عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أوقاتكم بكل خير دائما,, وبعد
قرأت كما قرأ غيري موضوعا للأخ أحمد بن محمد البدر (من الزلفي) تحت عنوان سلوكيات لا تليق يرتكبها بعض الطلاب, عودة العقوبات البدنية في المدارس ضرورة .
وأشير أولا وقبل كل شيء إلى أن الأخ أحمد أجاد في طرح الموضوع حيث تطرق إلى عدد كبير من السلوكيات الخاطئة لدى بعض الطلاب ووضع حلولا لها وبودي هنا المشاركة في طرح بعض النقاط، فقد سبق لي ولغيري المشاركة في هذا الموضوع عبر صفحة عزيزتي الجزيرة.
ثانيا: لابد من الاتفاق على مسلمات منها:
1 لا يجوز بأي حال من الأحوال الضرب من أجل التعليم ولكن يمكن وفي حدود ضيقة وبموجب ضوابط واضحة ودقيقة وبواسطة لجنة في كل مدرسة تنفيذ الضرب لحدوث سلوك غير مقبول قد تتعدى نتائجه محيط المدرسة مع إشعار ولي أمر الطالب.
2 لم يرد من الوزارة وحسب علمي أي تعليمات تجيز الضرب، بل إن أول تعليمات تنظم العملية التعليمية والتي صدرت في حدود عام 1347ه وفي عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله لم يرد فيها إشارة لا من قريب ولا من بعيد تسمح باستخدام العقاب البدني، بل نصت على منع العقاب البدني وأجازت عدة بدائل عنه منها: حسم الدرجات، حسم مبالغ مالية، الحرمان من دخول الفصل، الحرمان من دخول المدرسة، الحسم من الدرجات مع حسم مبالغ مالية,,, إلخ.
3 لماذا نحمل الطالب كل المسؤولية؟ أليس الطالب هو نتاج لما حوله,, نتاج للبيت,, نتاج للمجتمع,, نتاج للمدرسة، أي بمعنى آخر غياب القدوة, ألم تتغير علاقة الأبناء بالآباء؟ ألم تتغير علاقة الأقارب فيما بينهم؟!، كيف كان الابن يحترم والديه في السابق وكيف احترامه لهم الآن؟ وكيف كان أكبر فرد في القرية أو في القبيلة أو في الأسرة يؤدب كل من يصدر منه سلوك غير سوي، أما الآن فالأخ يرفض توجيهات أخيه ولا يسمح له أن يضرب أولاده، بل أدى الخلاف حول الأولاد إلى حصول خلافات بين الاخوة والأخوات وتفرقت الأسر بسبب ذلك, ألم تكن الأسرة في السابق تسكن في بيت واحد؟ الآن كل فرد من افراد الأسرة يريد أن يستقل، وكم من الخلافات تحدث بين الأقارب والجيران بسبب الأطفال,, كثير من أمور حياتنا تغيرت.
4 علاقة الإنسان بالعالم من حوله هل هي كما كانت في السابق أم أن العالم أصبح قرية صغيرة تعرف ما يدور في هذه القرية يوميا وعلى مدار الساعة؟!
5 صلاحية الضرب التي كانت موجودة هي ممنوحة من اولياء الأمور وليس من الوزارة فما زلت أذكر أن كل ولي أمر طالب يراجع المدرسة يقول لهم لكم اللحم ولي العظم اضرب ولكن لا تكسر العظم، فهل نسمع من أولياء أمور الطلاب مثل هذا التفويض الآن؟ من يجرؤ في السابق من الطلاب أن يشتكي مديره أو مدرسه لولي أمره؟
6 لا تزال توجد فئة من المدرسين ومديري المدارس والوكلاء تمارس عملية الضرب بشتى الطرق والوسائل, وتصل في بعض الأحيان الشكاوى إلى إدارات التعليم أو إلى الوزارة وفي كثير من الأحيان تحل الأمور قبل أن تصل إلى المسؤولين.
7 حسب علمي توجد في كل مدرسة لجنة للتأديب تتكون من مدير المدرسة والمرشد الطلابي وعدد من المدرسين ويقتصر التأديب على السلوكيات غير المقبولة.
ثالثاً: ذكر الأخ أحمد البدر بعض السلوكيات كالتدخين والتأخر عن الحضور والتأخر عن دخول الفصل والنوم والكسل داخل الفصول وعدم التأدب عند أداء الصلاة وعدم التأدب مع المعلمين, وانتشار الكتابات السيئة والهروب من المدرسة ورمي بقايا الطعام وكثرة المشاجرة بين الطلاب,,, إلخ, فما هي أسباب هذه السلوكيات؟! أسبابها فقدان القدوة لدى شريحة كبيرة من الطلاب، فكثير من أولياء أمور الطلاب والمدرسين يسهرون ويدخنون ويسرفون في مآكلهم ومشاربهم وترمى البقايا في صناديق القمامة, ويتأخر البعض عن الحضور صباحا ويخرج البعض الآخر أثناء الدوام أو قبل انتهائه ويقضون الساعات الطوال أمام القنوات الفضائية, ولا تقوم المدارس وأولياء الأمور بما هو مطلوب منهم بمتابعة الحضور والغياب ومستوى الطلاب وينام الوالدان وأولادهما خارج المنزل لا يعلمان عنهم شيئا,, إلخ, فهل نتوقع من طلابنا إلا انعكاسا لما يجدونه حولهم في منازلهم ومجتمعهم وفي مدارسهم.
رابعاً: من أمن العقوبة أساء الأدب, لا توجد متابعة جادة من أولياء الأمور لأولادهم, فالأسر صارت تعتمد على الخادمات والسائقين وعندما يحدث خطأ من الأولاد يهب الجميع لمساعدته وتجنيبه العقاب بشتى الوسائل والطرق.
خامساً: ذكر الأخ أحمد البدر,, الدقة عند اختيار مديري المدارس ووكلائها من حيث قوة الشخصية والحكمة والقدوة الحسنة، والوزارة وضعت في كل إدارة تعليم لجنة لذلك تتكون من ستة أفراد مؤهلين برئاسة مدير التعليم ويخضع الاختيار لعدة شروط وضوابط كثيرة, ولكن أحيانا ينطبق المثل القائل الجود من الموجود كما أن مدير المدرسة أو الوكيل إذا قصرا في عملهما يمكن نقلهما أو اعفاؤهما.
سادساً: مناهجنا ولله الحمد تشتمل على مواد دينية لا يوجد لها مثيل في دول العالم ولكن مع الأسف لا نجد الاثر المطلوب عند بعض الطلاب مما يعطي انطباعا أنه يوجد خلل لدينا, قد يكون في طرق التدريس وقد يكون في سلوكيات بعض الناس في المجتمع وقد يكون في غياب القدوة, وقد يكون في التضارب بين ما يدرسه الطالب في المدرسة ويلمسه في المنزل والمجتمع.
سابعاً: العلاقة بين المنزل والمدرسة مع الأسف ضعيفة والأسباب مشتركة من المدرسة والمنزل ولكن تقصير المنزل أكثر لعدم تجاوب الكثير من أولياء الأمور مع بعض المحاولات من المدارس لزيارتها.
ثامناً: وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية رسالتها عظيمة ومؤثرة ولكنها لم تقم بما هو مطلوب منها كما يجب, وقد يكون لها دور سلبي.
تاسعاً: لابد من التوسع في التعليم العالي وإنشاء المزيد من الكليات والجامعات والمعاهد العليا الحكومية والأهلية وتوجيه التخصصات حسب احتياجات المجتمع والقطاعين العام والخاص.
عاشرا: حتى لو فرضنا جدلا ان ذلك شبه مستحيل فلن يصدر من الوزارة تعميم بالسماح بالضرب يسمح لكل مدرس بممارسته لأن المدرسين يختلفون عند التنفيذ، فقد يلجأ بعضهم إلى الضرب المبرح أو اللكم أو الركل مما يسبب اصابات للطلاب لذلك فالأمر ليس بهذه السهولة.
حادي عشر: ذكر الأخ أحمد البدر: والكل يعرف دور الانشطة غير المنهجية, ولي ملاحظة هنا حول غير المنهجية فالأنشطة الطلابية في الوقت الحاضر هي أنشطة منهجية, قد نقول ذلك عنها في السابق ولكن الآن أصبحت الأنشطة جزءا مهما من المنهج الدراسي ولها برامجها المدروسة ولها اهدافها ولها مشرفوها المؤهلون في الوزارة وفي الإدارات التعليمية وفي المدارس ولها إدارة عامة والمطلوب هو:
أ / تنفيذ معظم الأنشطة الطلابية خلال الفترة المسائية من بعد صلاة العصر إلى ما بعد صلاة العشاء، بهدف شغل أوقات فراغ الطلاب بما يفيد وعدم اشغالهم عن دروسهم في الفترة الصباحية.
ب/ تكثيف مراكز الأنشطة خلال الفترة المسائية والاجازات لشغل أكبر عدد من الطلاب بما يفيدهم ويفيد أوطانهم وابعادهم عن رفاق السوء.
وفي الختام أعرض هذا الاقتراح وهو أن يفوض أولياء أمور الطلاب المدرسة والمدرسين لتنفيذ ضرب أبنائهم وأن يكون الضرب للتربية وليس للتعليم وأن تتعهد المدارس وأولياء الأمور بالتواصل, لما للتواصل من آثار ايجابية على سلوكيات ومستوى الأبناء, وأنا هنا أتحدث عن خبرة وتجربة, فبدون شعور أولياء الأمور بمسؤولياتهم وقيامهم بمتابعة أولادهم فلن نقضي على السلوكيات الخاطئة، كما ان على المسؤولين في المدارس عدم الملل أو الاحباط من الاتصال بأولياء الامور لدفعهم إلى زيارة المدرسة.
وبهذه المناسبة استشهد بمقطع ورد في صفحة عزيزتي الجزيرة العدد 3877 الاثنين 19/7/1403ه للأخ محمد خالد غنيم كلية الهندسة بالرياض فقد تحدث عن تجربتين له في مدرستين مختلفين.
أ/ في مدرسة في حي شعبي حيث العصا لا تفارق أيدي المعلمين والعقاب ينزل على الطلاب في كل صغيرة وكبيرة وقد رأى الأخ محمد غنيم أحد المدرسين يصفع تلميذا على وجهه ويصاب التلميذ بنزيف ومدرس آخر يقوم بركل طفل في الخامسة برجله فأصيب الطفل وأغمي عليه.
ب/ في مدرسة في حي معظم سكانه من أبناء المتعلمين والميسورين، حيث الهدوء يسود المدرسة ولا تشاهد العصا إلا نادرا ومعظم الطلاب يقومون بواجباتهم واولياء الأمور يقومون بمتابعة أولادهم.
ويقول الأخ محمد غنيم إن الأسرة والبيئة هما المؤثر الأول على سلوك التلاميذ بالاشتراك مع المؤسسة التربوية .
إنني أدعو إلى اجراء دراسة على طلاب المدارس الأهلية ومقارنتها بالمدارس الحكومية, وكذلك الاستفادة من الطرق المتبعة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم في التعامل مع الطلاب, للأسباب التالية:
المدارس الأهلية يقل عدد طلابها في الفصول ويحرص أولياء الأمور على متابعة أبنائهم وتحرص المدارس الأهلية على ايصال المعلومات لأولياء الأمور أولاً بأول كما أن أحوال الكثير من أولياء الأمور جيدة, أما مدارس التحفيظ فتمتاز بمدرسين مميزين ومتابعة من أولياء الأمور وعلاقة جيدة مع المنزل ومكافآت والقبول فيها يتم ضمن ضوابط توضع من قبل المدارس وتتمتع مدارس التحفيظ بإمكانات تفوق مثيلاتها من المدارس الحكومية, كما تجد مدارس التحفيظ عناية ورعاية خاصة من لدن الحكومة الرشيدة.
ومع أن العصا كانت موجودة في المدارس في السابق ولا تزال موجودة في بعض المدارس إلا أنه لا يوجد سابقا أو لاحقا تصريح من الوزارة لحمل العصا وانزال العقاب بالطلاب على كل صغيرة وكبيرة فعلى المطالبين لوزارة المعارف بإعادة الضرب أن يتوقفوا عن مطالبتهم لأنها لم يسبق لها أن سمحت بالعقاب البدني في المدارس, وعليهم مطالبة أولياء الأمور بذلك.
والذي يعمل في المجال التربوي يعلم أنه توجد عشرات الوسائل التربوية لعلاج المشاكل التربوية في المدارس, ولكننا دأبنا على تحميل اخفاقاتنا على التعليمات والأنظمة لنبرىء أنفسنا من المسؤولية الملقاة على عواتقنا فدائما نبحث عن أسهل الطرق الضرب مع أننا لو بذلنا قليلا من الجهد ومن التفكير لوصولنا إلى نتائج أفضل, نسأل الله التوفيق والسداد لخدمة الدين ثم المليك والوطن.
محمد صالح الداود
الطائف الشرقية