تتناقل شبكة الإنترنت هذه الأيام مجموعة من الصور الخليعة لفتيات صغيرات مصحوبة بأسماء خليجية مألوفة وتنسب لأسر عربية معروفة, وهناك قصص مختلفة تصاحب هذه الصور لتؤكد حقيقة انتسابها للمنطقة, تقول احدى القصص إن تلك الفتاة المنشور صورتها على الشبكة كانت صديقة لشاب، وبعد فترة تقدم هذا الشاب لخطبتها ونظرا لفارق الطبقة رفض أهل الفتاة تزويجه, ومن باب الانتقام قام الفتى النذل ونشر صورا للفتاة كان يحتفظ بها أيام العلاقة الوردية بينهما، ويقال أيضا: ان الفتاة اقدمت على الانتحار، وان اهل الفتاة يبحثون عن النذل للانتقام منه إلخ, وهناك طبعا مجموعة أخرى من القصص الخيالية والإشاعات المرتبطة بالانترنت والشرف وهذه لاحاجة لبحث صحتها, فليس غريبا أن تؤلف قصص خيالية عن وقوع فتاة ساذجة لاتجد من يرعاها الرعاية الكافية ضحية لمثل هذه الجريمة القذرة, خصوصا وان بعض الآباء والأمهات لايعرف كيف يوجه أبناءه ولا يعرف كيف يزرع فيهم المثل والقيم ومهما قدمنا من النصائح سيظل هناك عدد وافر من الناس غير قادرين على تحمل مسؤولية تربية الأبناء والبنات, الشيء المهم هنا ليس وجود صور حقيقية لبنات من لحم ودم من بنات منطقتنا فالذي يهمل بناته أو أولاده يصبح هو المسؤول عن نتائج مايحدث لهم , القضية تكمن في المساس بسمعة الأبرياء.
فكما هو معروف الآن يمكن عبر بعض برامج الكمبيوتر وبإجراءات بسيطة تركيب الصور مثل تركيب وجه على جسد وتغيير لون البشرة وتغيير خلفية الصورة إلى آخر التعديلات ثم تنشر على الإنترنت للإساءة للناس وتحطيم سمعتهم كما حصل لبعض المشاهير من الفنانات والممثلات,, ولكن الأخطر والمهدد بكارثة هو امكانية تزييف الحقيقة كلها, ففي مجتمع محافظ مثل مجتمعنا ليس من الصعب أن ينشر أحد الأنذال صورة لامرأة بملامح خليجية ثم يدعي أنها فلانة من الاسرة الفلانية, كيف تستطيع الأسرة المحترمة مواجهة مثل هذا الأمر؟ لا يمكن أن تصدر بيانا تنفي فيه هذه الصورة، ومن الصعب أن تصمت والألسن لاتعرف العدل في مثل هذه الامور ولن ترجح كفة الحق على الباطل.
بغض النظر عن التحصينات المادية التي نضعها في مواجهة الموجة التقنية الجديدة, أعتقد أنه حان الوقت لمناقشة كثير من القضايا المسكوت عنها, وأن يعيد المثقفون والمربون والفقهاء النظر في مسلمات نشأت في ظروف معينة، فالعودة إلى مفهوم الإسلام الصحيح عن المرأة هو الحل الوحيد لهذه الامور الخطيرة القادمة, فالمرأة ليست عارا على أحد, فالإنسان رجلا كان أو امرأة هو عار على نفسه في حال ارتكابه خطيئة.
الإنترنت في بدايتها ومازالت بعيدة عن متناول الجميع ولكن بعد عشر سنوات على اقصى تقدير ستكون في كل بيت مثل الراديو والتلفزيون والمسجل، وإذا كانت الآن مقرونة بأهل الدهشة والفضول ففي الفترة القادمة ستصبح جزءا من الخدمات الاستهلاكية العادية عندها ستوظف في الخير والشر, وستكون أشد أنواع وسائل الاعلام فتكا وتدميرا, فكل فرد مهما كان يستطيع ان يفتح عبرها تلفزيونه الخاص ويبث عليها الصور والمعلومات التي يريد دون حسيب أو رقيب, وماتقوم به مدينة الملك عبدالعزيز مشكورة ليس إلا محاولة محدودة لمواجهة قضية لايعلم نوعها أو تأثيرها إلا الله, الحل ليس في (البروكسي) وليس من واجبات مدينة الملك عبدالعزيز إطلاقا.
المشكلة ليست مشكلة مجلات خليعة نطمسها بالحبر ونمنع دخولها البلاد, المشكلة في الملفات الاجتماعية المختلفة المسكوت عنها التي يقاتل كثير من الناس لمنع فتحها.
وأظن أن تداول تلك الصور مقرونة بأسماء أسر معروفة ومشهود لها بالشرف والاستقامة ليس إلا إنذارا صغيرا لقضية كبيرة تريد أن تعلن عن نفسها في الوقت المناسب, فمن الواضح أن الكلمات الكبيرة التي نزخرف بها مقالاتنا (الغزو الفكري الغزو الثقافي) قد انتهى دورها الزخرفي والإنشائي ولابد من تفكيكها إلى عناصرها الأولية ونتحسس مكمن الخطر هل هو داخلي أم خارجي هل في نظرتنا للعالم أم في نظرة العالم لنا, إذا لم نفتح نحن ككتاب وكمثقفين وكمربين وكفقهاء تلك الملفات المغلقة فسوف يمزقها هؤلاء الأنذال ولن نجد بعد ذلك ملفات نناقشها.
لمراسلة الكاتب
yara2222* hotmail.com