Tuesday 29th February,2000 G No.10015الطبعة الاولى الثلاثاء 23 ,ذو القعدة 1420 العدد 10015



شدو
خصخصة (الخصخصة!)
د, فارس الغزي

يشيع في الآونة الأخيرة اتجاه سليم يتمثل في خصخصة بعض القطاعات الحكومية التي يناسبها هذا النهج, وكما هو معلوم هذا التوجه الصحي لم يتبلور ويحجز له مكانا في حيز التنفيذ إلا مواكبة لعصر جديد اتضح من قراءة واستقراء معطياته وحيثياته ضرورة لتخصيص مايمكن تخصيصه من قطاعات، أملا في رفع كفاءتها، وكسر روتينها، وبالتالي تحسين وسائلها الخدمية وزيادة انتاجيتها.
ومع ذلك فلابد من الاعتراف بأن الخصخصة وإن كانت ظاهرة مسبورة الابعاد والنتائج ومنذ أمد بعيد في المجتمعات المتقدمة فهي ظاهرة لاتزال في طور التبلور في المجتمعات النامية، الأمر الذي يفرض علينا القول أن وسائل إنجاح الخصخصة كمفهموم عام تتعدى حدود الاقتصاد لتشمل مجالات اخرى من أهمها الواقع الاجتماعي بقيمه وسلوكياته وآليات تنشئة افراده وطرق التفكير السائدة فيه, بصيغة أخرى إن نجاحها يعتمد اولا على النجاح في تعريفها تعريفا محليا: حيث ان التطبيق ( الأعمى والمجرد) لما لدى الغرب من تعاريف تطبيقية لمفهوم الخصخصة فيه من المثالب مافيه، وذلك مرده بالطبع إلى ان خصخصتهم تكاد ان تكون اقتصادية اولا واخيرا.
إنها لم تصغ الصياغة المناسبة لإنسانية (الانسان!) لديهم وذلك لأن معيار نجاحها يحدده فقط معيار الربح المادي المجرد من القيم والأخلاق، بغض النظر عن متطلبات الاستقرار والتماسك العائلي، والأمن الجسدي والنفسي، بل والحق الانساني في الحصول على اسياسيات العيش الكريم.
إن مفهموم الخصخصة لديهم ليس، في الحقيقة، سوى ترجمة حرفية لعقائد اقتصادية ذات جذور (بيولوجية) لاتعير عوامل اختلاف قدرات الناس الجسمية والنفسية أي اهتمام، وكما هو جلي مثلا في تعاريفهم اللاانسانية لمفهوم (المنافسة) والتي من ضمنها مبدأ البقاء للأقوى )The Survivail of the Fittest( إن تجريدهم لخصخصتهم من الكثير من المبادىء الانسانية والأخلاقية هو ماجعل من انسانهم مجرد وسيلة من وسائل عمليتي الانتاج والاستهلاك الرأسماليتين: وسيلة جعل منها الاستهلاك مادة واستنسخها الانتاج آلة فلا غرو إذن ان أصيبت كرامة انسانهم بمقتل، بل وقتلت انسانية الكثير منهم وهم أحياء (لايرزقون).
إن من نتائج خصخصتهم (القاسية) كذلك مايعرف علميا باغتراب الانسان Alienation: وهو اغتراب مرده طحن الماكنة الرأسمالية الضروس لجهد العامل ووقته وماله، مما أدى إلى تعاظم الهوة بين واقعه ومأموله: بين مأمول مايفرضه عليه مجتمعه من قيم ومثاليات وطموح، من جهة وواقع مايمارس فعلا من احتكار لوسائل النجاح من قبل فئات نخبوية ديدتها الاستغلال والتنظير من أجل مزيد من الاستغلال، من جهة أخرى، ناهيك عن ضياع حيلة هذا العامل امام الانتشار (المنظم) للجرائم المالية المرتكبة من قبل النافذين في مؤسساته الاقتصادية: وهي جرائم يطلق عليها علميا: (جرائم ذوي الياقات البيضاء White Collar Crimes() وتتميز بكون مرتكيبها لاتطالهم غالبا سطوة القانون رغم فداحة الجرم, في مثل تلك الظروف القاهرة، لا حيلة لهذا الموظف المسحوق سوى تجرع المزيد من الظلم، فقط ليزداد ضرا على ضر وهو يرى اطفاله وقد طالهم ماطاله مما جعل منهم (أطفال مزاليج )Latchkey Children: وهو لقب يطلق على أطفال العاملين المسحوقين في القطاعات الاقتصادية الذين وبسبب استغراق والديهم في اعمالهم واغترابهم النفسي بسببها اضطروا إلى الاعتماد على أنفسهم في تدبير شؤونهم الحياتية من ذهاب إلى المدرسة واياب منها وشؤون الأكل ولنظافة,,, مما جعلهم عرضة للانجراف إلى عالم الاجرام والانحراف.
إن طبيعة البناء الاجتماعي للمجتمع تحدد إن سلبا أم ايجابا مدى نجاح الخصخصة ولذا فمن الاهمية بمكان صياغة مفهموم الخصخصة صياغة تناسب مايتطلبه البناء الاجتماعي، في نفس الوقت الذي يتم فيه (تعديل) ذلك النظام الاجتماعي ليناسب متطلبات نجاح الخصخصة، حيث انه من المعلوم ان لكل مؤسسة اقتصادية ثقافة فرعية Subclture تستمد (بعض) قيمها ومقومات نجاحها أو فشلها من لدن ثقافة المجتمع السائدة Dominant Culture، مما يوجب علينا مراعاة توافق الثقافتيين وتعديلها بطرق تضمن نجاح مؤسساتنا المخصخصة في الوقت الذي تحافظ فيه تلك الصياغة على خصوصية ثقافتناالسائدة من قيم وعادات وتقاليد.
بالمناسبة، هل هناك من شك في سلبيات تطبيق نظام من أنظمة الرأسمالية الغربية وليكن نظام اليوم الكامل على مؤسسة سعودية بها من الافراد من له من الزوجات (كيت وكيت وكيت) ومن الأولاد والبنات (كيت وكيت وكيت!),,, هنا وبما ان الهدف الرئيس من الخصخصة هو تحسين معايير الأداء والانتاجية,, فهل لنا أن نتخيل نوعية وكمية انتاجية ذلك الموظف الممزق بين متطلبات عشرة من زغب حواصله، والحاح ثلاث (جارات),, وصراخ أضعاف مضاعفة من المراجعين، في آن واحد؟!,, الخصخصة الاقتصادية (والخصخصة الاجتماعية) وجهان لعملة واحدة، وعليه، فكلاهما شرطان أساسيان لنجاح كليهما!.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

مشاعر

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

ملحق المجمعة

القوى العاملة

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تغطيات

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved