Saturday 4th March,2000 G No.10019الطبعة الاولى السبت 27 ,ذو القعدة 1420 العدد 10019



الطاغية
يكتب الرواية
د, انور عبد المجيد الجبرتي

يتطور، علمُ، الطُّغيان، أو الطُّغيانولوجي، كثيراً، وسريعاً، ويتخذ، هذا، التطور، مسارات غير عادية،احيانا، ويلتفت التفاتات مفاجئة، ومدهشة.
كان التركيز، في معالجة الظاهرة الطغيانية، على المنطلقات، التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، وحتى النفسية، وربما، الاقتصادية، أيضاً.
وكان التناول التقليدي، لهذه الظاهرة، يؤصِّل للسلوك الطغياني، في الظروف الخارجية المحيطة بالطاغية، أو بالتعقيدات النفسية، المتأصلة في داخله، ولذلك، نلجأ، إلى المؤرخ وعالم الاجتماع، أو نستعين بالمحلل النفسي، لكي نتعمق في فهم هذه الشخصية المخيفة، وبالطبع، نفترض هنا ان لدينا كفاية من الوقت، والحظ، والمسافة الجغرافية، لنحتفظ برؤوسنا على أكتافنا، ونمارس هذا: التمرين الفكري الممتع، دون ان نفقد اسناننا، اوأظافرنا، أو تمس الخوازيق مؤخراتنا، أو تدمِّر، الشحنات الكهربائية، اعضاءنا، الخاصة جدا.
ومع ذلك، فإن احدث التطورات، في هذا العلم القديم، تحيل القضية، من المجال السياسي والاجتماعي، الى الأدبي، ومن النفسي الى الفني، ومن عالم الاجتماع، إلى الناقد الأدبي.
الطاغية في هذا المذهب الجديد، انسان، يبحث عن الرواية الكاملة .
والطغيان هو الشهوة، الأدبية، المتوتّرة، في سبيل البحث عن ذروة روائية، هاربة، ومُراوغة.
والمشروع الطُّغياني ، بكل تفاصيله، ومراحله، وضحاياه، هو محاولة، تحرٍّ، اجتماعي، وسياسي، ونفسي عن المعلومة، الميدانية، الواقعية، وهو مجهود لتجميع وتوثيق، المواقف الانسانية، والاجتماعية، وهو، سعي، جادٌّ، للغاية، من الطاغية الروائي، لشحذ ادوات العمل الروائي وتشذيبها،وتهذيبها.
وفي هذا الاطار، يبدو الطاغية مظلوماً، ومفترى عليه، لايعطيه، احد، فرصة لشرح نفسه لاخوانه المثقفين والأدباء.
لا يقتل الطاغية حين يقتل، بغرض القتل، ولايفتك حين يفتك، من اجل الفتك ولايطلق عنان الاسلحة الكيميائية على النساء والأطفال، لأنه يكرههم ويحقد عليهم، ولايشن حروبا مدمِّرة، أو يستولى على اراضي الغير بالقوة لأنه مغامرٌ طائش، ولا يرسل الجواسيس في الأسواق ويتنصت على أسرار البيوت لانه خائف متلبسِ، بالشكوك والهواجس.
المظلوم، المسكين، روائي جاد، يتوق فحسب الى كتابة الرواية المثالية,, الكاملة.
عندما يطلب، وزيرا، للمشاروة ثم، يقتله فهو يريد ان يتعرف مباشرة، على تعابير الخوف، والمفاجأة عندما، يواجه، الموتَ انسان، محترم,
وعندما يجمع، اعضاء الحزب، في قاعة كبيرة ويلقي فيه خطابا هادئا، ثم ينتقيهم، واحدا، بعد آخر ليواجهوا، الاعدام فهو يريد ان يعرف كيف يتصرف البشر امام روليت روس جماعي.
وعندما يستمع الى تسجيلات، غرف التعذيب، فهو يسعى الى تجميع مفردات، مشاهد روائية حقيقية وحوارات انسانية، صادقة.
وعندما يشن حروبا، ويقصف مدنا، ويدمِّر احياء وتقتل الاسلحة الكيميائية، جموعا، فهو يريد ان يتجاوز المشاهد السينمائية المتكررة، الى مشاهد، حقيقية، من لحم ودم، وصرخات، وانين.
الهدف هو كتابة رواية عظيمة، تتعمق الى النفس البشرية، بأكثر مما فعل، ديستوفسكي، وتتناول، العلاقات الانسانية في الحب، والخوف، والحرب، والسلام، افضل مما فعل تولستوي، وتُصور عالم البؤس والشقاء على نحو ادق، مما كتب فيكتور هوجو، وديكنز، وتسترق اسرار الحارات، والبيوت، على نحو اعمق مما فعل، نجيب محفوظ.
انتم تظلمون الطاغية وتسيئون فهمه.
انه يريد ان يسلِّيكم، ويمتعكم، ولكنكم قوم تجهلون.
ساعدوه، وايدوه، لكي يحصل على الذروة الضائعة، وتهدأ شهوته الجائرة، ويكتب اخيرا رائعته الروائية,, حتى,, فصلها الأخير.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

التقسيط والقروض البنكية

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved