحج، ثم بدأوا بغزوهم عسكرياً, هذا هو ما سجله التاريخ الحقيقي, على أن نتيجة دخول الحجاز تحت حكم الدولة السعودية الأولى وان قصرت مدته كان من نتائجه أمن واستقرار، تماماً كما حدث حين وحدها الملك عبدالعزيز رحمه الله مع ما سبق ان وحد من مناطق البلاد.
وعند حديث الشيخ عبدالعزيز عن معركة تربة المشهورة ص105 قال: ثم زحف عبدالله بن الحسين بجيش كما قال الريحاني يتكون من سبعة آلاف من النظام وثمانية آلاف من فئات مختلفة ومن أجانب، من بقايا فلول بونابرت ومرتزقة في اتجاه نجد، فاحتل تربة .
رجعت إلى الريحاني وهو كما وصفه بحق الزميل الدكتور عبدالله الغذامي بما معناه انه كتب أدباً لا تاريخاً فإذا به يقول ص 251 :
نعود الآن إلى الجيش الزاحف إلى تربة، فقد بالغ الرواة في تقديره، فقال بعضهم انه مؤلف من سبعة آلاف من النظام وثمانية آلاف من البدو، أما الحقيقة فهي انه لم يتجاوز كله السبعة آلاف، منهم ألفان من النظام والباقي من البدو .
هذا ما ذكره الريحاني حقيقة، وللشيخ أن يأخذ جانب المبالغين في تقدير جيش الأمير عبدالله بن الحسين، لكني حككت عبارة الريحاني، فلم أجد فيها ذكراً لبقايا فلول بونابرت ومرتزقة.
على أن مما يذكر، فيشكر للشيخ عبدالعزيز ومآثره كثيرة انه لم يورد كل ما قاله الوردي والعظمة عن الاشراف لأنه فيما يبدو قد اتضح له أن دوافع ذلك القول يعرفها العالمون بتاريخ هذه الأمة.
أما قمة عطاء الشيخ عبدالعزيز الرائع في هذا الفصل الخامس فهي الوثائق التي أوردها، والتي تمتد مع تعليقاتها المختصرة في أغلب الأحيان عليها من صفحة 118 إلى صفحة 197, وقد اتبع في ذلك طريقة معينة، وهي ايراد صورة الوثيقة مكتوبة بالخط الأصلي الذي كتبت فيه دون تغيير، ثم ايرادها مطبوعة بعد تغيير العبارات العامية فيها الى عبارات بالفصحى، وهذا ما ييسر على كثير من القراء فهمها, ومن أراد أصل العبارات رجع إليها في أصلها المورد.
أما الفصل السادس من كتاب الشيخ عبدالعزيز فعنوانه من هم الإخوان ولقد استهل هذا الفصل بكلام جميل منصف لأن هذا الكلام من فكره هو, لكن ما ان بدأ يعتمد على الآخرين حتى أتعب قارئه من أبناء الوطن كيف؟
أعاد، هنا ص 202 ما ذكره ص 60 ، نقلاً عن أحمد أمين من أن الملك عبدالعزيز رأى نفسه بين قوتين, الخ، وهو أمر تحدثت عنه في الحلقة الثالثة من هذه القراءة,
على أن الشيخ سرعان ما عاد عوداً حميداً إلى ايراد الوثائق والتعليق عليها، وما أورده من وثائق مهم جداً ونافع نفعاً عظيماً للباحثين, ولقد جاءت تعليقاته منصفة صائبة، وأكاد أقول: ان هذا الفصل هو لب الكتاب وجوهره، وهو أطول فصل فيه، اذ امتد من صفحة 200 إلى صفحة 535.
وعلى أية حال فإن هذا الفصل الجيد المفيد اشتمل على أمور يحسن أن يشار إليها وان كانت اهميتها ثانوية، ومن هذه الأمور:
ورد ص 224 ان الدويش لجأ إلى العراق، وان ابن سعود عسكر في القرعة، وأخذ يفاوض الحكومة البريطانية على تسليم الدويش ومن معه إليه.
والمعروف ان الدويش قد استسلم هو وجاسر بن لامي ونايف بن حثلين للسلطات البريطانية في الكويت، فنقلوا من هناك بسفينة الى شط العرب، ثم حملوا إلى مخيم الملك عبدالعزيز في خباري وضحا, وتعبير الشيخ ص225 بأن الدويش أرسل إلى الرياض ضيفاً تعبير قد لا يفهمه الكثيرون, ذلك انه أرسل إلى هذه البلدة حيث سجن حتى وفاته رحم الله الجميع.
وقال الشيخ ص234 : إن ابن القبيلة لا يغدر ولا يخون.
ومن ذا الذي لا يحب أبناء القبائل؟ لكن هؤلاء مثلهم مثل غيرهم من البشر في هاتين الصفتين, ومن قرأ تاريخ البلاد أدرك هذا غاية الادراك.
وقد ورد في الصفحة ذاتها ان معركة الجهراء كانت سنة 1399ه، وواضح ان هذا خطأ مطبعي، وأن المراد سنة 1339ه، كما ورد ص310 ان تاريخ رسالة الشيخ محمد بن عبداللطيف الى الملك عبدالعزيز كان سنة 1339ه , ومن يتأمل تاريخ الرسالة المخطوطة يجد أنه سنة 1349ه ولعل مما يرجح ذلك أن وضع برقية في الرياض، أو نجد، قبل توحيد الحجاز، سنة 1344ه، لم يكن أمراً وارداً.
أورد الشيخ ص 465 رسالة من الملك عبدالعزيز إلى كافة أهل سدير لكن عند التعليق عليها قال: إن القارئ قد يرى أن هذه الرسالة كانت معممة على جميع أنحاء المملكة.
والواقع انه كانت موجهة إلى أهل سدير الذي هو اقليم واحد من أقاليم نجد.
وورد ص 475 : أخبرونا ها الناس يوم جاهم المطر يبون زيادة سلفة (آملاً).
عرفونا حالا.
وصحة الكلمة المقوَّسة هي: أم لا.
وورد ص 489 : الرسالة من المندوب السامي كوكس .
والصحيح أن الرسالة من رجل اسمه عبدالله سعيد ذكر فيها أن السيدة بل اخبرته بان كوكس يلتمس من الملك,, الخ.
عبد الله الصالح العثيمين