Thursday 2nd March,2000 G No.10017الطبعة الاولى الخميس 25 ,ذو القعدة 1420 العدد 10017



بدايات
انتظار
محمد عبدالرزاق القشعمي

كانت والدة الفتى تحمل النفيعة لتقديمها للبقرة قبل حلبها، أخبرت عمة الفتى بأنها سمعت ذات يوم زوجة اخيها عم الفتى وهي تناديه باسمه,, كانت تقول معلقة على ذلك: واخزياه,, تذكر اسم ابيهم ما تستحي,, ويقولون انها تتعشى معه من صحن واحد.
قالت لها العمة: اجل ما سمعت وش قالت عمتي مريم هاك السنة بالثوير وهي جاية مرويِّة من الحسو عقب صلاة العصر يوم شافت رشيد ولد الجيران في طريقه وهو ماد للقصيم وشافته يرقى الجادول مع البعارين والرجاجيل جالسين امام باب المسجد وتذكرت انها سبق ان اوصته على شراء مغرفة بدلاً من المكسورة وخافت ان ينسى وصاتها فصرخت بأعلى صوتها,, يا رشيد لا تنسى المغرفة .
ردت عليها أمه: الله لا يخزينا وسمعها الرجال، فردت عليها: الرجال هم اهالينا وجِراننا ما فيهم غريب، واختك خالة الفتى وهي جاية تزور أهلها لوحدها من أبو طرفات لالجوي وفجأة رأت رجلا على بعيره يسألها عن طريق القصيم فأشارت له باتجاهها بيدها دون ان تتكلم، وواصلت طريقها وعند صعودها رأس العرقوب الطعس رأت ان الرجل قد غير اتجاهه فما كان منها الا ان صرخت له: تياسر لا تضيع فردت والدته هماهم اذا جو الرجال للبيت يصوتون لنا هيش ونرد عليهم ويش او يقولون هو بذا احد واذا أرادت المرأة ان تحادث زوجها بوجود احد قالت: أبونا أو أبو فلان,, الخ، فمن الصعب ان تذكر اسمه او حتى ان تأكل معه حتى لو لم يكن بالبيت الا هما.
حل خاله الآخر ضيفا عليهم وهو في طريقه للبلاد، فلابد ان يشاركهم في وجبة الغداء، فاهتمت به والدته ووضعت طعماً للغداء مما لا يقدم في الايام العادية فأضافت قليلا من المحزر بالجريش، يذكر الفتى ان خاله بعد ان تغدى احضرت والدته المثعوبة (1) مليئة بالماء ليغسل يديه فاستنكر ذلك قائلا: أفاأغسل من فضل الله؟ فما كان منه الا ان مسح بيديه وجهه وقدميه بدعوى انه اذا كان في قدميه مشق شطوب من أثر البرد بسبب عدم استعمال الاحذية فيلينها باقي السمن بعد دهنها به، او قد يضطر الى وضع قدمه في الماء مدة من الزمن حتى تلين فتأتي له اخته والدة الفتى بإبرة وسلك ليخيط شطوب قدميه حتى لا تتسع وتدخلها الجراثيم وتتحول الى جروح.
لا ينسى ان والده قد اوصى له الخراز بالديرة البلاد ان يخرز له حذاء زرابيل فبعثها له الخراز من الديرة مع خاله وفرح الفتى بها كثيرا، وكان ينام بها احيانا خوفا عليها من الضياع، او من الكلب ياكلها او من عيون أبناء عمه الذين بانت غيرتهم منه، كانت قاعدتها من الجلد القاسي وجوانبها من القماش وتربط بحبل طويل في ساقه، لم تلبث طويلا فقد اوهمه احد الغيارى بأن المشي في الماء لا يضرها وانما يقويها، وسريعا ما خرج الجلد من القماش وتركها في الشمس لتجف ولكنها كانت القاضية، فقد وجدها في اليوم التالي كالعظم، لا فائدة ترجى منها، فعاد الى ما سبق حافيا، وطلبت منه امه ان يذهب مع اخته ليخرج الغنم من الحوش لتشرب من المسقات وتسرح لوحدها وتأكل ما تجده في الارض المحيطة بالقرية، اتجه الماعز الى حيث الماء المسقات وكان في فصل الشتاء فقد تحول الى فرش من الثلج، بعضها عاد بلا شرب والبعض شرب على كره، وعند اتجاهه الى المشراق وجد ان عدداً منها قد أصعدت ممن قاربت الوضع ولشدة البرودة فقد اسقطت، وتسمى الواحدة منها مِصعِدة .
دخل خاله ليسلم على والدته جدة الفتى والتي كانت لا تحب ان تفارق ابنتها الصغرى القعدة والدة الفتى، وكانت تسأله عن الجميع ومن ضمنهم ابن أخت لها كان يطلب العلم بالرياض وقيل في الحجاز، وذكر لها بأنه سوف يذهب الى ديرة بعيدة ليتعلم بها يقال لها امريكة على حساب الشيوخ, فقالت يا عونت الله واستدركت بأيها أبعد امريكة والا المجمعة فقال لها خاله والله ما أدري يا ميمتي ، ولكنهم يقولون انها أبعد من قندهار .
أسر خاله لوالدته بأن والد الفتى قد وصى له بأن يزورهم بالرياض ويحضر معه الى هناك الفتى ووالدته وأخته قبلت والدته الخبر بوجوم اذ لا خيار لها وكيف واين تترك والدتها, فقال لها خاله ان والدته سوف يأخذها معه الى الجوي رضيت والدته بهذا الحل بقي موضوع السفر والبعد عن الأهل والبلد الذي ألفته وترعرعت به وركوب السيارة لأول مرة، والأدهى والأمر ان تسكن مع ضرة زوجته الاخرى ببيت واحد، كل هذه الافكار تراودها.
ذكرت للفتى بأنهم سوف يسافرون الى والده بالرياض وانه سوف يترك القراية عند المطوع والذي حفظه الحروف الهجائية وثلاثا من قصار السور، ففرح بقرب السفر وبدأ الاستعداد له، بسفرهم مع جدتهم وخاله الى حيث ستبقى هناك، ثم بدأت تبحث عمن لديها عباءة تستعيرها منها، اذ ان استعمال العباءة في القرية غير معروف، فالمألوف هو ثوب مرودن واسع تلبسه المرأة فوق درّاعتها عند زيارتها لأحد في القرية المجاورة، اما داخل القرية فيكفي المرأة دراعة وغطاء الوجه والرأس غِدفة وصت والدته خالته وعمته بجمع الصوغة التي ستأخذها معها عند السفر للرياض والتي تسمى زوارة عبارة عن حب قرع مطبوخ ومصبوغ بألوان مختلفة، وقرصان كليجا وخبز فتيت تصنعه نساء متخصصات.
صار الفتى مع اولاد خاله خلال فترة الاستعداد للسفر للرياض متحررا من الذهاب للمطوع او من تسخير عمه له بحمل العلف للغنم او جمع الكرمع من الأثل او الجلة من معالف البعارين فبدأ يلعب معهم ولأول مرة الألعاب المألوفة آنذاك عظيم سري بالليل، او الغميمة بالنهار او الصقلة، وقد أعطاه ابن خاله نباطة ليصيد بها العصافير ولكنه لم يوفق اذ اصاب اخته فاخذتها منه امه ومنعته من استعمالها الا انه اخذ المقلاع لطرد العصافير من الزرع عند ذهابه مع امه الى هناك، لتحصد معهم او لتسقي الزرع وقت الرواس والصدر .
لم تطل مدة الانتظار اذ قدم خاله من البلاد واخبر والدته انهم سوف يسافرون غدا الى الديرة، فهناك سيارة سوف تحمل الركاب الى الرياض وموعد مغادرتهما بعد غد وقد حجز بها للسفر الى هناك.
(1) المثعوبة: وعاء من نحاس يستعمل للوضوء له ثعبة مستطيلة ليخرج الماء منها بسهولة.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved