لما هو آت الإنسان,,, الإنسان وحقه د ,خيرية إبراهيم السقاف |
يوم أمس الجمعة، وفي قاعة المؤتمرات بمقر المركز الإسلامي الثقافي في روما الإيطالية افتتحت الندوة العالمية عن حقوق الإنسان في الإسلام ,,.
هذه الندوة نظمتها رابطة العالم الإسلامي، وافتتحها سفير هذه البلاد نبع الإسلام، ومصدر الرسالات,,, الأمير محمد بن نواف,,.
ولئن جاءت هذه الندوة كي تضع موضع العيان مواثيق هذا الدين، وحقوق الإنسان فيه التي نص عليها في مواثيقه الواردة من خالق هذا الكون، على مُبَلِّغٍ عظيم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان المثال الأوفى في التعامل مع الإنسان وفق هذه المواثيق,,,، حمَّلها كتابه العظيم الذي أنزله ولم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه,,,، فإن أول الذين تمتعوا بهذه الحقوق في أجلى صورها، وأجلِّ صفاتها كانوا هم المسلمين الأوائل,,, أولئك الذين خرجوا من الظلمات إلى النور، والذين عُذِّبوا حتى شهدوا أنه لا إله إلا الله، فرُفع عنهم العذاب، ولم يلحقهم الضيم، ولا التفرقة في ظل الإسلام، فكان ذلك أول خطوة لهم نحو أمان الحقوق، ومظلة التمتع بها,,.
أولئك الذين رزحوا العمر في ظلامة الجهل قبل الإسلام,,,، فوحَّدتهم كلمة التوحيد: (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وتحت هذا الشعار انضوت حقوقه كاملة,,,، وكان النطق بها هو أول حق للمسلم في أن يكون في مساواة لاتفرقة بعدها أبداً,,.
فحق المساواة جاء منذ نطقه بهذه الكلمة إذ لا فرق عندها بين أبيض ولا أسود، ولا كبير ولا صغير، ولا فقير ولا غني، ولا مريض ولا صحيح، ولا امرأة ولا رجل,,, ولا,,, ولا,,, وشمل ذلك القول منه والفعل,,, وما له وما عليه,,.
وانطلق المسلم بعدها ليكون أخاً للمسلم,,, لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من,,, النَّفس، لأنها نزَّاعةٌ للهوى، وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحجبها عن هذا الهوى، والنَّفس ميَّالة إلى الانتقام والحرص، ومحبته - صلى الله عليه وسلم - ترطِّبها وتليِّنها وتزهِّدها،,,, وحين تكون النَّفس كذلك تُقبل على الحياة وقد حُجبت عن الهوى، وأُشبِعَت بالإيمان، وزَهَدت فيما هو من فضلاتها، فلا تتنافس إلاّ في خير، ولا تتسابق إلاّ إلى بناء، ولا تحرص إلاّ على حق,,، فانتشرت الفضيلة، والتواضع، والتسامح، والتآزر، والتكاتف، وحب الآخر,,, وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ,,.
وكان الإنسان وهو يُربّى تربية نفسية على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مدرسته العظيمة يخطو نحو تكوين مجتمع طاهر من كل ما شابه قبل الإسلام من شوائب النفس,,.
فلا قتل إذ حُقنت الدماء,,, وحُرِّمت على بعضها,,.
ولا سرقة بكل أنواع السرقة: سرقة المال، والعرض، والنظر، والسمع، واللسان.
إذ خضع المسلم لتمحيص كليٍّ خضعت له جوارحه بمثل ما خضعت له نواياه، بمثل ما خضعت له أطرافه,,, فالإنسان بها كلها يفعل,,, والفعل مناط الحق له أو عليه,,.
ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربَّى المسلمين الأوائل بمنحهم كافة حقوقهم فَلَهُم: الحرية، العدالة، المساواة، الحماية، وحق الحياة في اطمئنان، فلهم الأمان في بيوتهم؛ فلا تجسس ولا اعتداء ولا انتهاك للحرمات، ولهم الأمان في أوطانهم، فهناك المعاهدات والمواثيق والشروط التي تحفظ لهم وعنهم أسلوب الحياة في النطاق الضيق الذي يعيشون فيه في بيوتهم، وفي النطاق الأوسع مع جيرانهم، وفي الأبعد مع المتحالفين معهم أو مع جيرانهم,,.
ولم تأتِ مواثيق إنسانية بعد الإسلام - كما لم يحدث قبله - حفظت للإنسان حقوقه وقنَّنتها، وحدّدت حدودها، وأوضحت عقوبات التفريط فيها بدءاً بالحد الأصغر، وانتهاء إلى الحد الأكبر، من التعزير، إلى القتل,,,، وكذلك مع الآخرين بدءاً بالمعاهدات، وانتهاء إلى الحرب,,.
ولم يضع الإسلام حقوق الإنسان كلاماً مرصوفاً دون تطبيقه، فالمحاكم الإسلامية بدءاً بمجالس القضاة، والمفتين، وانتهاء إلى المحاكم، تشهد تنفيذ هذه الحقوق نطقاً وفعلاً,,.
بعكس مواثيق الحقوق في القوانين الوضعية التي يشهد العالم كم هي تُنتهك في سفور دون أن يخرجها من مظلَّة التدليس البرّاق إلا ذو النباهة وأصحاب المحجَّة الشرعية,,.
لذلك نجح المسلمون,,.
ولذلك علوا في الأرض,,.
ولذلك انتشر الإسلام,,.
ولذلك كان ولايزال الشوكة في الظهور والصدور,,.
ولذلك يُحارب الإسلام، ويُحارب أبناؤه,,.
إن هذه الندوة,,, جاءت في حاجة إليها,,.
وإن مثل هذه الندوة لابد أن تجيء,,.
وإنها لمن الأمل أن تُعقد في أكثر من موقع، وأن تنطلق بها المراكز الإسلامية المنتشرة في العالم,,, ذلك لأن الحقوق البشرية المنتهكة في سفور، وأن مدعي منح الحقوق البشرية، وهم في غفلة عنها، لابد لهم أن يروا المواثيق الصحيحة المنبعثة عن الدين الحنيف الذي حفظ للإنسان حقه في غير إسراف ولا تقصير,,, فمنحه كرامة العيش، ونقاء الحياة ومحجة الدفاع، وبراءة الموقف,.
ولا يزال تطبيق قواعد الإسلام وحده ما يكفل للإنسان حقوقه ويمنحه حياة كريمة سعيدة لا تتوفر لغيره مثلها.
فالله وحده تعالى من خلق الخلق ونظَّم لهم الحياة والتعامل فيها فضمن لمن لا يخرج عن هذا النظام خير الدنيا والآخرة.
|
|
|