أشرقت شمس الوحدة بالجزيرة العربية في الخامس من شوال 1319ه حينما استعاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمة الله عليه - مدينة
الرياض ليضع اللبنة الأولى لهذا الصرح الشامخ على أساس الحكم بشرع الله والعمل بقرآنه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فرغم قلة الامكانيات البشرية والمادية لم تثن عزيمة الملك عبدالعزيز على مواصلة فتوحاته وانتصاراته ليوحد بذلك البلاد ويجمع شمل الأمة ويؤلف بين قلوب أبنائها وينتهج سياسة قائمة على الشورى مسترشداً بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
ومنذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود أمد الله في عمره والجهود تتضاعف والمشاريع تلو المشاريع من مبانٍ حكومية وطرق رئيسية تربط بين المدن والجسور العظيمة وأنفاق وطورت الإدارات الحكومية وتم تخصيص كل وزارة للأعمال المناطة بها ومن ضمن هذه الوزارات وزارة الشؤون البلدية والقروية.
وهذه نبذة عن ماضيها وحاضرها المجيد:
كان إنشاء وزارة الشؤون البلدية والقروية في الثامن من شوال عام 1395ه 1975م استجابة طبيعية للاهتمام المتزايد الذي أولته الدولة لعملية التطوير الحضاري الشامل لمختلف مناطق المملكة بصورة متكاملة والتركيز على تطوير الخدمات الأساسية للمواطنين كبنية أساسية لنجاح عملية التنمية الشاملة.
فقد جاء انشاء هذه الوزارة بعد خمس سنوات من الأخذ بنظام التخطيط الشامل لعملية التنمية في المملكة والذي بدأ بخطة التنمية الأولى في عام 1390ه والتي نصت على أن تحقيق التنمية الاقتصادية يتطلب توافر مرافق اساسية تدعم القطاعين الانتاجي والاستهلاكي معاً، وأن تحقيق الأهداف الخاصة بخطة تطوير المرافق التأسيسية يعد أمراً ضرورياً لتحقيق العديد من أهداف الخطة الخاصة بالقطاعات الأخرى .
لم تحدد الخطة الأولى للتنمية تعريفاً محدداً لخدمات المرافق العامة وتنمية المدن التي خصص لها بالفعل الفصل السابع من الخطة حيث أشارت خطة التنمية إلى أن هذه الخدمات تشمل الطاقة الكهربائية ومياه الشرب والصرف الصحي وإزالة القاذورات بالإضافة إلى الخدمات البلدية الأخرى لتحسين الشوارع والحماية من السيول وتصريفها وتوفير الخدمات كالأسواق العامة والمقابر والمسالخ).
وخلال سير خطة التنمية الأولى وزعت الاعتمادات المالية المتعلقة بالمرافق البلدية على عدد من الوزارات والهيئات مثل المديرية العامة للصناعة والكهرباء ووزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزارة الزراعة والمياه ووزارة الداخلية (وكالة شئون البلديات) وفي خطة التنمية الثانية عام 1395ه - 1400ه والتي وضعت قبل انشاء وزارة الشؤون البلدية نصت هذه الخطة على (توسعة نطاق الخدمات التي تقدمها البلديات حالياً ودعمها خلال عدة أمور من بينها نقل بعض المسئوليات من الوزارات المختلفة إلى البلديات بوزارة الداخلية).
وفي الثامن من شوال عام 1395ه صدر الأمر الملكي بانشاء وزارة الشؤون البلدية والقروية لتقوم بالمسئوليات التي كانت موكلة إلى وكالة شئون البلديات بوزارة الداخلية مع تطوير هذه المسئوليات بما يتناسب مع التطوير الحضاري والانمائي بالمملكة.
وهكذا تطورت حدود أجهزة البلدية ومسئولياتها ازاء المواطنين بصورة مستمرة منذ أن صدر نظام البلدية في عام 1346ه.
ثم صدر النظام العام لأمانة العاصمة والبلديات في عام 1357ه والذي وسع تدريجياً من مسئوليات البلدية وفي عام 1403ه صدر نظام البلديات والقرى بالمرسوم الملكي رقم م/5 في 21/2/1397ه موسعاً من اختصاصات ومسئوليات البلديات حيث نصت المادة الخامسة من هذا النظام على أن البلدية( تقوم بجميع الأعمال المتعلقة بتنظيم منطقتها واصلاحها وتجميلها والمحافظة على الصحة والراحة والسلامة العامة) وبعد هذه الفقرة العامة حددت هذه المادة إحدى وعشرين ناحية من نواحي الحياة كنماذج لاختصاصات ومهام البلديات وهكذا جاء اختصاص البلديات عاماً لهذه الخدمات والمرافق لا يحد منه إلا ما تقضي به الأنظمة من اختصاص عام لبعض الإدارات والمصالح كما نص على ذلك نظام البلديات والقرى.
ومن ذلك تبين مدى الأهمية الكبرى التي تحتلها المرافق والخدمات البلدية سواء في حياة المواطن أو في إطار عملية التنمية بصفة عامة.
تتميز انجازات المرافق البلدية التي تمت في المملكة العربية السعوديةخلال خطط التنمية الأربع بمجموعة من الخصائص التي تجعل من هدف الحفاظ عليها وصيانتها أمراً ضرورياً وضرورة أساسية خاصة في هذه المرحلة من مراحل عملية التنمية ولأسباب عديدة منها:
1- أن المبالغ المالية الضخمة التي انفقت على اقامة وتطوير هذه المرافق البلدية تجعل من الحفاظ عليها أمراً ضرورياً لاستمرار هذه المقدرات الضخمة حيث بلغ اجمالي ما انفقته على المرافق والخدمات البلدية خلال خطط التنمية الثلاث الأولى وحتى عام 1405ه ما يزيد عن 174 ألف مليون ريال بينما بلغ المخصص لمشاريع البلديات في خطة التنمية الرابعة 36,5 ألف مليون ريال وقيمة مالية ضخمة كهذه تعد استثماراً مادياً ضخماً وظف في انجاز هذه الأهداف وتحتاج الاستفادة منه لأطول فترة ممكنة والاستفادة بخدمتها على الوضع الأمثل.
2- يمثل ما تم انجازه من مرافق بلدية قيمة اجتماعية كبيرة فقد أضحت هذه المرافق جزءاً هاماً في حياة الناس يعتمدون عليه في سكنهم وصحتهم وحياتهم اليومية وحتى وفاتهم ومن ثم فإن الحفاظ عليها بكفاءة مناسبة يعد أمراً ضرورياً يهم كل المواطنين ويتعلق بمصالحهم.
3- اقامة البنية الأساسية في المجتمع من خدمات ومرافق يمثل المرحلة الأهم في عملية التنمية الشاملة في المجتمع ولا تبنى هذه المرافق إلا مرة واحدة في التنمية حيث تتوقف عليها سائر مراحل عملية التنمية التالية والحفاظ على هذه المرافق وصيانتها يمثل شرطاً هاماً للمضي قدماً في المراحل التالية لعملية التنمية الشاملة.
4- يمثل اقامة هذه المرافق البلدية بهذه المبالغ المادية الضخمة استثماراً لظروف مادية معينة مرت بها البلاد في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.
5- إن دور المواطن في الحفاظ على المرافق البلدية وتحقيق الاستفادة المثلى منها هو دور أساسي فالمواطن هوالمستخدم لهذه المرافق وهو المتعامل الأول معها، ومن ثم فإن عملية توعية المواطن للحفاظ على هذه المرافق يمثل جانباً جوهرياً في تحقيق المحافظة عليها.
إن ما قامت به البلديات من توفير للخدمات المختلفة أمر يفوق الخيال وحري بنا أن نفخر بتلك الانجازات لكن هذه الانجازات مع عظمتها وهذا الفخر لن يوقف طموحنا فطموحنا لا يعرف حداً يقف عنده طالما توفر الاخلاص في العمل واتيحت الامكانات واتبعت الأساليب العلمية كل ذلك في ظل قيادة أمينة صرفت جل اهتمامها وفكرها إلى خير المواطن ورفاهيته وأمن المواطن وسلامته.
إن مسئوليات البلدية تجاه الوطن والمواطن وواجبات المواطن أمام البلدية ونحو مرافقها وخدماتها صنوان لا يفترقان يؤثر كل منهما في صاحبه ويتأثر به وإذا كانت البلدية بماتضعه من خطط وبرامج لا تهدف إلا لسعادة المواطن وراحته وسلامته فإنه يتعين على المواطن أن يحافظ على انجازات البلدية وخدماتها لأنها ما أنشئت إلا لتكون له وعليه أن يكون حارساً لها محافظاً عليها حتى يتحقق المزيد.
لاشك أن مجال الخدمات البلدية يأتي في مقدمة المجالات ذات الاتصال الوثيق بالمواطن الذي هو أساس التنمية وهدفها فالمسكن والطريق وسفلتته وتشجيره وانارته وشبكة المياه والصرف الصحي وصحة البيئة والحدائق والأسواق كل هذه المرافق التي يتعامل معها المواطنون كل لحظة تدخل في مجال البلديات ولا يقتصر هذا الأمر على المدن بل يمتد إلى القرى عموماً سواء أكانت تابعة لمجمعات قروية أو ذات علاقة بالبلديات، وهناك جهازاً بلدياً ما بين أمانة وبلدية ومجمع قروي تتابع الخدمات في شتى ربوع المملكة دانيها وقاصيها ولا تقف مسئولية وزارة الشؤون البلدية والقروية على مجرد توفير التجهيزات والخدمات الأساسية بل تمتد إلى الصيانة والتحسين وعلى سبيل المثال ليس تشجير الشوارع مجرد أشجار تغرس فحسب بل هناك متابعة من حيث ري هذه الأشجار وتقليمها واستبدال مايجف منها وهكذا الحال مع معظم المشروعات البلدية من حيث المتابعة والصيانة.
وجدير بالذكر أن مشروعات المرافق والخدمات البلدية مشروعات تتسم بالاستمرارية في مسيرة لن تركن للسكون فمنذ عشرين عاماً حينما بدأت خطة التنمية الخمسية الأولى كانت هناك مشروعات لاقامة الشوارع وانشاء شبكات المياه والمجاري وتصريف السيول وتم انشاء ست عشرة بلدية في عام واحد (1394ه - 1395ه) وبلغ ما اعتمد للانجازات البلدية خلال الخطة الخمسية الأولى أكثر من ثلاثة أمثال الاعتمادات التي اقترحتها تلك الخطة.
وفي الخطة الخمسية الثانية كان هناك هدفان رئيسيان لقطاع البلديات هما:
1- تطوير المدن والقرى وتحسين المرافق والسبل الأخرى فيها ليصبح مستواها الصحي أفضل والحياة أكثر راحة ومتعة.
2- تحسين فعالية المدن والقرى لتكون مواقع ملائمة للتجارة والصناعة والخدمات.
وقد نجحت الوزارة في تحقيق تقدم ملموس في تقديم وتحسين الخدمات البلدية في مدن وقرى المملكة وكانت نسبة تلك الانجازات عالية في كافة المشروعات.
التأكد من حصول السعوديين على المساكن بتكلفة معقولة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين في المدن والقرى عن طريق توفير التجهيزات الأساسية والخدمات البلدية والاسكان والاستمرار في تشجيع تنمية مساكن القطاع الخاص وتطوير الامكانات التجارية والصناعية والسكنية للمدن التي حددت كمراكز للتنمية الوطنية أو الاقليمية أو المحلية.
ولقد شهدت الخطة الخمسية الثالثة تدفقاً مطرداً للهجرة من القرى إلى المناطق الحضرية مما أدى إلى توجيه الاهتمام نسبياً إلى المناطق الحضرية مع الاهتمام بالمناطق الريفية.
وبخصوص الخطة الخمسية الرابعة فقد كان من أبرز أهدافها توفير المزيد من التوزيع المتكافئ للتجهيزات الأساسية والخدمات البلدية في كافة أنحاء المملكة والتخطيط والتنسيق مع الوزارات والجهات الحكومية الأخرى المعنية بالتنمية العمرانية على المستوى المحلي والاقليمي والاسراع في عملية تشكيل المجمعات القروية وتحسين معايير الأداء في كافة أوجه صناعة البناء.
ثم تأتي الخطة الخمسية الخامسة لتؤكد على استمرارية تحقيق التوزيع المتكافئ للتجهيزات الأساسية والخدمات البلدية ورفع الكفاية الاقتصادية للتجهيزات الأساسية والخدمات البلدية وحماية الموارد الطبيعية والمحافظة على الصحة العامة وهكذا تتلائم هذه الخطط الخمسية الخمس منذ ابتدأت مسيرتها من عشرين عاماً مضموناً واتجاهاً فالمضمون هو تسخير الامكانيات المادية لراحة المواطن ورفاهيته والاتجاه هو استمرارية العطاء لتحقيق الأفضل.
محمد بن صنيتان الحربي
رئيس بلدية تمير