عشق,, بلا هوادة!

تحدثنا في المرة الماضية عن مآثر السلامة وجنون السرعة، ولا يزال البال يعشق رياضة سباق السيارات كممارس هاو يوما ومتابع دوما، ومن المؤكد ان المتابعة الآن عن بعد كاف هي الافضل فالعمر في الخمسين غال وثمين، ولكن المرء منا يسعد احيانا في استعادة ذكريات خاصة هزت كيانه كله متسائلا: كيف تجرأنا يوما على ممارسة السرعة المجنونة؟,, ولا بأس بالطبع من المكابرة قليلا فنحن ما زلنا نبتهج بهذه النشوة الخفية لعنفوان ايام الشباب الغابرة!
تطرقنا من قبل الى تاريخ سباقات السيارات فورمولا 1 (الفئة الاولى) والى المنافسات الحامية للشركات الصانعة للفوز ببطولة العالم للسيارات المتضمنة سباقين معا لصانعي السيارات ولسائقي السيارات، ونتناول اليوم القسم الثاني للبطولة وهو بطولة العالم للسائقين، لنقترب اكثر من عشق بلا هوادة، ونتعرف على المشاعر والصعاب التي يعيشها بطلنا المقدام سائق سيارات الفورمولا 1,, فمن اين نبدأ؟
الشوق المجنون,.
يسعى الاتحاد الدولي للسيارات FIA في كل عام الى إقرار التعديلات التي يلحقها باللوائح المنظمة لسباقات الجائزة الكبرى لسيارات الفورمولا 1 بهدف تأمين القدر الاقصى من وسائل السلامة لسائقي اخطر مسابقات عالم الرياضة بدون جدال، وتتضمن هذه اللوائح نحو 16 بندا من المواصفات الرئيسية تتفرع منها 108 بنود تفصيلية تتناول كيفية البدء في تصميم السيارة وحتى الوصول الى انظمة ونوعية الوقود المستخدمة عند لحظة الانطلاق، بالاضافة الى ثلاثة بنود اخرى هامة تتعلق بالنصوص النهائية للمواصفات والتغييرات السنوية وكيفية استخدام الكاميرات التلفزيونية المتنوعة في اطار تنظيمي شامل فائق الدقة، وخلاصة هذا الاطار: سيارة ذي مقعد واحد ومحرك هائل يتكون من 10 الى 12 اسطوانة لا تزيد سعته الاجمالية على 3000 cc وتصل سرعته الى نحو 320 كيلو مترا في الساعة.
وخطورة سباقات الفورمولا 1 تصل بسائقها الى اقصى الطاقات البشرية في التحمل والمقاومة، فيتعرض الى ضغوط هائلة تتسبب في العديد من الصدمات النفسية والجسدية، مما يجعل الحاجة ماسة للعناية الطبية الفائقة بالسائقين والاهتمام بوضع برامج غذائية صارمة، وتتضمن بطولة العالم 17 مرحلة تجري في مختلف بقاع الكرة الارضية يتعرض فيها السائق الى سلسلة قاسية من الضغوط العصبية وقوى الجاذبية والحرارة المنخفضة والارتفاعات العالية والمنعطفات المتتالية: فالضغط العصبي يتنوع ويزداد خلال فترات السباق الصعبة عند الانطلاقات والمنعطفات والتجاوزات واستخدام المكابح للتحكم بتوازن وسرعة المركبة، كما يزداد خفقان حركة القلب من 160 الى 220 خفقة في الدقيقة الواحدة مما يضعف القدرة على المقاومة في لحظات بالغة الخطورة تحتاج الى اليقظة التامة, وقوة الجاذبية اثناء السباق تتسبب في اضطرابات شديدة فالقوى الجانبية والطولية تظهر اثناء تقدم وتوازن السيارة في اندفاعها المستمر، وعند المنعطفات المفاجئة وتقليص السرعة من 320 الى 80 كليو مترا ثم العودة في ثوان قليلة الى السرعة القصوى فان وزن رأس السائق يتضاعف اربع مرات ونصف المرة، الأمر الذي يتطلب تقوية خاصة لعضلات العنق والحرص على تخفيض وزن خوذة السائق من دون الاخلال بمهمتها الاساسية في الحماية الخاصة.
ولانخفاض درجة الحرارة بصفة دائمة داخل مقصورة القيادة بنحو 10 درجات على الاقل بالاضافة الى القناع والبزة الخاصة التي يرتديها السائق المقاومة للحريق والعديمة التهوية ولا ننسى بالطبع درجة حرارة الجسم البالغة 40 درجة، فان الجسم سيتعرض لا محالة الى النقص الكبير للماء مما يشعر معه السائق بالاعياء والغثيان,, ويتعرض السائق الى اضطرابات خطرة في التنفس مما يتسبب بعجز في التنفس وثقل في حركة القدمين,, ففي خلال مدة السباق البالغة نحو الساعة والنصف تقريبا تنحبس الانفاس طويلا بسبب الغريزة والرغبة في التركيز الذهني مما يؤدي بعد ذلك الى افراط شديد في التنفس تبلغ سرعته ما بين 50 الى 70 دورة شهيق وزفير في الدقيقة الواحدة بينما التنفس الطبيعي هو ما بين 16 الى 20 دورة في الدقيقة، كما ان اضطراب تدفق جريان الدم نحو اطراف القدمين وعودته الى القلب يجعل السائق يشعر بثقل قدميه وخاصة اليمنى منها الاكثر استخداما,, وهناك آلام أخرى يتعرض لها السائق في مختلف انحاء البدن نتيجة الاهتزازات العنيفة داخل المقصورة اثناء مراحل السباق المتنوعة!
من هنا يمكن قياس مدى الخطورة والصعوبة التي يخوضها عشاق هذا النوع من المسابقات، فمنهم من دفع حياته ثمنا باهظا لهذا الشوق المجنون، ومنهم من يكاد يفعلها في كل سباق,, وعن سيرة هؤلاء الابطال، افراحهم واشجانهم، سيكون بإذن الله حديثنا المقبل!