حينما يزور ساسة الدول الغربية فلسطين المحتلة، كل شيء يمكن ان يحصل، تصريحات مؤيدة للعدوان وللاحتلال بل وحتى الاساءة للعرب والفلسطينيين بالذات، فالساسة الغربيون يتحولون الى تُبع حينما يكونون في تل ابيب، واذا كانوا في عواصم بلدانهم لا يجرؤون على كشف تجاوزات اسرائيل، فانهم في عاصمتها يوفرون المبرر لتلك التجاوزات وما فعله رئيس وزراء فرنسا ليونيل جوسبان لا يخرج عن هذا السلوك الغربي واذا كانت هناك بعض الاختلافات من بعض الساسة الغربيين فذلك ناتج اولا لتميز تلكم السياسة، وثانيا لما يواجهون من وقاحة من قِبل الاسرائيليين مما يستوجب على اي سياسي يحترم نفسه ان يكون رد فعله موازيا لما يرتكبه الاسرائيليون من تجاوزات ضده هو شخصيا ولذلك فإن الرئيس شيراك الذي تعامل معه جنود الاحتلال بوقاحة عند زيارته للقدس المحتلة وارادوا منعه من الالتقاء بالفلسطينيين في الشهر الثالث من عام 1998 ثار بوجه اولئكم الجنود وهدد بقطع زيارته.
موقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي حظي باعجاب الفرنسيين الذين وجدوا فيه موقفا يعبر عن الكرامة الفرنسية وبتقدير الدول العربية التي اعتبرته ردعا لاعمال الاسرائيليين اللااخلاقية، هذا الموقف يتناقض كليا مع موقف رئيس وزرائه ليونيل جوسبان الذي ارتكب ما يمكن تسميتها بحماقة سياسية حينما اعتبر المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والبقاع الغربي ارهابا يقوم به حزب الله، وان سوريا تتحمل مسؤولية تجميد المفاوضات مع اسرائيل.
هذا القول لم يثر استياء العالم العربي جميعا فحسب بل اثار الاستياء والاستهجان حتى في الاوساط الفرنسية,, بل وفي الاوساط التي يمثلها جوسبان الاشتراكيين والشيوعيين الذين عدوا تصريحاته انتقاصا واهانة للمقاومة الوطنية,, اية مقاومة للاحتلال الاجنبي، وان جوسبان يهين كل المقاومين استرضاءً للاسرائيليين في محاولة رخيصة لكسب بضع اصوات يهودية في فرنسا، او لاستمالة مؤسسات وشخصيات يهودية فرنسية ترهن ارادتها السياسية وتوظفها لمصلحة اسرائيل.
ويرى الساسة في فرنسا سواء المحسوبون على حزب جوسبان الحزب الاشتراكي وحلفائه الشيوعيين والخضر، اضافة إلى الاحزاب المؤيدة للرئيس جاك شيراك الديغوليين والاتحاد الديمقراطي، ان جوسبان ارتكب خطأً كبيرا عندما اخترق صلاحيات رئيس الجمهورية، فالتعبير والإعلان عن المواقف السياسية عن سياسة فرنسا الخارجية وحسب تقاسم السلطة القائمة في فرنسا منذ الدخول في تجربة التعايش التي خاضها الرئيسان ميتران وشيراك والتي يطبقها شيراك وجوسبان الآن، هي من اختصاصات الرئيس وان اتخاذ جوسبان موقفا سياسيا يتعارض مع سياسة فرنسا الخارجية التي تنتهجها فرنسا وبالذات في موضوع الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان والبقاع الغربي، والتي املتها خصوصية العلاقة بين فرنسا ولبنان بالاضافة الى محاولة فرنسا تميز سياستها في الشرق الاوسط عن السياسة الامريكية.
هدا التعارض الصارخ يعطي انطباعا خارج فرنسا بوجود حالة من عدم الاستقرار السياسي الذي يسبق الانتخابات البرلمانية او الرئاسية في بعض الدول، وان تصرف رئيس الحكومة الفرنسية في اسرائيل متناقضا مع موقف رئيس الدولة يظهر بأن فرنسا لا توجد لديها سياسة خارجية موحدة تجاه القضايا الدولية وبالذات قضايا الشرق الاوسط، وهذا ما ينسف عقودا طويلة من العمل الفرنسي الدؤوب لترسيخ سياسة فرنسية متميزة في الشرق الاوسط.
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser * Al-jazirah.com