لهذا السؤال إجابتان: إجابة سطحية تقرر بأن مايحدث في صناعة الألبان هي بداية دق طبول حرب اسعار شرسة لها اهداف عدوانية تتمحور حول الرغبة في انهاك صغار المنتجين، واجابة عميقة تفسر الأمر بأنه مجرد تحركات تكتيكية من الكبار في الصناعة لمعالجة وضع السوق ولزيادة حركة تصريف بعض المنتجات التي لا تتحمل الانتظار طويلاً.
المؤيدون للاجابة الأولى تتلبسهم أوهام المعركة الكبرى التي يقودها كبار الصناعة لاخراج صغارها ولاعادة توزيع الحصص السوقية بدون مضايقات, يعني تفكير صراعات وغابات وأسود وفرائس والقوي يأكل الضعيف والنتيجة صناعة مهددة وجماهير مستهلكين تستفيد مرحلياً وتتضرر على المدى الطويل لان حرب الأسعار عندما تشتعل تسبب انخفاض الجودة والخدمات وزيادة الأسعار لاحقاً.
أما الميالون للاجابة الثانية فهم من مريدي التفكير غير التآمري ومؤيدي التفسير التكتيكي للقرارات الكبيرة في الصناعة خاصة تلك المتعلقة بالأسعار والتخفيضات والعروض التي يكون هدفها غالباً تسويقياً وليس استراتيجياً بمعنى انه تدفع مثل هذه القرارات رغبة جامحة لمعالجة مشاكل طارئة ولا تحركها بالضرورة حاجة شبه انتقامية لإعادة هيكلة الصناعة وترتيب اوضاعها بشكل جذري كما قد تفيد ارهاصات الإجابة الأولى.
من وجهة نظر شخصية أميل كثيراً الى الاجابة الثانية لعدة أسباب منها:
* كبار المنتجين في صناعة الألبان يعملون على منحنى تكاليف أعلى من صغار المنتجين وهناك شكوك في ان الصناعة تحقق وفورات اقتصادية عند الانتاج الكبير لذلك يستحيل من منطق استراتيجي ان يميل كبار المنتجين الى المنافسة السعرية.
* السعر نفسه ليس عاملاً مهماً عند شراء منتجات الألبان بل ان الجودة والاسم والولاء الذي يطوره للعميل وعوامل التمييز الأخرى لها اليد الطولى في سلوك الشراء لذلك لن تكون حروب الأسعار وسيلة لإخراج المنافسين من الصناعة أو يفترض ان يكون هذا هو الوضع,
وكلنا يعرف ان هناك منتجات يباع اللتر منها بثلاثة ريالات منذ معركة الشنانة ولم تكتسح السوق!
* المنتجات التي هي عرضة لتخفيض الأسعار منتجات سريعة التلف وتتطلب سرعة التصرف ولعل هذا هو الدافع الرئيسي لتخفيض الأسعار بعيدا عن التأويلات الأخرى ومن المفيد ان ننتظر ونرى فإذا ما امتدت التخفيضات الى منتجات أخرى فهذه شرارة وسيأتي اللهب ولتستعد المطافي! فإن وراء الأكمة ما وراءها.
* أغلب التخفيضات غلفت بعبارات مثل عرض خاص والآن وما الى ذلك مايفيد أنها تخفيضات تتم لأهداف تسويقية بحتة كما أنها من حيث التوقيت جاءت في وقت يوضح ان التخفيضات تُعلن للتعامل مع الموسمية وليس مع الاسماك الصغيرة التي اربكت البحيرة التي تتدفق ذهباً.
في الحقيقة لا أعلم إذا ما كان هذا التحليل يمثل رأيي أم أمنياتي، ولكن إذا صدق حدسي في صحة الإجابة الثانية فبها ونعمت,.
أما اذا خاب ظني وأصبح تحليلي ضرب ودع فأعتقد ان المنتجين الكبار في صناعة الألبان الذين يقودون هذه الحركة بحاجة ماسة الى دورات متقدمة في التفكير الاستراتيجي.