كان موضوع الأسبوع الماضي عن الثقة وكونها أحد العناصر اللازم توافرها لتسهيل العديد من المبادلات ولخفض التكاليف ولزيادة الانتاجية,, وليس هذا فحسب بل انها أصبحت تحل محل العقد الصريح في حالة عدم وجوده ومساندة له عند وجوده, وربما قامت مقام الضمان في حالات أخرى، فهناك من يستطيع الحصول على قرض أو على تسهيلات معينة بضمان ثقة الآخرين في قدرته والتزامه بالوفاء بما عليه, وإذا كانت الثقة بين أطراف التعامل أو التعاقد على قدر كبير من الأهمية وآثار الالتزام بها أو عكسه لا تقتصر عليهم بل تتعدى إلى الآخرين فإن الاهتمام بها ومنع الاستغلال السيىء لها أمر ينبغي ألا يغفل عنه.
واحترام الثقة ومنع سوء استغلالها يتأتى عن طريق العديد من الأمور منها سن الأنظمة والتشريعات التي تضمن ذلك وتعاقب من يسيىء استخدام الثقة سواء كان فرداً أو مؤسسة فمثلاً يفترض أن توجد الأنظمة الواضحة التي بموجبها يستطيع مالك العقار ملاحقة المستأجر الذي يسيىء إلى ثقة صاحب العقار في التزامه بسداد الايجار في الموعد المحدد وفي استخدامه للعقار فيما اتفق عليه قضائياً ومطالبته ليس بالايجار المتأخر أو بالتعويض عن اساءة استخدام العقار فقط بل ومطالبته بتعويض مناسب عن جميع الأضرار التي لحقت به,, والأفراد يثقون في أن قراءة شركة الكهرباء أو شركة الاتصالات أو مصلحة المياه للكميات التي يستهلكونها من خدمات هذه الشركات دقيقة وصحيحة,, ولذا فإن التهاون أو اللامبالاة في مثل هذه الحالات المؤديين إلى تحميل المستهلكين بمبالغ اضافية أو إلى نقل الكميات المستهلكة من فترة إلى أخرى وبالتالي الاخلال ببنود العقد الصريح ضرب من ضروب اساءة استغلال الثقة الذي يترتب عليه الحاق الضرر بالمستهلكين,, ولمنع هذا يفترض أن يكون هناك قدر كاف من الأنظمة التي تحمي هذه الثقة والتي تعطي للمستهلك الحق بالمطالبة بالغاء المبالغ غير المستحقة وتوقيع العقوبة على من لم يحترم هذه الثقة وكذا المطالبة بتعويض مناسب.
إلى جانب الأنظمة الحامية للثقة لابد من وجود بنوك للمعلومات تعمل على توفير معلومات مفصلة عن المؤسسات والمحلات وعن طريقة تعاملها مع العملاء والزبائن وأيضاً تقوم هذه البنوك بتوفير معلومات عن المستأجرين والمشترين بالتقسيط والمقترضين وغيرهم ومدى كفاءتهم والتزامهم بالوفاء بما يجب عليهم, ويكون من حق المستفيدين من خدمات هذه البنوك الحصول على المعلومات اللازمة وفق ضوابط وشروط معينة, فالمقترض أو من يشتري بالتقسيط إذا عرف أن مدى استفادته من هذه الخدمات لاحقاً مبني على أدائه الآن فإنه سيكون أكثر التزاماً وانضباطاً وفي نفس الوقت لن يتضرر الحريصون على الوفاء بالتزاماتهم نتيجة لاستخدام الآخرين السيىء للثقة وستكون الافضلية لهم في الحصول على هذه الخدمات.
ولا شك أن توافر مثل هذه البنوك بالاضافة إلى الأنظمة سيخفف كثيراً من الشروط الجائرة التي تشتمل عليها عقود الإقراض أو الشراء بالتقسيط أو الايجار وستعمل على حماية حقوق الأطراف المتعاقدة وعلى خفض تكلفة هذه الخدمات وتوفيرها بشروط أكثر سهولة ويسر لمن لديهم سجل نظيف خال من المخالفات ويتحمل المسيئون وحدهم تبعات تصرفاتهم.
وأتصور أن طرق أجراء واتمام المعاملات والمبادلات المعاصرة وأهمية عامل الزمن وسرعة اتخاذ القرارات أمور تحتم اعطاء الأولوية لقضية الثقة ولبناء دعائمها ليتمكن الاقتصاد المحلي من الاستفادة من المستجدات ومواكبتها.
* قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود