في مقالة سابقة كتبت ان للتخصيص أسبابه الداعية له، وباستقراء أسبابه في الدول التي سبقتنا له يتبين انها تتركز في أحد أو جل أو كل الدوافع التالية.
1 انها إما ان تكون بسبب ضعف في كفاءة الأداء الاقتصادي للشركة العامة او المؤسسة العامة ويراد من التخصيص رفع تلك الكفاءة، عن طريق تحجيم مستوى التدخل الحكومي السياسي في صنع قراراتها، واخضاع قراراتها للمعايير الاقتصادية, وعن طريق خضوع الإدارة لقرارات المساهمين ومراقبتهم وعن طريق زيادة درجة الانضباط المالي، لأن تخصيص المؤسسة العامة يحرمها من الضمان الحكومي في حالة الخسارة او الإفلاس.
2 او زيادة الأعباء المالية على الدولة، مما أوجد عجزا متزايدا في موازنتها العامة، ويظهر هذا جليا مع موازنات دول الخليج العربي التي تعتمد أساسا على الدخل من البترول نتيجة تراجع أسعاره.
ويراد من التخصيص في هذه الحالة تقليل أعباء الحكومة المالية بالتخلص من المؤسسات الخاسرة وتقليل نفقات الدعم، فضلا عن توليد الإيرادات من عملية بيع المؤسسات.
3 او ان أسباب التخصيص تعود الى رغبة الدولة في إعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في عملية التنمية، فتوسع بذلك نطاق الملكية، بتمليكه عددا من المؤسسات العامة، وبالمقابل يساهم القطاع الخاص في المؤسسات الخدمية المرهقة للقطاع العام كالصحة والكهرباء والماء والتدريب وغيرها.
مما سبق يتضح تنوع الأسباب الداعية للتخصيص, ويزداد التنوع بتنوع ظروف كل دولة ومن الحكمة ان تتأكد الدولة الراغبة في تبني سياسة التخصيص من قيام سبب جدي للتخصيص، وان تتوفر لها من المؤشرات والبيانات ما يقنعها من أن التخصيص سيحقق هدفه، خاصة إذا لم تكن واقعة تحت ظروف مالية ملحة تفرض عليها الاستعجال في اتخاذ القرار.
ومن الجدير بالذكر ان المحللين الماليين لميزانيات الدول التي آمنت بالتخصيص وسيلة لتحسين ميزانياتها, قرروا ان الاعتقاد بأن بيع الدولة مؤسساتها العامة للقطاع الخاص يؤدي دائما الى تحسين وضعها المالي، اعتقاد خاطىء والحقيقة التي ظهرت لهم ان تأثير التخصيص على موازنة الدولة في أحسن الأحوال تأثير محايد لا ينتج عنه تغيير فعلي في صافي موارد الدولة، وتقول في أحسن الأحول، لأن التخصيص قد يزيد موازنة الدولة سوءا اذا تم في دولة لا يتصف اقتصادها بتوافر المعلومات وباسواق مالية متطورة ونظام ضريبي واضح وعادل.
ويشرحون ذلك قائلين، انه على الرغم من ان تخصيص بعض المؤسسات العامة يؤدي الى تخفيض الأعباء المالية للدولة آنيا، إلا ان هذا البيع يؤدي الى انقطاع عائد الدولة من المؤسسة المخصصة، فالتخصيص والحالة هذه لا يحدث زيادة في موارد الدولة، وانما يحدث تغييرا في مكونات هذه الموارد ليس إلا، فالزيادة في السيولة لدى الدولة نتيجة التخصيص يقابلها نقص في السيولة لدى القطاع الخاص، والزيادة في اصول القطاع الخاص يقابلها نقص في أصول الدولة.
ولذلك قلنا بضرورة توخي الحذر عند اتخاذ قرار التخصيص، فلكل دولة أسبابها وأهدافها، ويبقى التخصيص وسيلة اقتصادية له إيجابياته وسلبياته المحكومة بالظروف الاقتصادية العامة.
د, حسن عيسى الملا