Friday 3rd March,2000 G No.10018الطبعة الاولى الجمعة 26 ,ذو القعدة 1420 العدد 10018



أطلال كأنها لم تشرب يوماً من ماء الحياة
قريات الملح تشكو الإهمال بعد أن كانت كاللآلىء على ضفاف وادي السرحان

* تقرير : سليم الحريّص
والسيارة تنهب الطريق في انحدار قادمة من طريف باتجاه القريات تتجاوز بلدة الحماد عندها تشعر بانحدار الارض تعانق قرى الملح كما عرفت,, واحدة تلو اخرى المصافحة لإثرة وتعقبها العين ومن بعد منوة وعلى بعد امتار القرقر جنوبا حتى تكون كاف آخر القرى, كانت (5) قرى يضئن جبين الوادي قلائد جملن طرف سرير الوادي (وادي السرحان) من الشمال,, كانت قرى تتنفس مع تباشير الفجر الاولى,, على صوت المؤذن تستيقظ القرى لتبتدىء الخطوة الاولى,, يوماً جديداً,, توكل على الله.
* الحياة كفاح، وجهاد، تبدأ القرى تنبض، يتدفق الدم في العروق وتنهض معها العزائم والهمم.
* بدأت القرى تفقد بعض وهجها,, وبعض سكانها في هجرة المدينة القريات هجرة وتفريغ ومن بعد الزهو,, شابت وكل شيء مضى حضارة ذهبت وتركت لها رسوما تحت الرمال,, في انفاس الطين وبعض من نخيل غاصت عروقه لترتوي.
* الامكنة احتفظت بالصور وبالمعالم ومع تعاقب الايام استحالت اطلالا وابنية خربة مهجورة ونخيلاً ترك العطاء فبقي يناجي وحدته وامسه الاخضر.
ماذا قال خلف الأسيد فيها؟!
ان تأتها زائرا بعد ان كنت ساكنا تثر فيك ابيات خلف الاسيد كل شجن وكل هم:

جيت انقل الضيقة وادور فضا البال
في,, كانوا يسكنونه هلٍ لي
(,,,) غدر فيها الزمن واكثره زال
واللي بقى به موحش مستذلي
لعبت به الدنيا من الجال للجال
شكله غريب ومنظره ما يسلي
عانقت في حزني غرابيل الاطلال
ياليتني ماجيت من رأس كلي
يا عين هلي صافي الدمع همال
هذي حلاة الدمع يا عين هلي
أبكي على الماضي ترى الحاضر أهوال
تكرمي بالدمع يا عين ياللي
ياحي سامحني ترى البعد غربال
اذا سألتك وين يا حي خلي
الصاحب اللي شال مع مركب شال
وين انتحى يا حي بالله قلي
عليه قلبي بين الاضلاع يجتال
جول الحمام بنايف مستظلي
ينوح نوح الورق بقفاي واقبال
حين العصير الى رقا راس تلي
ياحي احبه واعشقه عشق الاطفال
للعب يومن المطر يستهلي
عودة الزائر إليها بعد 45 سنة
قد تكون الصورة اكثر انكساراً والوجع يكون ايلامه اكثر حين تردد القصيدة وانت تخطو بين البيوت المتهدمة والنخل العجز يستحضر كل شيء عشته هنا,.
عايشته,, ويأتي الايلام اكثر من سائل,, قال لي والحسرة تلفه بردائها والذهول يطبق على عينيه!! لا اصدق,, ولن اصدق ما رأيت وشاهدت بأم عيني واحسسته بجوارحي: قرى مأهولة مليئة بالصخب لم تعرف الا الحيوية مهجورة اليوم مفرغة من كل شيء من كل شيء حي عشت بها اياما معدودة لم اقطنها لكنني عاشرت اهلها واختلطت بهم وحللت ضيفا قبل ما يزيد على 45 سنة,.
فكانت ايام انس وطيب معشر وقرى حية واناساً طيبين ماذا حل بها؟؟
ما الذي جرى؟؟ وما الذي تغير؟ اين سكان كاف واين سكان القرقر ومنوة والعين وإثرة,,, ؟؟
اين تلك الغيد؟ اين ذلك النماء والخضرة,,,,؟
اين القهاوي؟؟ واين اولئك الرجال الذين لم يغلقوا بابا في وجه ضيف او عابر سبيل؟؟ سبحان الله,, لقد تحولت الى اطلال مبكية موحشة تغرس الفزع وتدمي القلب, لم اصدق ما شاهدت (حسافة) قالها بمرارة وبحرقة وبأسى,, كان عابر طريق بعد 45 سنة مضت من قدومه الاول,, فتذكر الحال ورأى قرى القريات الشمالية على حال مغاير لما شاهده وعايشه قبل سنوات عدة,, فبأي الصور تأتي الكتابة عن قرى شهدت ما شهدت واليوم تشاهد وكأنها لم تشرب من نبع الحياة.
بين الزائر والقاطن
* قلت: حاضرة، هي وهن لم تبرح ولم يبرحن الذاكرة، الصور في الطفولة تبقى متجذرة حتى سن الكهولة هن باقيات معي انا خطت الرجل او نظرت العين او اطرق الفكر.
** ان تقصد موطن الطفولة,, ومرابع الصبا وزوايا البراءة والاشراق ومواقد الدفء وأزقة حضنت الاقدام العارية فلأن الحنين لها باق خالد خلودهن على خارطة الايام والتاريخ متجذر مثل تجذر جذع نخلة وسط تراكم الرمال تقاوم السافي وتعاند تقلبات الطقس وصلف الرياح والانواء راسخة بكبرياء شامخة بعنفوان.
الصورة تكون اجمل ورذاذ المطر يلثم الارض بدفء وانت تحضن الذكريات بمعطف الحزن ومشاعر المحب تطأ القدم فيحضن رملها المبلول مواطئها والانف تعانقه رائحة الثرى المعطر تدلف الى القرية بالتاريخ تجد هنا ميناء القوافل المناخ ,, يحضر لك صورة (عقل) الابل ورغائها والصورة الابهى لدخان الغضا المتصاعد من سوامة مجلس احد (كرام اللحى).
* قرية,, قرى تلبسك القناعة وتغطيك بازار الدفء,.
تساؤلات يجيب عنها الصدى
* لا احد هنا لا وجوه لا خطى لا صوت يعلو,, لا همس تشنف له الآذان وصدى من الامس يأتي ليقول رحلوا مضوا خطوا ماتوا وتسأل اين هم؟ وتعيد السؤال بالحاح,, اين مضوا اين ارتحلوا؟؟ ليأتيك الصدى بالجواب:
(لبسوا الكفافي ومشوا,, ما عرفت مين هن
* ما عاد راح يرجعوا,, يا قلب حاجه تعن
* لا حصان جايب حدا,, ولا سرج عم بيرن).
* قد مضوا في كل الاتجاهات والاكثرية يرقدون على بعد خطى,.
* وانت ايها الصدى لما لم تشد رحالك,؟
** وعلى عتبة من بقايا الامس ارخى العنان لذاكرته واطل من عتمة الايام بأعين تصافح رذاذ المطر وتطالع عناق الرمل والآهة تطارح انفاسه,.
* صدى يجيء بالامس على عتبة اليوم,, ليحدثنا عن صور غابت ووجوه غادرت الأمكنة واجساد لم تعد تحظى بظلال النخيل وقت القيلولة,, قلت ايها الصدى حدث اليوم عن امس القرى.
اجاب والدمع يخلطه المطر: الحديث لم يعد مجدياً فاليوم لا يرى الا الاطلال واعجاز النخيل وجدار الطين يشكو الهرم.
* اما الامس فقد كان للقرى حضورها وللقرى اهلها ولاهلها مكان وتاريخها مدفون هنا جوار هذه القلعة وبين بيوت الطين ووسط هذا المناخ.
ما الفائدة ان نتحدث عن شيء قد مضى والذي يمضي لن يغير فيه شيء وان تحدثنا,,,؟! صدقت ايها الصدى لكنه يريحنا يبعث فينا الدفء ويحيي الشوق للوجوه التي ظمأنا لرؤيتها قد يبعث في هؤلاء الحمية ليعيدوا لهذه القرى زخمها وضوضاءها وليوقدوا في ليلة العيد جذع نخلة تنشر وهجها في الازقة الموحشة وليبعثوا في عروقها الحياة من جديد,, قد يفعلونها,, لا اظن,, لا اظن لنرى بيادر الخصب تخضر,, في جنبات قرى (القريات) قرايا الملح,, القرى التي نظم فيها ولها شاعرها,, بدر فندي الفندي قلادة جمعت كل الصور,, فهل يجدي القصيد,, يا بدر؟:

اشوف طلة خاطري من غيابه
وأجول باطلال القرى كيف ما طاب
في قريتي لليل همس وصبابه
تذكر سوالف شارع فيه محراب
تلقى السعف مترامي عند بابه
يميل مع هب الهواء دونما اسباب
احس فيه هموم قلبي شعابه
كن الجدا رمعانق الطين بخضاب
احس بهموم النخل وانتخابه
واحس به لاشافني فز ترحاب
احس تعوي في سماها الذيابه
ترد صوت الذيب والذيب ماهاب
من قفرها مرت بي لحظة كآبة
كن الزمن صامت وواقف على الباب
احس بالساحات كل الغرابه
حتى المناخة قالت الربع غياب
* الى ان يصف الحال:

ما فيه احد غير السكون انزوى به
كنه يمر بعتمة الليل سرداب
وما فيه احد غير الهموم وجوابه
راحت اماني والنخل عارضه شاب
وما فيه احد غير الجدار وهوى به
الجذع طاح وجانب السور منصاب
لوحة الحياة للأفندي
لكن بدر الفندي لم ينس ان يصور في قصيدة اخرى لوحة الحياة بألوانها الجميلة وخطوطها القزحية تلك الالوان التي رسمت اللوحة بدءا من الندى وجذع النخلة الذي شكل العلاقة بين انسان القرية والارض، الخضرة والربيع، الحلقة الاكثر وثوقا في حياة الريفي وصور تنقلها لنا القصيدة شكلت ملامح الحياة الاجتماعية للانسان القرياوي في تعاطيه مع محيطه الاجتماعي في علاقاتهم الاسرية وفي انماط وسلوكيات حياتهم اليومية ومستلزماتهم التي تفرضها طبيعة وظروف حياتهم هو تصوير جميل لكن التباكي على الاطلال والتغني بالامس لا يعيد عجلة الزمن.

دفيت يا عرق الندى جذع النخل والا الغبار
ولا بقايا قريتي وهناك منثور الرحيل
دخلتها بعد الزمن مامر فيها واستثار
اجمل مواقع دافية ماكنها شمس تميل
هناك والشارع غفا وهناك لو مال الجدار
شيخوخته صار الرمل مذراه بالوقت الطويل
والجذع كنه لابس حلة ظما لونه سمار
حلة هرم بعد الحيا يقول ما حولي نزيل
والتلعة اللي تنتظر ما كان يكسيها الخضار
ما كانت فروع الغضايوم القطا فيها نزيل
الى ان قال:

عيشة بساطة طايبة ونفوسهم فيها وقار
الطفل شايب من علومه للرجولة تستخيل
راحوا وخلوها قفر قفرا وجيناها مزار
نحلم بلحظة مثلهم نرجع ولكن مستحيل

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

تحقيقات

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved