مكاشفة الضرب في المدارس,, إلى أين ,,, ؟ أنس حسن زارع |
ان من التكرار الممل ان نعلن أن المؤسسات التربوية في المملكة من حكومية واستثمارية تمنع عقوبة الضرب أو الشتم منعا باتا، ناهيك عن العقاب البدني العنيف او التفوه بالألفاظ الجارحة,, ونحن هنا نتصدى لمسألة اعتداء المدرس او المدرسة على الطالب أو الطالبة، اما أن يحدث العكس فهذا أكثر خطورة على المجتمع,, ولسنا بصدده الآن رغم قناعتنا بأن أسبابه تعود أولا وأخيرا الى المدرسة او الجو التربوي,لقد نحت العملية التربوية الى مسار يختلف عما كان سائدا في العصور السابقة، وهو نتاج لما يعتري البيئة المحيطة من تغيرات اجتماعية,, إذ ان المدرسة وحدة ضمن منظومة المجتمع,, تتفاعل مع بقية وحداته سلباً وإيجاباً.
والبيت وحدة أخرى، وكذلك الشارع والإعلام، وسائر تلك الوحدات تحتل مكانتها في وعي الأفراد وتبث تأثيرها عليهم, والمجتمع الواحد جزيرة متميزة في خضم الكون الذي احالته العولمة الى قرية مترابطة، فغدا التفاعل بين مجتمعات العولمة حركة نابضة كموجات الأثير,, الذي اريد ان اصل إليه, ان العالم أخذ يرتقي سلم التحضر والتمدّن، برغم ما له وما عليه وما تمخضت عنه المدنية من ظواهر بشعة وكوارث مجنونة.
والتحضر يكسو أهله بأثواب من الرقي الأخلاقي والوقار الفكري وسعة الأفق ويقظة المشاعر الإنسانية، والمسلمون حتما أمة مؤهلة لتعتلي قمة الحضارة,, حيث بث المولى الجليل فيهم أعظم رسالة وأكمل ميثاق, فمن الطبيعي ان نهضم جرعات الحضارة بجانبيها المادي والروحي ونطوِّع العصر ليتلاءم مع حياتنا، ولا نكون كريشة في مهب رياح العولمة تتقاذفنا الأزمات والمواقف.
لقد نجحت الدولة ممثلة في أجهزتها في تطوير فكرها الإداري، وتقويم نظرة الفرد الى مجتمعه كأسرة كبيرة، والى اسهاماته الوطنية التي يكسب منها لقمة عيشة الى واجبات تنموية يمكن ان ترفع من شأن بلاده, وهذه الروح الإيجابية لا بد أن يتخلق بها كل من المعلم وطلابه لأنها تلي في أهميتها اليقين الديني واحتساب الأجر والمثوبة من الله عز وجل,, فنحن نرتجي لفلذات أكبادنا ان ينشأوا على المعتقدات النقية والخلق القويم، وندفع بهم الى المدارس,, ويحدونا الأمل ان يكمل المعلمون رسالتنا التربوية,, بل يعالجوا ما اخفقنا في تطبيع ابنائنا عليه، ويلقنوهم مبادىء العلوم والمهارات الفكرية, فهم إذن وديعتنا لدى المدارس، تستثمرها لنا اثنتي عشرة سنة,, فإما ربح او خسارة أو بين بين.
أي أن المدرسة بوتقة لصهر الأجيال,, تعيد تشكيلها وتقويمها، وتقذف بها الى معترك الحياة,, فمنها من يتجه الى سوق العمل مباشرة,, ومنها من يظفر بمقعد في الجامعة او احدى الكليات المتخصصة,, ومنها من تجتذبه المعاهد المهنية، ولكن,, ثمة من يتنكب الطريق قبل بلوغ منتهاه، ويتسرب من المدرسة مبكرا,, والسبب يا للغرابة موقف بطولي من معلم او معلمة مارسا فيه جميع فنون العنف واستعراض العضلات,, ليخرج التلميذ دون معاودة الدراسة، وقد يسعف الحظ الطفل,, فيسارع العقلاء من أسرته الى استدراك الأمر ومعالجته بحكمة تتفادى النتائج الوخيمة.
إن الأجيال هي ثروة الأمم، والعلم هو الوسيلة المثلى لاستثمار الثروات,, ولم تنهض أمة او تتقدم بدون اجيال متعلمة، والتربية والتعليم صنوان,, او هما وجهان لعملة واحدة,, لا يستقيم نظام التعليم بلا منهج تربوي سليم,, يغرس القيم ويصقل السلوك، ويكون المعلم المؤهل علميا وتربويا محوره وجوهره,, فيقدم لطلابه القدوة الحسنة والمثال الذي يُحتذى به، ويغدق عليهم من مشاعر الأبوة الفياضة ما يكفل لهم سلامة المنشأ,, ونقاء البيئة المدرسية,اتساءل,, كيف ننجح في صنع معلم سوي الطباع سليم الشخصية,, يدرك قداسة مهنته وينظر لها كرسالة دينية ووطنية,, قبل أن تكون مصدر رزقه؟ اذا لم تنفع جميع القرارات والأنظمة والإنذارات في نبذ عنف المعلمين والمعلمات,, فما هو الحل,, وأين العلاج؟لقد رأينا بعض الآباء بعد نفاد صبرهم يعالجون تلك الحوادث بطريقتهم الخاصة، وبنظرية الجزاء من جنس العمل, وذلك لعمري طامة كبرى ولكن,, الأكثر خطورة من تلك الحماقة,, تجرؤ الطلاب على معلميهم وتطاولهم عليهم بالضرب او ترصدهم لهم خارج المدرسة,إننا حينئذ ننسف القيم التربوية بأكملها، ونقضي على رسالة التعليم,, فنحيلها من أداة بناء وتنمية الى معول هدم وتدمير,فالله,, الله,, ايها المعلمون والمعلمات,, فينا وفي ابنائنا وبناتنا وفي أنفسكم, الله,, الله,, في مستقبل الأمة وثروتها وعتادها وما ائتمنّاكم عليه من الأجيال والبراعم, ويا أجهزة التعليم,, احسني عملية اختيار الكفاءات التربوية، واجيدي مهة إعداد المعلمين الأكفاء.
|
|
|