تمر الأمة العربية والعالم الاسلامي بأجمعه في التاريخ المعاصر,, بأزمة حادة، وهجمة عدائية سافرة على جميع الجبهات، وفي كل مكان من العالم الكبير، وقد كان من ابرز الأحداث التي طرأت مؤخرا على السطح، وتجاوزت الحدود,, الأزمة العربية,, مع الغطرسة اليهودية، والتعنت الاسرائيلي في عملية السلام المنشود، ومحاولاتها المتصلبة لفرض ارادتها على الامة العربية بصفة عامة، وعلى القضية الفلسطينية والشعب اللبناني بصفة خاصة,, الأمر الذي جمد محادثات السلام الطموح والأمل وغرس العقبات الصعبة في وجه المفاوض العربي,, على جميع المحاور,, سواء كانت في المحادثات السورية اللبنانية,, او في محادثات السلام الفلسطيني,, المُسبقة الصنع والترتيب العالمي، ومهدت لقتل العملية السلمية باعتداءاتها المتكررة على لبنان، وتهديدات الأحمق (ليفي الملتهبة) بتدمير البنية التحتية اللبنانية، وحرق اللبنانين وغيرهم بالطائرات والصوايخ والمتفجرات الامريكية,, ان هو لم يستسلم للفوقية والغطرسة الاسرائيلية، ويوقف المقاومة اللبنانية الباسلة، ويمنعها من حق الدفاع عن نفسها وارضها وعرضها في الجنوب اللبناني المحتل بأسلحة الدمار اليهودي والاغتصاب الاسرائيلي.
هذا الموقف الاستفزازي الاسرائيلي الرهيب,, وهذا التصلب الأحمق,, لإسقاط وقتل العملية السلمية بين العرب واسرائيل,, اثار الاستنكار الشعبي العارم في الوطن العربي, وحرك القيادات العربية للنهوض من سباتها، والقيام من كبوتها، والتحرر من قيودها، والانعتاق من دوائر الآحادية والتشرذم، والتمزق,, الى آفاق الشمولية والتوحد,, ولملمة الصف العربي,, في وحدة الهدف والتحرير,, تحت مظلة السلام,, القائمة على الشرعية والقرارات الدولية في مدريد، وأوسلو وغيرها من عواصم العالم.
هذه الازمة، والاخفاقات التي تمر بها الامة العربية كما قلت,, أشعلت روح الإخاء العربي، والنخوة العربية، وحركت القيادات العربية نحو التآخي والتآلف، ونسيان الماضي، ونزع الخلافات والشقافات الآحادية,, التي أوهمت الكيان الصهيوني,, بشرذمة الامة العربية، وتفتيت امكانياتها وقدراتها الدفاعية والحوارية,, فقادته هذه الظنون والأوهام,, الى هذا الاستعلاء، وتلك الغطرسة السياسية العنصرية,, الممزوجة بالوقاحة الاعلامية، والسفه السياسي العجيب,, في هذا العصر الذي يشهد فيه العالم,, توجها محمودا، ونزعة مباركة,, نحو العدل والسلام، والتعايش السلمي في جميع بقاع الارض.
ومن هنا,, من تلك الديار المقدسة، مهبط الوحي، ومنبع الرسالات السماوية,, من قلب الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية) من الرياض,, عاصمة الثقافة العربية,, صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين,, وقائد هذه الامة,, الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله بالتحرك السياسي السريع,, لجمع الشمل، ولمّ الصف، وتنظيم البيت العربي، وتوحيد الكلمة,, وتحديد الموقف,, في وجه التعنت الاسرائيلي، والتصلب الصهيوني، والاعتداءات، والتهديدات الحمقاء,, التي يطلقها ويوجهها بنو اسرائيل,, الى الامة العربية بصفة عامة,, والى الشعب اللبناني بصفة خاصة.
ومن هنا,, من الرياض عاصمة العرب,, وتحت هذا الشعار,, انطلقت برعاية الله وحفظه,, رحلة الايام الثلاثة,, الى كل من مصر، وسوريا، ولبنان,, برئاسة صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني,, بوفد يعتبر في نظر المراقبين هو الاكبر من نوعه، والأكثر خلال السنوات الاخيرة,, يمثل قطاعات واسعة، ويحمل مسؤوليات على قدر كبير من الاهمية والاقتدار,, وهذا ما جعل لتلك الزيارات,, اهمية كبرى في الأوساط السياسية، وفي نظر المراقبين السياسيين، ورجال الصحافة والاعلام، العربي والدولي، وقد بدأت الايام التاريخية الثلاثة,, بزيارة لجمهورية مصر العربية يوم الثلاثاء 23/11/1420ه ولقاء فخامة الرئيس المصري حسني مبارك,, حيث شغل هذا اللقاء جميع المراقبين السياسيين والاعلاميين على المستويين العربي والعالمي، وكان مادة اعلامية ثريّة لرجال الصحافة والاعلام,, قيل فيها وعنها الشيء الكثير,, والكثير جدا,, غير انه مما يلفت الانظار,, هو الاتفاق الكامل,, على اهمية تلك اللقاءات,, في تلك الظروف القاسية,, التي تمر بها الامة العربية,, حيث قالت تلك الصحيفة الجزيرة عن مكتبها بالقاهرة تعد جولة صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني,, لمصر ثم سوريا ولبنان,, زيارة بالغة الاهمية وذلك بالنظر للظروف الحساسة التي تمر بها الامة العربية,, حيث الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، وتعنت حكومة باراك في مفاوضات السلام على المسارات العربية المختلفة, ويرى المراقبون ان هذه الزيارة ولقاء الامير عبدالله بأخيه الرئيس حسني مبارك تُبرز حرص المملكة الدائم تحت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز,, على التنسيق المستمر بين المملكة ومصر، وبين مختلف البلدان العربية ازاء كل ما يهم الامة العربية بصفة خاصة والاسلامية بصفة عامة كما تناولت اذاعة صوت العرب,, هذه الزيارة بقولها: ان التنسيق المصري السعودي والذي يعد من اعمق واقوى واكمل اوجه التنسيق العربي,, يُضفي على لقاء الرئيس مبارك بسمو الامير عبدالله,, اهمية خاصة,, لإحياء التضامن العربي الشامل، وخطوة كبيرة,, على طريق العمل العربي الموحد,, لدعم المفاوضين العرب في عملية السلام المتعثرة، ونقطة ضوء تنعش الآمال العربية نحو تحقيق طموحاتها الكبرى في عملية السلام، وفي غيرها من قضايا الامة العربية بأكملها .
وكانت المحطة الثانية لتلك الجولة الكريمة,, هي دمشق الأبيّة,, دمشق العاصمة السورية يوم الاربعاء 24/11/1420ه وكان على رأس مستقبلي سمو ولي العهد والوفد المرافق لسموه,, فخامة الرئيس السوري حافظ الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية الشقيقة, وقد جرى خلال هذه الزيارة العديد من الاجتماعات العامة والخاصة, المفتوحة والمغلقة, لبحث الاوضاع العربية الراهنة وفي مقدمتها مسيرة السلام، وسبل العمل بما يكفل تحقيق المصالح العربية، واستعادة كافة الحقوق المغتصبة,, وكل ما من شأنه المصالحة العربية، ورأب الصدع العربي,, وقال سموه الكريم في تصريح لوكالات الانباء: ان الامة العربية تجنح للسلم والسلام العادل المنصف,, الذي يعيد لكل ذي حق حقه، ويكفل الامن والاستقرار في المنطقة ثم اضاف سموه الكريم ونحن اصحاب حق مشروع كفلته الشرائع السماوية، وكرسته القوانين الارضية، وحريٌّ بمن أعمتهم القوة، وأسكرهم الغرور,, ان يعوا هذه الحقيقة، فالشعوب الحية لا تنسى,, ولا تستسلم، وامتنا العربية تجنح للسلم العادل المنصف الذي يكفل الحقوق الكاملة ويحقق الامن والاستقرار لكل من يعيش في هذه المنطقة, وهذه رؤيتنا، وهذا توجهنا في المملكة العربية السعودية، قيادة، وحكومة، وشعبا,, اما الاستفزازات، والعداوة، واستخدام لغة القوة فلن تحل المشكل، ولن تؤدي لغير المزيد من المرارة والأحقاد والدمار .
وفي لبنان,, كان الاستقبال لسمو الامير عبدالله والوفد المرافق يوم الخميس 25/11/1420ه لا يقل حفاوة وتقديرا وتكريما,, عن الاستقبالات التقديرية الباهرة في كل من القاهرة ودمشق,, كيف لا والزيارة تأتي تتويجا لمجهودات كبيرة,, ومباحثات عالية المستوى,, مع كل من الرئيس مبارك، والرئيس الاسد,, تتعلق في قضايا الامة,, ومشكلاتها الراهنة,, وفي مقدمتها قضية الجنوب اللبناني,, والتهديدات الاسرائيلية للبنان,, مع ما رافق ذلك من توقف لمحادثات السلام على كل المسارات العربية,, بسبب التصلب والتعنت في المواقف الاسرائيلية, ومحاولة وأد القضية العربية,, وقتل العملية السلمية,, التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية الراعية والمنظمة لعملية السلام في الشرق الاوسط,, غير عابئة بالقرارات الدولية، والمنظمات العالمية,, التي بُنِيَت تلك العملية السلمية على اساسها,, وقامت على قواعدها ومن اجل ذلك قالت صحيفة اللواء اللبنانية: لقد عودتنا المملكة العربية السعودية,, الوقوف دوما الى جانب لبنان في الملمات، واللبنانيون لا ينسون الدور المميز الذي قامت به المملكة بشخص مليكها من خلال دبلوماسيتها طوال الازمة الوطنية الكبرى، حتى انهى الازمة وأعاد الوفاق الى الشعب اللبناني، ورسخ الوحدة الوطنية، وسجل نقطة انطلاق لإعادة بناء الدولة على اسس جديدة باتفاق الطائف الشهير ثم اضافت الصحافة اللبنانية القول: ان هذه الزيارة تمثل دعما كبيرا لفخامة الرئيس اللبناني وحكومته في هذه المرحلة التي تجتازها البلاد نتيجة التعنت الاسرائيلي، وتعثر مفاوضات السلام، وتصاعد لهجة التهديدات الاسرائيلية المحمومة ضد لبنان وشعب لبنان وهنا يؤكد سمو ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني الامير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حرص المملكة العربية السعودية على قضايا الامتين العربية والاسلامية,, ودعمها المتواصل والمستمر للعرب والمسلمين في مشارق الارض ومغاربها,, انطلاقا من تحمل المملكة لكامل مسؤولياتها,, والتزامها بجميع واجباتها العربية والاسلامية على اكمل وجه وافضل سبيل بقوله: وما سعَينا هذا السعي الا لنحمل لأشقائنا هنا، وهناك، هموم امتنا العربية، وآلامها، وآمالها، وتطلعاتها,, ونتبادل معهم المشورة والرأي,, مستهدفين لمّ الشمل، وتوحيد الصف في هذه الظروف الصعبة,, التي تحمل في احشائها اعظم المخاطر والتحديات التي لا يعلم مداها الا الله وسيظل ايماننا راسخا بحول الله وعونه، بأن الحق لن يغلبه باطل، وان قطار السلام سيواصل سيره حتى يبلغ منتهاه، ولن تُعيقه ان شاء الله عقبات او عوائق مهما بلغت من القوة والغطرسة .
وهكذا هي السياسة السعودية,, وهذه هي الثوابت التي قامت عليها، وسارت على منهجها منذ عهد الملك الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله الى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز امد الله في حياته وهذه هي نظراتها ومسؤولياتها تجاه الامة العربية والاسلامية في جميع الظروف, واذا كانت هذه الجولة السعودية السريعة، وهذا التحرك السعودي المكثف,, قد اشعل الآمال العربية بتحقيق طموحاتها وآمالها في التآلف والتآخي ووحدة الصف والهدف فإنه قد اشار بأبعاده السياسية الى ان الايام دول، وما يؤخذ بالقوة,, لا يرد الا بالقوة، ولن يضيع حق ووراءه مطالب.
وستبقى هذه السياسة، وهذا التوجه السعودي من الثوابت الدائمة,, نحو لبنان، وشعب لبنان، ونحو سوريا والجولان، ونحو فلسطين المحتلة,, والقدس المغتصبة,, والى جانب الحق والعدل والانصاف في كل مكان من العالم,, توافقا مع ثوابتها السياسية,, ومع السياسة الدولية الرامية الى فرض السلام وتحقيق العدل والاستقرار في جميع انحاء الارض ولجميع الشعوب, حفظ الله لهذه الامة قيادتها وحفظ لها امنها واستقرارها برعاية خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الامين، ورجال حكومته المخلصين, والله الموفق.
|