قرأت ما كتبه الاخ العزيز عبدالرحمن بن عبدالله الشميم في هذه الصفحة من العدد الصادر بتاريخ 21 رمضان 1420ه حول ظاهرة التسول من حيث:
جهود المسئولين في القضاء على هذه الظاهرة من خلال مكاتب مكافحة التسول المنتشرة في محافظات المملكة على حد قوله.
حاجة الرس الى مكتب من هذا القبيل لمكافحة التسول المنتشر في المحافظة بشكل لافت للنظر في اسواق الخضار والمحلات التجارية ولدى ابواب البنوك والصيدليات والمساجد وغيرها من الابواب.
مسئولية المواطن باعتباره جزءاً من علاج هذه الظاهرة من خلال امتناعه عن اعطاء المتسولين والتبليغ عنهم.
وأود بداية ان اتمنى على الاخ الكاتب ان يزيد من تواصله مع هذه الصفحة التي عرفناه من خلالها فأسلوبه الانشائي الجيد يغري بقراءة كتاباته التي لا يعيبها الا انها قليلة مما يقلل من ثمرتها وجدواها.
كما اتمنى على كل من أتاه الله قدرة على الكتابة والتعبير ان يزيد من تواصله مع قضايا أمته ووطنه وان يتحمل من جانبه ما يحتمله من هموم الناس واهتماماتهم فالتواصل من القادرين دليل التفاعل والايجابية ولا اجد تفسيرا لهذه الا السلبية واللامبالاة بالتزامات المواطنة ومسئولياتها وليكن لنا قدوة حسنة في بعض الزملاء المكثرين من كتاب هذه الصفحة من امثال الاخوة احمد البدر ومحمد الدويش وعبدالمحسن المنيع من الزلفي والاخت ليلى المقبل والاخ محمد الموسى من بريدة والاخ المهندس عبدالعزيز السحيباني من البدائع والاخ محمد الفوزان من الغاط والاخ عبدالله المطرودي من واشنطن والاخ محمد العنزي من طريف وغيرهم ممن نسعد بطروحاتهم وتعليقاتهم واحيانا بمناقراتهم الطريفة.
اما قضية التسول التي نحن بصددها فباعتبارها من القضايا والمشكلات الاجتماعية التي تحتمل الكثير من وجهات النظر والآراء المتشعبة فانني من هذا المنطلق اريد ان اشارك الاخ الكاتب وجهة نظره بشأنها بهذه المداخلات.
1 هناك بالفعل بعض الجهود المبذولة من قبل المسئولين في مكافحة ظاهرة التسول لكن هذه الجهود لا تزال دون المستوى المطلوب حيث لا تزال غالبية المحافظات في المملكة غير مخدومة بمكاتب المكافحة واذكر على سبيل المثال كيف انه في منطقة القصيم التي يوجد بها 11 محافظة آهلة بالسكان لا يوجد بها جميعها اي مكتب لمكافحة التسول والمكتب الوحيد الموجود في المنطقة هو في مدينة بريدة وفقا لما تبلغته في خطاب سعادة وكيل الوزارة للشئون الاجتماعية رقم 18465 في 8 رجب 1420ه ردا على طلبي انشاء مكتب في محافظة الرس للحاجة التي اشار اليها الاخ الكاتب وعليه يظهر ان المكاتب مقصورة على امهات المدن وحواضر المناطق.
2 ظاهرة التسول في محافظة الرس لا اظنها تختلف كثيرا عن غيرها من المحافظات التي لا يوجد بها مكاتب لمكافحة التسول ولكن ربما يكون للكثافة السكانية في منطقة القصيم وطريقة تعامل المواطنين مع المتسولين علاقة معينة في انتشار هذه الظاهرة وفي نشاط المتسولين في بعض محافظات المنطقة اكثر من بعض وقد سمعت عن متسولات يحضرن بسيارات مستأجرة منذ الصباح الباكر بغرض التسول طوال النهار والعودة مساء الى جهاتهن.
3 يذكر الاخ الكاتب ان هناك من يعطي المتسولين حياء وخجلا او بقصد التخلص من الحاحهم او الحاحهن وأقول ان مثل هؤلاء الناس هم الذين يمكن اعتبار عملهم هذا تشجيعا للتسول والمتسولين وبالتالي لا حرج علينا من توجيه اللوم لهؤلاء لكن يلزم التفريق بينهم وبين ممن يتعاملون مع المتسولين لاعتبارات انسانية تقوم على استشعار مرارة الجوع والحاجة والعوز والتي قد تكون متوفرة لدى البعض على اقل تقدير اما لأنه محتاج أو لأنه محروم, وهناك ايضا من يتعامل مع المتسولين وفقا لتوجيهات دينية خالصة من مثل قوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ردوا السائل ولو بشق تمرة) وغيرها من التوجيهات التي لا تدعو او لا تجيز التقصي والتفتيش عن احوال المتسولين دفعا للمن والاذى, والتعامل مع المتسولين بهذه الصفة ان كان لاعتبارات انسانية او دينية فهو مما يحرج الكثيرين ممن يتناولون هذه القضية في كتاباتهم او خطبهم وهو ايضا مما يأخذه المعنيون من المسئولين بقضية مكافحة التسول في حسبانهم يدل على ذلك التعليمات الرسمية غير المشددة وطريقة تعامل الجهات المسئولة مع من يتم ضبطهم من المتسولين.
4 نشاطات الجمعيات الخيرية في توزيع المساعدات على المحتاجين لا احد ينكرها ونسأل الله ان يجزل الاجر والمثوبة للقائمين عليها والمتعاونين معهم والداعمين لهذه الجمعيات بمختلف انواع الدعم والمساندة لكن لا ينبغي ان يغيب عن بالنا محدودية امكانيات هذه الجمعيات بالنسبة للاعداد الكبيرة من الاسر والافراد المحتاجين لمساعداتها وبالتالي محدودية ما تقدمه لهؤلاء المحتاجين المشمولين بمساعداتها, بحيث لا يمكن القول ابداً ان الجمعيات الخيرية توفر للمحتاجين ما يغنيهم عن التسول او قريبا من ذلك ولكنها تقدم مساعدات مقطوعة ورمزية في احسن الاحوال, كما لا ينبغي ان يغيب عن بالنا ان الجمعيات الخيرية تقصر مساعداتها على المدن الموجودة فيها ولا تشمل المحتاجين في البوادي والمراكز الادارية حيث يعتمد الناس في معيشتهم المتواضعة في الغالب على مساعدات الضمان الاجتماعي التي تكفلت لهم بها الدولة وفقها الله, وهم مع ذلك بحاجة الى المزيد من المساعدات لمواجهة تكاليف المعيشة الحاضرة.
واخيرا فاذا كان الله قد اغنانا بالرواتب المجزية والتجارات الواسعة والمخصصات الوفيرة فما ينبغي ان نقيس الناس على انفسنا فهناك الكثير من المحتاجين ممن دفعتهم الحاجة الى التسول اما من عامة الناس كما يفعل القلة منهم او من خاصة الناس كما يفعل سائر المحتاجين ومن في حكمهم, والحاجة كفانا الله شرها مرة ولا يدرك مرارتها الا من قدر له ان يتجرع منها ولو قدرا سيرا ومن عضه الجوع عضة حري الا يمنع الدهر سائلا ومن قهرته الحاجة تجاوز الحياء وارخص ماء الوجه:
لم يبق عندي ما يباع بدرهم تنبيك حالة مظهري عن مخبري إلا بقية ماء وجه صنته عن ان يباع وقد ابحتك فاشتري |
محمد الحزاب الغفيلي
الرس