تعتبر الجوائز التقديرية تكريما وتقديرا من المجتمع لمن خدموه وقدموا اليه الكثير من جهودهم ووقتهم دون ان يتوقعوا مقابلا، فلا اقل من ان نشيد بجهودهم ان جائزة صاحب السمو الملكي الامير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود لخدمة اعمال البر هي تعبير عن تقدير المسؤولين والدولة والمجتمع لكل من قدم من جهده ووقته وماله الى عمل الخير وعلى الرغم من ان من يشارك في اعمال الخير لا يتوقع مقابلا سوى مرضاة الله وحده سبحانه وتعالى.
ان اختيار رائدة من رواد العمل الخيري في المملكة وهي صاحبة السمو الملكي الاميرة سارة بنت فيصل بن عبدالعزيز آل سعود للحصول على جائزة الامير محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود لهو حقا اختيار موفق فالجميع يشهد للاميرة سارة الفيصل بجهودها المتميزة والرائدة في العمل الخيري.
وعند الحديث عن الاميرة سارة الفيصل فان الحديث يمكن ان يستمر طويلا عن شخصيتها الهادئة وابتسامتها التي تعكس شفافية روحها وطيبة قلبها وتواضعها, ولا يكتمل الحديث عن الاميرة سارة الا بذكر اعمالها وانشطتها الخيرية وهي جانب آخر من شخصيتها التي تتميز برغبة اكيدة في مواصلة مشوار العطاء.
وجمعية النهضة النسائية الخيرية تجسد جهود الاميرة سارة الفيصل ومن رافقها في مشوار العطاء فالجمعية التي تأسست عام 1382ه الموافق 1962م تعتبر اول جمعية خيرية نسائية في المملكة العربية السعودية أسستها المرأة من اجل المرأة والاميرة سارة الفيصل منذ تأسيس الجمعية حتى الان وهي تعمل جاهدة على تطوير خدماتها والمعروف عنها انها دائما تتابع اعمال الجمعية ومشاريعها حتى في اجازاتها واثناء سفرها داخل المملكة او خارجها فهي دائما على اتصال بالجمعية لكي تتابع كل التفاصيل الدقيقة بنفسها انه مشوار مستمر من العطاء بدأ منذ اربعين عاما ولم تنقطع فيه عن هذا العمل ولم تتركه لغيرها او تبتعد عنه طوال هذا السنوات.
ولن اتحدث عن جمعية النهضة بلغة الارقام والميزانيات والانجازات الرقمية وان كانت الجمعية متميزة في انجازاتها بلغة الارقام ولكن ما يهمني كمتخصصة في علم الاجتماع هو جودة البرامج التي تقدمها الجمعية والحاجة الماسة لها,, فالفكر المتجدد للاميرة سارة الفيصل وتبنيها لمشاريع رائدة وفريدة هو اهم ما يميز جهودها في جمعية النهضة.
فالجمعية هي اول من تبنت مشروع رعاية اطفال متلازمة داون فهذه الفئة من الاطفال تستحق الرعاية لما لهم من احتياجات خاصة ومن يزور هذا المركز يرى شهادة تقدير للاميرة سارة في عيون كل طفل من اطفال المركز وتلمس التقدير ايضا في عيون كل طفل رعته الجمعية وقدمت له رعاية متخصصة على مستوى عالمي من اطفال الحضانة الايوائية والاطفال المعاقين ان مشاهدة هذه المشاريع والرعاية التي تقدم لهؤلاء الاطفال تعتبر اكبر وسام تقدير لاميرة العمل الخيري.
ان النمط التقليدي المعروف للعمل الخيري هو توزيع الصدقات والمعونات المادية والعينية على الاسرة الفقيرة والمحتاجة ولكن جهود الجمعية ذهبت الى ابعد من ذلك الى تطوير قدرات هذه الاسر وتوعيتها وتدريب وتأهيل افرادها والمساعدة في تشغيلهم حتى تخرج الاسرة من دائرة الفقر بدلا من خلق اعتمادية لا تنتهي تغرقهم في الفقر أكثر واكثر,, وبالاضافة الى هذه البرامج فان الجمعية تساعد الاسر في دفع ايجارات المساكن وتقدم لهم المساعدات العينية والمادية بعد دراسة اوضاعهم الاجتماعية والتأكد من استحقاقهم لهذه المساعدات والمتتبع لبرامج الجمعية يلاحظ انها تطبق احدث ما توصل إليه العلم في أي مجال جديد تدخله فالمعروف عن الاميرة سارة انها دائما تبحث عن المتخصصين وتهتم بدراسة اي مشروع جديد فيخرج المشروع على مستوى علمي سليم.
وتعتبر جهود الجمعية متميزة ورائدة في خدمة المرأة وتحسين صورتها عالميا ومثال على ذلك دعوة الجمعية لزوجات اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي لزيارة المملكة وقد قامت الجمعية بترتيب هذه الزيارة وتنظيمها فكانت تجربة ناجحة لمسناها جميعا في اعجاب السيدات الامريكيات الزائرات اللاتي اكدن ان ما شاهدنه ولمسنه يختلف تماما عما تخيلنه عن المرأة السعودية وكانت الاميرة سارة طوال الوقت هي صاحبة الدار والمضيفة التي تحرص على راحة ضيوفها وكانت متواجدة في كل مناسبات الزيارة التي اقيمت في ذلك الوقت.
وجهود الجمعية لا تقتصر فقط على تقديم خدمات للاسر الفقيرة بل شملت فئات اخرى من المجتمع وذلك بفتح دورات للغة العربية والفرنسية والانجليزية ودورات تعليم الخياطة والاشغال اليدوية وفصول محو الامية ودورات للطباعة على طريقة برايل وقد جمعت اخيرا كل هذه الدورات في مركز للتعليم المتواصل.
ولم تقتصر جهود الجمعية على التعليم والتأهيل فقط بل امتدت الى تشغيل الفتيات ومن ابرز هذه الجهود هو تشغيل الفتيات المعاقات والذي ينعكس نجاحه في جودة انتاجهن من الاشغال اليدوية والتطريز واعمال السيراميك والرسم على الزجاج وقد اشترت مؤخرا بعض سفاراتنا في الخارج بعضا من انتاج هذا المركز.
كما شملت برامج التشغيل برنامج تشغيل الفتيات في صناعة الذهب اليدوية وهو اول ورشة نسائية تهدف في المقام الاول الى تشغيل المرأة في اعمال يدوية في بيئة اسلامية محافظة تحت اشراف الجمعية ورعايتها.
ومن ابرز واهم انجازات الجمعية افتتاحها لمصنع ملابس نسائي وهو اول مصنع سعودي نسائي مائة بالمائة فالادارة والموظفات والعاملات كلهن نساء وهي تجربة رائدة في فتح مجالات جديدة لعمل المرأة.
ان كل هذه البرامج هي نتيجة تشجيع الاميرة سارة لكل عضوات الجمعية فالمعروف عنها انها تعطي فرصة للعضوات لتطبيق افكارهن ولكنها تهتم وتصر على دراسة اي مشروع والتأكد من الحاجة له وتقف الاميرة سارة لتأييد ودعم اي مشروع خيري جاد.
وقد لمسنا جميعا الصورة المشرفة والمبدعة للمعارض التي تقيمها الجمعية والتي تركز علىاحياء التراث الشعبي في صورة متجددة يظهر فيها الذوق النسائي بوضوح ان جمال العرض والتنظيم يجعل النساء يتسابقن الى شراء ما يعرض في هذه المعارض,, وتخدم هذه المعارض هدفا آخر وهو تنشيط الحياة الاجتماعية للنساء واعطاء فرصة للقاء بين النساء من كل فئات المجتمع ولم احضر ايا من هذه المعارض الا واجد الاميرة سارة متواجدة طوال الوقت تحيي وترحب بضيوف الجمعية بابتسامتها المعتادة واهتمامها بكل من يتقدم للحديث معها وكأنها عضوة من عضوات الجمعية.
ومازالت في مخيلتي صورة المعرض الذي اقامته الجمعية بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة وقد اثار اعجابي الحلي التذكارية التي عرضتها الجمعية للبيع في المعرض وعلمت ان هذه الحلي كانت نتيجة لجهود الاميرة سارة والاميرة موضي بنت خالد في اختيار تصميم عربي والبحث عن فنان يجيد صنعها في نيويورك فكانت متميزة ككل شيء آخر وحتى هذه الاشياء الصغيرة تأخذ جهدا ووقتا قامت به الاميرتان اثناء اجازتهما خارج المملكة.
وقد علمت ايضا ان الاميرة سارة تنتهز فرصة سفرها خارج المملكة لشراء بضائع ومنتجات متميزة بسعر الجملة من حسابها الخاص لعرضها وبيعها في معارض الجمعية لصالح الجمعية وهو سر تميز معارض الجمعية وارتفاع ذوقها.
واخيرا وليس آخراً اختم حديثي بعلمي ان الاميرة سارة ترفض المقابلات الصحفيةاو الحديث عن نفسها وكل ما اكتبه عنها انما هي انطباعاتي عما لمسته وشاهدته من جوانب هذه الشخصية المتميزة.
واود ان اؤكد للأميرة سارة ان حديثنا عنها وعن جهودها انما هو تعبير عن فخرنا بابنة من بنات هذا الوطن الغالي وسيدة من سيداته المميزات ان معرفة الناس بجهود الاميرة سارة تهدف في المقام الاول الى ابراز الجوانب المتميزة لتكون قدوة لكل سيدة تعمل في القطاع العام او الخاص فالعمل يمكن ان يكون مهمة ينجزها الشخص بأقل جهد ممكن ويمكن ان يكون مهمة يتقنها ويبرع فيها,, والاميرة سارة الفيصل رعاها الله اخذت العمل الخيري كمهنة وبرعت فيها حتى اصبح العمل الخيري بالنسبة لها طريقة واسلوبا في الحياة وهي في نظري مدرسة للعمل الخيري تستحق ارقى الاوسمة.
* أستاذ مساعد قسم الدراسات
الاجتماعية جامعة الملك سعود