عرفت الأستاذ محمد بن عبدالله الوعيل منذ أكثر من عشرين عاماً، وقويت الصلة به حين كان يعمل في جريدة الجزيرة مثالاً للصحفي المحاول جهده ما استطاع ليقدم للقراء من خلال ما ينشر، ما يتوخَّى فيه الإمتاع والفائدة، وكان في مقابلاته لبعض من يتصل به من القراء يبدو في غاية اللطف، والبشاشة، وحسن الاستقبال مما أكسبه في نفوس عارفيه تقديراً واحتراماً ومنزلة رفيعة في نفوسهم.
وقد تولَّى رئاسة تحرير جريدة المسائية فترة من الزمن، تمكن خلالها من إبرازها بصورة الصحيفة الملائمة لاذواق كثير من قرائها، من حيث رشاقة الأسلوب، ومراعاة ما يتطلبه قارىء الصحيفة اليوم من الموضوعات الحيوية، التي تَلامِس شعوره، وتحرك إحساساته، دون إرهاق فكره بأمور خارجة عن محيط تفكيره، ومجال حياته العامة، التي هي الشغل الشاغل لحياة العصر، مع حسن إخراج الصحيفة بصورة تستهوي القارىء.
كل ذلك عن طول معاناة للمهنة الصحفية تقارب ثلاثين عاماً، وممارسة لما يتصل بها بجد، وإخلاص في العمل، واتجاه لبلوغ أسمى الغايات لما يجب أن تكون عليه صحافة هذه البلاد، لكي تسهم في إنماء ثقافة الأمة، ولتبرز الوجه المشرق لمسيرتها ولتصبح من أقوى الروافد الفكرية التي ترسم أوضح المناهج للحفاظ على عزتها وكرامتها، ولتجاري غيرها من الأمم الحيَّة، متدرعة بأقوى الوسائل العلمية من مخترعات هذا العصر، بمختلف شؤونها الحيوية، محافظة على التمسك بما لها من مُثُل عليا من تراثها.
ولا شك أن سلوك ذلك النهج ممن يمارس هذه المهنة المتعددة الأهداف المتنوعة الأغراض المعروفة بأمِّ المتاعب محاطٌ بكثير من الصعوبات، وخصوصا في بلاد تُعَدُّ الصحافة فيها بالنسبة لبلدان أخرى لا تزال في أول أطوارها، مع ما حظيت به من الدولة الكريمة من أنواع العون والمساعدة وحسن التوجيه، وهذا ما ألمح إليه الكاتب الكريم في مقدمة كتابه الذي بين يدي القراء بقوله: إن أمانة الكلمة، وتحري الصدق، ربما جعلت الكتابة من الصعوبة بمكان، وتزداد هذه الصعوبة أمام الكاتب أو تقل حسب الموضوع الذي يتناوله,, وعندي وقد يكون عند غيري أن كتابة التاريخ ليست بالأمر السهل الهين .
لقد اتجه الأستاذ الوعيل منذ تسعة عشر عاماً ، حين كان يعمل في جريدة الجزيرة بدافع من رغبة متأصلة في نفسه للاهتمام بجانب تاريخي، خلاف ما اعتاد المؤرخون تسجيله وهو إبراز ما للأموات به صلة فتصدى لجانب آخر، هو استنطاق الاحياء، ممن كانت لهم مواقف بارزة في حياة أمتهم، عما يكون في إبراز جوانب منه امتداداً لتلك المواقف، العميقة الأثر في تلك الحياة، ووجد من إخوته القائمين على رئاسة تحرير تلك الجزيرة، كالأستاذ خالد بن حمد المالك ومن بعده، صدوراً رحبة لتقبل ما تَستمِدُّ به الجريدة، مما يساير نهجها، فخصص له يوم الجمعة من الأسبوع ، أصبح مزداناً بأحاديث متشعبة، وصور قد تضفي على الجريدة طرافة وجدَّة ، تحت عنوان ضيف الأسبوع .
لقد كان يجد في البحث والتتبع والسعي بمختلف الوسائل ، للاتصال بمن يختارهم ضيوفاً، ممن لهم إسهامات بارزة في أي جانب من جوانب الحياة من سياسيين ومفكرين واقتصاديين من سعوديين وغيرهم ، وما كان بالأمر السهل اليسير الالتقاء بكل من رغب في أن يلتقي معه ممن يتوخى فيه تحقيقاً لهدفه الذي يسعى إليه، ولكن كانت لديه رغبة ملحة وعزيمة صادقة يستسهل معهما ما يعترض طريقه من صعاب حتى تمكن في خلال أربعة عشر عاماً من أن يجري اللقاءات مع أكثر من 1600 شخصية سعودية وعربية وعالمية ممن اختارهم وكان للفتيات في هذا المقابلات نصيب كبير.
وقد وجد في أول لقاء أجراه مع الأستاذ الدكتور غازي القصيبي في 26 شهر المحرم سنة إحدى وأربع مائة وألف، وجد في لقائه بهذا الأستاذ الجليل من حسن الاستقبال، والترحيب بالفكرة ما قوَّى أمله، فواصل المسيرة خلال تلك الفترة الطويلة، واستطاع من خلال تلك اللقاءات تسجيل الكثير من سير أولئك حسب ما أفضوا به من أحاديث سجلها بدقة وأمانة، كما يتضح من لقاءاته.
وكان من أثر ذلك أن صدر كتابه الأول يحمل عنوان شهود هذا العصر ويحوي مقابلة عشرة رجال، في مختلف الأعمال والاتجاهات والميول، ففيهم العالم الجليل، والأديب البارز، والشاعر المعروف ، والرياضي والتاجر ، ومن يتولى منصب القيادة.
وقد رتب هؤلاء بطريقة اختارها لاتتفق مع الأزمنة التي قابلهم فيها، وهاهي أسماؤهم كما وردت في هذا الكتاب:
1 الأمير خالد الفيصل في 27/11/1401 ه.
2 الأمير عبدالرحمن بن سعود في 4/2/1406ه .
3 الدكتور غازي القصيبي في 26/1/1401 ه .
4 الشيخ عبدالعزيز بن باز في 24/3/1401 ه.
5 حمد الجاسر في 3/3/1401 ه.
6 ملك وملكة السويد في 9/4/1401 ه.
7 ياسر عرفات في 18/5/1405 ه.
8 عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري في 17/3/1401 ه.
9 رجل الأعمال محمد الجميح في 17/1/1402 ه.
10 الشيخ سالم بامحفوظ في 17/5/1401 ه.
والحديث مع هؤلاء يتفاوت طولاً وقِصَراً، ولكن المؤلف كما أوضح في مقدمة الكتاب توخَّى ان تضم الأحاديث عن كل واحد سيرته الذاتية، والتي يحكيها بكل صراحة ووضوح.
لم يفت المؤلف الكريم أن يبدي اعتزازه الأكبر لقيادة هذا الوطن، والتي منحته قدراً كبيراً من الثقة والتشجيع، وخص بالذكر سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ودعمه لذلك العمل، وتمنى ان يجد القارىء بين دفة هذا الكتاب ما يرضيه، فقد حاول ذلك متحرياً الصدق.
ولعل من المناسب الإشارة إلى نهج المؤلف بتسجيل المقابلات ، فقد يفتتحها بتقديم يوضح فيه مكانة من سيتحدث عنه كأن يقول عن سمو الأمير خالد الفيصل: إنه فيصل لكنه أضاف إلى هذا الشرف جوانب كثيرة تستحق الدراسة والتمعن، إنه شاعر ورسام ورياضي، وفوق هذا رجل دولة من الطراز الأول، يجمع بين حنكة الإداري الناجح، والإنسان، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واسترسل في هذا، ثم نقل عن سمو الأمير فيما نقل من أفكاره الكثيرة أنه قال عن والدته: لها دور كبير في حياته، ثم عرض بعد أحاديث سموه عدداً من الصور لمواقف مختلفة.
وعن مقابلة الدكتور غازي القصيبي الذي وصف الحوار معه بأنه أشبه بالحوار مع مجموعة عديدة متنافرة من الطيور، لكنها تلتقي عند نقطة واحدة هي التغريد والحياة بجناحين,إنه فنان وشاعر وإنسان، أما الجزء الباقي من شخصيته، فهو الذي ينبغي أن يتحدث عنه بهذه الانطلاقة كأن يقول: بربكم,, هل رأيتم بحياتكم طفلاً أسطورياً ؟! إذا لم تعثروا عليه فإنه هنا في هذه القامة المديدة التي يشكل غازي القصيبي خارطتها ويقول : أنا أمثل وأجسد وحدة الجزيرة العربية,, فوالدتي من الحجاز ووالدي من نجد، وولدت في الاحساء وقضيت فترة الطفولة والصبا الأولى في البحرين .
وذكر أن اللقاء معه استغرق يومين متتاليين عن غازي الوزير, وغازي الأب، وغازي الشاعر، والقصيبي الثري ، وذكر أنه ولد في الأحساء سنة 1359 ه، ثم سرد مسيرة حياته حتى أصبح وزيراً وسفيراً.
ومما قال عن سماحة الشيخ عبدالعزبز بن باز رحمه الله : إن سرد شخصيته نابع من بساطته ومن مرونته، ولعله من القلائل الذين يحظون بثقة ولي الأمر، كما يحظى بثقة رجل الشارع.
ومما نقل عنه رحمه الله : كان مولدي في شهر ذي القعدة من عام 1330 ه، وطلبت العلم قبل البلوغ، ولا أعرف حقيقة أصل كلمة الباز وبعد أن يسرد الحديث عن مشايخه حتى أسندت إليه بعض الأعمال يقول: إن للشيخ عبدالعزيز فلسفة خاصة في مسألة الزواج حسب الشريعة الإسلامية، وتحدث عن زوجاته، وذكر أنه في شبابه مع أخيه محمد يشتغلان في البيع والشراء ويتجولان في الحراج من أجل بيع بضاعتهم، ويضيف إلى مقابلة الشيخ حديث ابنه أحمد ويتعلق ببرنامج والده اليومي، كما ينقل عن بعض العلماء ما يضيفه إلى ذلك اللقاء مما يفصل جوانب من حياة الشيخ، ولا يورد في هذه المقابلة شيئاً من الصور.
أما مقابلة الأستاذ للملك والملكة في السويد، فيوضح جانباً من جوانب اهتمامه بألاتكون فكرته محصورة في دائرة ضيقة، بل تتسع بأقصى ما يستطيع، لأن التقارب بين دول العالم، وخصوصا بعد مخترعات العصر الحديثة من وسائل الاتصالات، أوشك أن يكون عالماً واحداً، فما الذي يمنع من أن تعرف مالدى الآخرين من وسائل الحياة التي مكنتهم من أن يحوزوا قصب السبق في جميع المجالات الحيوية.
لقد ذهب إلى بلاد السويد وتمت المقابلة بعد أن اتفق مع الأستاذ رئيس التحرير على هذا، وتمكن من مقابلة الملك مع عدد من الصحفيات السويديات، ومعه مدير الإعلام في وزارة الخارجية وتم الحوار بينه وبين الملك والملكة، الذي قال له مرافقه: هل فكرت جريدتكم في هذا المشروع الصحفي قبل مجيئك ، أم أن الفكرة ولدت هنا؟, فقال له: إن الفكرة ولدت في الرياض وتبلورت، وقال المرافق: الفكرة جيدة، وهي مما يطرب السويديين كثيراً فهم شعب يحب السلام ويفتح ذراعيه لجميع الشعوب المحبة له، ثم سرد ماجرى بينه وبين الملك والملكة من أحاديث طريفة، ألحق بها صوراً جميلة.
وأما مقابلته للرئيس عرفات التي لم تتم إلا بعد ثلاث مرات في خلال ثلاث سنوات، فإن مادار بينهما يكاد ينحصر عن فلسطين مضيفاً إليها صور مقابلات له مع الملك فيصل والملك خالد وخادم الحرمين الملك فهد وغيرهم.
ويجد المؤلف بالشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري روحاً طيبة، فيسترسل معه في الحديث، ويصفه بأنه ابن البادية الوزير الفلاح المثقف، وكان مما قال له: القراءة هوايتي، ولا أذكر أنه مرَّ بي يوم دون أن أقرأ في جميع المجالات، أقرأ للكاتب الأجنبي والعربي والمحلي على اختلاف مدارسهم، إنني لم أتجاوز الصف الخامس الابتدائي في دراستي وأقول باعتزاز: مدرستي هي الكتاب والحياة.
البادية اسم يطرب له التويجري، ويتلذذ بالحديث عنها، وعن أبنائها فهي عنده قبائل ذات خلق وخصائص وتقاليد يحترمها الإنسان، ويفخر بها، قال: وآمل عدم اختفائها، لكن الحضارة المعاصرة تناقضها وشدة سلبياتها تجعلنا دائماً نتطلع إلى عراقة البادية وأصالتها.
ويضيف المؤلف: المرأة في حياة هذا الرجل تعني الشيء الكثير، إنه يقول: مررت بتجربة تعدد الزوجات، وما بين سن السابعة عشرة إلى الثلاثين من عمري تزوجت أربع عشرة مرة، ولكن بعد سن الثلاثين بدأت موازين العدل تقوم في نفسي، وبدأت قيمة المرأة تتضح لي ففكرت ورجعت وصححت كثيراً من أخطائي.
أحاديث متشعبة عن المرأة وعن الحب وعن الصراحة وعن الأسفار وعن الرياضة، وعن رأيه في الصحف السعودية، وعن محبته للبساطة واقتنائه للكتب، وأنه رجل محافظ إلى درجة كبيرة، ويلحق بالمقابلة صور طريفة للضيف مع آخرين.
ويأتي الحديث عن التجارة ممثلاً في رجل الأعمال محمد الجميح، وعن مبدأ اشتغاله بالتجارة وراثة عن أجداده، وآبائه، ويصف حسن معاملته للعاملين معه، وعن نجاح نشاطه التجاري، وحين يسأله: عن ماذا تعلَّم من الحياة؟ يجيب : أن أكون صادقاً أميناً في عملي، وأن أعامل الناس بصدق وأمانة، فالدين المعاملة.
وحين يعرج على الشعر والأدب يذكر الشيخ الجميح بأن له مع الشيخ محمد البواردي حديثا ودياً، ويذكر قصة لطيفة له، ويثني على الشاعر محمد بن عثيمين، وحينما سأله: أي الأعمال أقرب إلى قلبك؟ أجاب: أعمال الخير وصلة الأقارب والأرحام، وتنتهي المقابلة الطويلة بصورها.
ثم يأتي الحديث عن تاجر آخر هو الشيخ سالم بن محفوظ الذي قال: بأنه لا يستطيع إحصاء ثروته ولكن بدايتها مديناً ب 160 ريالاً، وأنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ولكنه يجيد لغة الأرقام بمهارة، ويصفه المؤلف بأن بسيط جدا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وأنه يعد من أكبر أثرياء العالم، وتشعب الحديث لنواح أخرى.
أما ما يتعلق بي حين قابلني الأستاذ الوعيل فقد رأى فيَّ تاريخاً يتحدث وتراثا يسكن جوانحي، ويرى أنني صادقت أحجار هذه الأرض وأشجارها سهولها ووديانها، ويسترسل في الحديث عن طفولتي ولا يفوته ان يسجل في أوله قول : إن الملك عبدالعزيز أنقذني من الجهل، والملك خالد أنقذني من المرض، وأن الفضل الأول للملك سعود رحمه الله في إدخال الصحافة للمنطقة الوسطى وروى أنني قلت: بكيت لا حتراق بمكتبتي في بيروت، أكثر من بكائي على ابني محمد الذي احترق في الطائرة ، وأن اسم هيلة أقرب أسماء النساء إلى قلبي، وتوسع ما أراد له التوسع فيما روى عني، مضيفاً إليه بعض الصور.
ولعل عرض هذه المقتطفات أوضحت للقارئ الكريم جوانب قد تشوقه لقراءة الكتاب، دون الاكتفاء بما يعرض له عن وصفه، فهو والحق يقال كتاب ممتع، ولو كان لي من رأي أقدمه للمؤلف الكريم لتمنيت عليه أن يختار من ذلك العدد الضخم ممن قابلهم من هم جديرون بالاهتمام، وأن يقسم اجزاء الكتاب بحسب من قابله من الفئات، كأن يخصص القادة والأمراء والسياسيين، وكذا رجال الفكر والأدب والشعر، ورجال المال والاقتصاد.
أما من لا يدخل في سياق إحدى هذه الفئات فلا أرى ما يدعو لإبرازه، إذ سبق أن نشر لبعض الإخوة ممن اختارهم الأستاذ ليكونوا ضيوفاً بعض آراء وأحاديث لا تنطبق على الواقع، وأذكر أن أحدهم تكلم عن تعييني في الرياض معتمداً للمعارف كلاماً لا يتفق مع الحقيقة.
ولا أدري أيسوغ لي الاستيضاح لم اختار المؤلف الكريم لإخراج هذا الجزء أن يبرز بهذه الصورة حيث قياس الكتاب 21X 30 سم ؟ وكان من الملائم أن يكون بالقطع العادي الذي هو 17X 24سم .
وملاحظة أخرى: هي أن بعض من يجتمع بهم ويحادثهم قد يكون له من ملابسات الحال ما قد يوقعه في بعض الأخطاء، ولهذا كان من الملائم قبل نشر ما يتعلق به عرضه عليه لكي يتدارك إن كان ثمَّة من خطأ.
هي ملاحظات لا تقلل من قيمة هذا المؤلف الطريف في موضوعه، الذي يعد ولا شك من المصادر التي يحسن الرجوع إليها لمن يعنى بالنواحي التاريخية.
ولا يفوتني ان أقدم للمؤلف الكريم تقديري وشكري لإتحافي بنسخة منه.
والله يتولى الجميع بتوفيقه ورعايته
الحواشي:
1 : لإيضاح هذا يحسن الرجوع إلى ماعلقت به على هذه المقابلة في الجريدة نفسها في العدد 3074 منها أو الذي بعده، وقد أعدت نشره في مجلة العرب س16 ص 56 وما بعدها.
حمد الجاسر