القطاع الخاص وحده لا يكفي لتحقيق التنمية د, حسن عيسى الملا |
يخلط البعض بقصد أو بدون قصد بين الرغبة المشروعة في توسيع نطاق عمل القطاع الخاص وزيادة فعاليته، وبين الاعتقاد بأن القطاع الخاص المتطور كفيل بتحقيق التنمية الشاملة بمعزل عن القطاع العام، وما على القطاع العام إلا ان يتنازل له عن كامل ممتلكاته ويطلق يده في ادارة الاقتصاد.
وأرى انه مهما نما وتطور القطاع الخاص فلن يستطيع الاستمرار في النمو بمعزل عن دعم القطاع العام، بل إن نموه الحالي قام على اكتاف القطاع العام، وهو ما تؤيده الشواهد التاريخية، فغالبية الدول المتقدمة اليوم، لم تبلغ ما بلغته في التجارة والصناعة والخدمات، إلا من خلال سياسات تتبعها تلك الدول في فترة لم يكن للقطاع الخاص فيها وجود، فأوجدت الصناعات الصغيرة وشجعت الصادرات وأعدت عن طريق التعليم الكوادر البشرية التي تحتاجها مختلف النشاطات الاقتصادية، فكان ان نشأ القطاع الخاص وتربى في كنف القطاع العام ورعايته المتنوعة والشاملة.
وعلينا في هذا السياق ان نتذكر دائما تجربة المملكة العربية السعودية، فالقطاع العام هو الذي أسس ورعى الصناعات البترولية وطورها، ثم انشأ وأسس الصناعات البتروكيماوية في وقت لم يكن للقطاع الخاص تواجد إلا في صناعات خفيفة استهلاكية هنا أو هناك، مكتفيا بالعائد السريع من العمل التجاري.
والقول: إن النجاح الذي حققته نمور آسيا بين عامي 1965 و1990م إنما يعود إلى دور القطاع الخاص، فيه نوع من المبالغة ان لم تكن المغالطة، لان ما تحقق لم يكن سوى نتيجة مبادرات القطاع العام وتفاعله مع متطلبات التنمية الاقتصادية، تلك المبادرات التي شملت التخطيط والتنفيذ والقيادة والريادة في بعض الميادين، وتوفير البنى التحتية اللازمة لأي تنمية، ومن يطلع على تقارير البنك الدولي في هذا الشأن سيتيقن من ان ما يسمى بمعجزة دول شرق آسيا الاقتصادية لم تتحقق بسبب عدم تدخل القطاع العام في النشاط الاقتصادي وإنما نتيجة تبني حكومات هذه الدول مجموعة من السياسات، حققت الاستقرار الاقتصادي والمالي، وزادت من معدلات الاستثمار البشري، وخففت من حدة الانحراف في نظام الاسعار، دعم التصدير، وضع سقوف على كلفة رأس المال، حماية الصناعات المحلية المنافسة للواردات، انشاء وتدعيم المؤسسات المالية والاستثمارية، تشجيع البحث والتطوير في العلوم الاساسية، انشاء مؤسسات لتسويق الصادرات وغيرها )WORLD Bank 1993(.
اريد ان اصل مما تقدم إلى ان التنمية الاقتصادية الشاملة، لا تتحقق بتذويب دور القطاع الخاص كما حصل في الدول الشيوعية، ولا بتهميش دور القطاع العام، ولا بتنازله عن تشغيل وادارة المرافق العامة، كما يحصل الآن في العديد من الدول النامية، بل بتكاسل القطاعين.
أدري ان المعادلة صعبة، لكن هناك دائما مجال لتوسيع نطاق عمل القطاع الخاص، وهناك ايضا ضرورة لرفع اداء القطاع العام في المجالات التي لا يمكن تركها للقطاع الخاص، او لا يمكن للقطاع الخاص ان يكون فعالا فيها.
وهناك دائما دور للقطاع العام في التنمية يتجاوز دوره في تشغيل وادارة بعض المرافق العامة، إلى تهيئة المناخ لعمل القطاع الخاص ومشاركته في التنمية، وعلى سبيل المثال لا الحصر وضع القوانين اللازمة لعمل السوق، كتعريف الملكية وطرق حمايتها، وتحقيق الاستقرار والأمن، وتنظيم تأسيس الشركات وطرق حل المنازعات.
كما ان تدخل القطاع العام يصبح ضروريا عندما تخفق قوى السوق في تحقيق الاستغلال الامثل لموارد المجتمع، مما يؤدي إلى تراجع فرص نمو القطاع الخاص.
ولا يزال للحديث عن التخصيص بقية,,.
|
|
|