كُثفت الدراسات والندوات والمقالات المعمقة في وسائط الاعلام العالمية وألّف كثير من الكتب عن العولمة، وتعددت المفاهيم عولمياً بين أهل السياسة وأهل الاقتصاد، وبدأ كل حقل أو مجال تخصصي يفرز معانيه الخاصة للعولمة المشتقة بطبيعة الحال من المفهوم العام الأساسي، والعولمة لها مفاهيم متداخلة وتفسيرات ورؤى عولمية ضمن المجال التخصصي الواحد، ان الممر الأساسي للعولمة المعاصرة بدأت من البوابة الاقتصادية منذ عشرات السنين، وقد سبق ان طرحت مصطلحات النظام العالمي الجديد والنظام الاقتصادي العالمي الجديد وما تلا ذلك من تداعيات وافرازات أدت إلى خلل في الفكر العولمي, ان أساس الجسم العولمي هو اقتصاد ملموس وفكر اعلامي منثور وعندما تلازم الاعلام مرئياً ومسموعاً ومقروءاً مع الفعل الاقتصادي برزت العولمة بإيجابياتها وسلبياتها, ان تداول المنتجات الاقتصادية الغربية عالمياً كان ضمن الأطر الطبيعية العولمية ماضياً وحاضراً، وتوسعت المفاهيم العولمية الاقتصادية بعد الدخول في مفاهيم السلع الكونية وعولمية التشريعات الاقتصادية وسقوط الحواجز الجمركية الغربية والأسواق العالمية المشتركة ومفاهيم المناطق الاقتصادية الحرة وانتهاءً بالجات، كل ذلك رسخ مفهوماً معاصراً للعولمة الاقتصادية تزامن مع بداية مبكرة لانطلاق اقمار صناعية تلفزيونية بدأت محدودة ثم تواصلت حلقاتها الى اعلام تلفزيوني كوني يسير إلى مستقبل بث فضائي تلفزيوني مباشر عن طريق أجهزة التلفزيون دون وسيط استقبال، وازداد التدفق المعلوماتي المرئي العالمي وأسقطت الحواجز القارية وازداد خلل التوازن بين الشرق والغرب وضعفت كثير من الثوابت الاعلامية للكثير من الدول الغربية والنامية، زاد ذلك كله ازدهار صناعة الاتصالات المرئية والمسموعة والمطبوعة، ونمو اقتصاديات الاعلام والاستثمارات الضخمة العالمية فيه مما أضعف مسيرته بشكل عام ومسؤولياته الوطنية المجتمعية، وانصهرت عولمة الاقتصاد مع عولمة الاعلام لتغلب المصالح التجارية مقابل المسؤوليات المجتمعية، وبدأ الاعلام مراحل التحول الكوني الى الاعلان وخفت وطأة السياسيين ونشطت وطأة الاقتصاديين، وكان من الخير للعالم النامي ان تولت حكوماته مسؤوليات الاعلام فيه على اساس من المصالح الوطنية المجتمعية بعيدة عن أي مصالح تجارية أخرى، لكن العالم العربي يسير في المسار العولمي ببطء وسيدخل ضمن المنظومة العالمية وسيكون المتلقي العربي ضحية إعلامية مثل ما كان ضحية اقتصادية.
ان العولمة المعاصرة هي عولمة في جميع شؤون الحياة ولكن أساسها المتين والثابت والمستمر هو منتج اقتصادي وفكر اعلامي، وضمن هذا وذاك تدخل كل الحقول بمفاهيمها العولمية في اطار هذين المسارين الأساسيين: منتج ملموس وفكر مدروس تزاوجهما يعيد صياغة تكوين الخطاب العالمي الجديد إن لم تكن قد أعيدت الصياغة فعلاً.
* وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية