بيننا كلمة إفحام أبي تمام؟ 5 د , ثريا العريّض |
لو أن الكاتب رد على القارىء المحتج على أسلوبه في الكتابة بأن: المسألة لا ينحصر تفسيرها بكون الكاتب متعاليا أو متباهيا أو مستعرضا لقدراته اللغوية أو لشهادته, وأن المسألة لها جانب آخر يتعلق فقط بالضعف القرائي عند بعض المتلقين وتوقفهم عند فهم البسيط والواضح والمجتر, وانحصار أفق اهتماماتهم في المكرور، بل تتعلق بالعجز العام عن الوقوف في موقع الفهم من الاشارة، ولذلك نرفض الرمزية ونرتاح للإسهاب ؛ قد يكون في رده على حق,, فساحتنا لسوء الحظ تحمل من الضحل والمستهلك والمجتر أكثر ما تحمل من الجديد والمضيف والعميق, ولو ظل كل كاتب وقارىء مقيدا عند قدرة قارئه أو كاتبه البسيط,, ماذا سيكون الناتج النهائي؟ انحدار مستوى الساحة كلها الى مستوى القارىء الذي لا يملك من قدرات القراءة غير فك الحرف، وليس له من الاهتمامات غير ما يتعلق بتسهيل حصوله على الخدمات الرسمية والعامة، أو الحض على تغيير الأوضاع الى ما يناسب مصالحه؛ ومستوى الكاتب الذي لا يتطرق في كتاباته الا الى ما يطلبه منه القارىء المعني من الفئة التي يتوجه قلمه لإرضائها؛ المواطن والحكومة والقطاع الخاص، والصحافة، وماعدا ذلك خارج نطاق تفكيره، وتعبيره، وتحبيره.
أجل يكتب الكاتب وفي باله القراء,, ولكن أي قارىء بالذات يستحق أن يتحكم في أولويات الكاتب؟ القارىء الذي لا يملك من قدرة استيعاب الكتابة إلا قدرة فك الحرف المباشر؟ أم القارىء الذي يمتلك من الخلفية العلمية والخلفية المعلوماتية الكونية، التاريخية والاجتماعية والثقافية وحتى الأدبية، ما يؤهله لتفهم كل ما يشير اليه الكاتب باقتضاب، فيدخل عبره الى عالم متسع من الشمولية والعمق الفكري المحرك للتفكير ما يمنحه النمو الفكري؟
إن النمو الفكري عملية مرهبة ومؤلمة للبعض، بقدر ما هي مطلوبة ولذيذة للبعض الآخر,, فلأي هذا البعض نترك القيادة؟
التفاوت والنزاع على من له أحقية الأولوية في تقرير مستوى الطرح وأسلوبه قضية قديمة جدا,, في منتهى القدم ولكن بعضنا يعود الى تلك الأسئلة المستهلكة يجترها ويلوكها دون تفكير أو تدبر لتغير الأوضاع, بل يتعدى ذلك بإلقاء التهم جزافا: هذا كاتب متعال ومستعرض,, لايبالي بالقارىء العام,,!!
وهناك زاوية أخرى لهذه القضية قلما يتعرض لها أحد.
حين رد عمنا أبو تمام على سائله الغلبان المحتج بشجاعة على أسلوبه: لماذا لا تقول ما نفهم؟ متهكماً بإجابة مسكتة: ولماذا لا تفهم أنت ما أقول؟ ، كان في الحقيقة يكسب الجولة بالتهرب من مواجهة الخصم, والغريب أن خصمه الغلبان بلعها وسكت, لم يرد عليه: وهل كل ما يقال ذو معنى حتى يتوجب فهم كل ما يقال؟ .
وهو سؤال وارد تجاه بعض من يتعاملون اليوم بالكلمة، شفاها أو كتابة وقراءة, ووارد أيضا السؤال المعاكس: لماذا ينطلق بعض المتكلمين من موقف أن المستمع أو القارىء لا يفهم حتى يتعطفوا عليه بالتكرار؟
وعند منعطف التكرار والإسهاب نأخذ نفسا,, ونفسا طويلا كي لا نغضب جدا كقراء فاهمين,, وقتنا ثمين والكاتب يتجاهل ذلك.
|
|
|