سموه افتتح ندوة حقوق الإنسان بروما الأمير محمد بن نواف: الحوار طريق التفاهم ومستقبل الإنسانية يتقرر بالتفاعل بين الحضارات |
* روما سلمان العمري:
افتتح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين في ايطاليا ورئيس مجلس أمناء المركز الاسلامي الثقافي لايطاليا صباح أمس الجمعة في قاعة المؤتمرات بالمركز الإسلامي فعاليات الندوة العالمية لحقوق الانسان في الاسلام التي تنظمها رابطة العالم الاسلامي وذلك بحضور معالي وزير العدل في المملكة العربية السعودية الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة الدكتور عبدالله بن صالح العبيد ومعالي الدكتور عزالدين العراقي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي وممثلين عن الحكومة الايطالية على رأسهم السيناتور فرانسيسكو مسيتج ممثل وزير العدل في جمهورية ايطاليا والسيد انتونيو باديني ممثل وزارة الخارجية الايطالية ومدير جامعة بولونيا الدكتور فابيو البرتو موناكو وأعضاء السلك الدبلوماسي في ايطاليا، كما شارك في حفل الافتتاح ممثل معالي الدكتور احمد عصمت عبدالمجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية وممثل الدكتور كوفي عنان الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة وممثل سماحة الشيخ محمد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر وممثل الفاتيكان الى جانب عدد كبير من مسؤولي هيئات حقوق الانسان الدولية ورؤساء عدد من المراكز والجمعيات والهيئات الاسلامية.
وقد بدأ حفل الافتتاح بآي من الذكر الحكيم ومن ثم القى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز كلمة قال فيها:
يسعد المركز الاسلامي الثقافي في روما الذي يشرفني التحدث باسم مجلس ادارته الموقر ان أرحب بكم في افتتاح ندوة حقوق الانسان في الاسلام من خلال الدراسات القيمة التي سوف تسلط الضوء على الدين الحنيف، دين الرحمة والتآخي، دين العدالة والتسامح.
وحيث تأتي هذه الندوة امتدادا لندوات سابقة عن القدس وغيره التي عقدت في هذا المركز الذي كان للمملكة العربية السعودية الاسهام الأكبر في اقامته حيث تولى جلالة الملك فيصل رحمه الله فكرة انشائه ويواصل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله دعم نشاطه.
ما من شك في أن المفكرين والباحثين المشاركين في وضع محاضرات هذه الندوة في تقديم المداخلات والتعقيبات عليها هم بين الأكثر كفاءة وأهلية في عالمنا الاسلامي لمعالجة الموضوعات المهمة التي سيتعرضون لها وصولا الى تبديد الأفكار المغلوطة عن الاسلام واحقاق الحق في كل أمر من أمور موضوع البحث.
وليس افضل من هذا الوقت لطرح مثل هذه الموضوعات التي تتناول حقوق الانسان في الاسلام حقوق الرجل والمرأة والطفل، وحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه، اضافة الى حقوق الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم وحقوق الأقليات المسلمة في المجتمع غير المسلم.
أقول انه ليس افضل من هذا الوقت لطرح مثل هذه الموضوعات الدقيقة الحيوية، وفي ذهني الحملات الظالمة التي يتعرض لها الاسلام والمسلمون والتي تستهدف في جانبها الاستراتيجي الواسع تعطيل الحيوية المتجددة في المجتمعات الاسلامية وصولا الى تعطيل التعاون بين العالمين الاسلامي والغربي وتعميق العداء للمسلمين ودينهم.
اننا نرحب بالنقد بل ونشجعه إذا تأسس على الدرس الجدي والتمحيص الدقيق والاحاطة بجوانب المسائل والموضوعات محل النقد, لكننا لا نرى نقدا يستحق هذه التسمية فيما نراه من الهجوم غير المسوغ على حقوق الدول الاسلامية في ممارسة حقوقها داخل حدودها وفي نطاق سيادتها على نفسها, ولا نرى نقدا حقا في التهجم على الشريعة الاسلامية السمحاء الذي لا ينم إلا عن جهل أو تجاهل لا يغير وفي وصفنا له كذلك شيئا استعلاء اصحابه وادعاءاتهم الفارغة.
وحق لنا أن نقول لاصحاب الحملات الجاهلة ان اقرأوا أولا وتمعنوا، فالجهل يغذي التحامل والغرور ويؤدي بأصحابه الى الضلال البعيد، أما المعرفة فتحرر وتغني.
أيها الأخوة والأخوات السيدات والسادة:
لقد اهتم المسلمون منذ سنوات طويلة في اطلاع العالم على دينهم وشريعتهم فنقلوا تعاليم ومعاني كتاب الله الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الى مختلف اللغات وعقدوا الحوارات مع أتباع الرسالات السماوية الأخرى وشجعوا درس مبادئهم ونهجهم، وصدرت في ذلك عشرات آلاف الكتب والمقالات والدراسات وعقدت عشرات الندوات الفكرية، إنما انطلق المسلمون في ذلك من ايمانهم بان الاسلام دين للعالمين، فهو لا يفرق بين الناس على أساس اللون أو العرق أو اللغة أو الوطن أوحتى الدين (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99 , (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)البقرة:256 ,صدق الله العظيم.
هذا حق من حقوق الانسان محفوظ له, وهو حق حفظه الله سبحانه وتعالى له، فليس لأي مخلوق مهما علا شأنه أن ينتزعه منه أو يغمطه اياه.
ان حقوق الانسان التي أقرها الاسلام وأعطاها الانسانية تهدف الى تشريف البشر وصون كرامتهم وازالة الاستغلال والقهر والظلم عنهم، وهي حقوق شديدة الصلة بالايمان بالله وحده الذي هو صاحب الشريعة ومصدر كل حقوق الانسان، ولذلك فالحقوق الانسانية منحة من الله لا يملك أحد تقييدها أو انتهاكها.
وللاسلام مواقف جليلة من الحياة البشرية، وفي ذلك قوله تعالى:(من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) المائدة:32 , وقتل الانسانية كلها تعلمون أيها السيدات والسادة، هو أعظم الجرائم، وليس هناك تقديس أعظم من هذا التقديس للنفس الانسانية.
وللاسلام مواقفه من الكرامة الانسانية، وهي مواقف تجعله يقف بصلابة ضد الاستعباد أو الاعتقال أو النفي أو العقاب بغير موجب شرعي، وضد التعذيب البدني أو النفسي أو أي نوع من المعاملات القاسية أو المنافية للكرامة الانسانية.
وللاسلام مواقفه من حرمة المال ومعه العمل وحق التملك وحق الاجارة وحرية الرأي، ومبادئه الخالدة بذلك متطابقة أشد التطابق مع حقوق الانسان وفق ما جاء في الاعلان الصادر عن الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين ميلادية.
ان الاسلام يحمي حتى الشجر والزرع والضرع والمنشآت المدنية ويحرم التعرض للعدو من خلالها، أين هذا من الانتهاكات المتكررة لهذه الحقوق وغيرها من حقوق الانسان التي يرتكبها بعض من يحاضرون علينا في هذه الحقوق وهم أحق بأن نحاضر عليهم؟
ان الاسلام يعتبر الملك لله والأرض لله والسلطان لله يؤتمن الناس عليها جميعا ويمارسون دورهم في اطار الشريعة وبما يتفق معها, هو يعين الشورى كأحد أعمدته وسميت احدى سور القرآن بها وفيها يمتدح الله عز وجل أولئك الذين (وأمرهم شورى بينهم)الشورى:38 .
هذا هو الاسلام كما هو واضح في ذهن عدد كبير من العلماء المخلصين لقضية العلم في الشرق والغرب, ولكن هناك اساءات فهم متعمدة لهذا الدين الالهي من جانب دوائر غربية لا تقيم وزنا لما أخذه العرب عن الاسلام وأسهم في نهضته وحضارته, وللحقيقة أن العالم الاسلامي هو منبت المسيحية التي كانت لها مساهمتها الكبرى في نقل الغرب من ظلمته المهلكة الى نور الايمان والتمدن.
إننا نؤمن بأن الحوار هو الطريق الوحيد الى التفاهم والتعاون وان مستقبل الانسانية يتقرر في نطاق التفاعل بين ثقافات وحضارات العالم، ولهذا كانت هذه الندوة التي أعدتها وأشرفت عليها رابطة العالم الاسلامي والتي يسعدنا ويشرفنا اقامتها في هذا المركز الذي يمثل حلقة من حلقات التواصل بين الاسلام والغرب، ويحدونا أمل كبير بأن تتمكن هذه الندوة من التقدم بقضية الاسلام نحو مزيد من جلاء شؤونه وقضاياه وأحكامه.
وانتهز هذه المناسبة لتقديم الشكر باسم مجلس ادارة المركز الى الحكومة والشعب الايطالي الصديق على تعاونهم في تقوية جسور الصداقة والتعاون مع العالم الاسلامي وكذلك تقديم الشكر لرابطة العالم الاسلامي على ما تقدمه من خدمة للمسلمين في ايطاليا وسعيها مع المركز والسلطات الايطالية المختصة لانشاء المجلس الاسلامي الذي يمثل المسلمين في ايطاليا والذي نأمل إن شاء الله ان يرى النور قريبا ولا يفوتني هنا أن أقدم الشكر لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز على تبرعه السخي لاقامة هذا المجلس خلال زيارته الموفقة لايطاليا, وكذلك الشكر لكم جميعا أيها السيدات والسادة على حضوركم ومشاركتكم.
وفقكم الله, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة د, العبيد
بعد ذلك القى معالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي كلمة الرابطة فرحب بسمو الأمير ومسؤولي الهيئات والمنظمات الاسلامية والدولية وممثل حكومة ايطاليا وقال في كلمته: لقد ارتأت الرابطة عقد هذه الندوة لتسلط الضوء على حقوق الانسان في الاسلام وهي رسالة موجهة لمن يبحث عن الحقيقة ولانارة الطريق أمام جهات عديدة ليس الهدف منها التهجم أو الاساءة لأحد أو الدفاع عن أخطاء أحد، وانما وضع الأمور في نصابها من خلال البحث العلمي الرصين وسوف نحاول ان نقوم من خلال هذه الندوة:
أولا: بعرض ودراسة الجوانب التاريخية لهذه القضية من خلال العهود والمواثيق والدساتير والتنظيمات الدولية.
وثانيا: بتحليل ابعاد هذه القضية وارتباطاتها بقضايا الكون والتنمية والحضارة والعولمة وواجبات ومسؤوليات الانسان واخراجها من البوتقة السياسية الضيقة التي تحرك هذه القضية في اطارها في كثير من الأحيان.
ثم ثالثاً: التعريف بحقوق الانسان في الاسلام من خلال التشريع والتطبيق وذلك من خلال العرض والمناقشة العلمية والتاريخية والتطلع الى مستقبل مشرق لخير البشرية.
وبين معاليه ان أقوله مختصرا في افتتاحية هذه الندوة ان الانسان الذي نتحدث عنه في الاسلام هو هذا المخلوق المتمثل بكم أيها المجتمعون, هذا المخلوق الذي كرمه الله بجنسه واختياره عز وجل لعمارة هذا الكون وفق شرعه وشريعته (ولقد كرمنا بني آدم).
ثم ان ما يكتسبه الانسان من خصائص ومكتسبات دينية أو أسرية او سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية هي اضافات أخرى يترتب عليها حقوق وواجبات أخرى هي بالتالي من صميم تلك الحقوق والواجبات التي أنيطت بهذا الانسان المخلوق المتميز, والانسان المسلم في الاسلام هو جزء من منظومة مترابطة تتكافأ فيها الحقوق والواجبات بين الفرد ونفسه إن لبدنك عليك حقا وبين الفرد وأسرته كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وبينه وبين مجتمعه (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) وبينه وبين ربه ونبيه والبنية التنظيمية العلمية والسياسية التي تحكمه (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم), وبالتالي فإن حقوق الانسان في الاسلام مرتبطة بواجباته والتزاماته الدينية والاجتماعية والأسرية والتنظيمية وتترتب له كما تترتب عليه الحقوق وفقا لذلك، وحقوق الانسان في الاسلام تبدأ بحماية حقوقه حتى قبل خلقه حيث اختيار الزوجة الصالحة والرضا بالزوج الصالح والتغذية على الكسب الحلال وعدم الاجهاد لحاملته واختيار الاسم الصالح له والعناية برعايته وتربيته فضلا عن حقوقه بعد وفاته في تنفيذ وصيته وتحمل تقصيره في بعض الأمور الدينية بعد مماته, وهذا ما يجعل من الأهمية بمكان أن يستوعب المعنيون بحقوق الانسان هذه القضايا بالنسبة للمسلمين, ومن هنا فالمنظور الاسلامي لحقوق الانسان منظور واسع يمتد مع الانسان من قبل خلقه والى ما بعد وفاته وليس من الحكمة بهذا الاعتبار الاقتصار في قضية حقوق الانسان على فترة من عمره وفي قضايا خاصة من جوانب حياته.
واشار معاليه الى ان المسلمين لا يحبون ان ينظر اليهم على أنهم دوما في الصف المعارض للاعلانات والاتفاقات الدولية الهادفة الى تحقيق العدل والسلام في العالم بل يحبون أن يفهموا على أنهم يهدفون الى اثراء العطاء الانساني بالمزيد من البحث والدراسة والاستماع الى جميع وجهات النظر وتتويج العطاء الانساني بالتوجيه الرباني، فالاسلام يهدف الى تحقيق العدل والوئام والسلام بين البشر ونشر صحة البيئة والانسان والابتعاد عن الظلم والفقر واستعباد الانسان لأخيه الانسان.
وخاطب معاليه الشعوب المسيحية مشيرا الى الفئات التي تقود الحملات على بعض الدول الاسلامية باسم حقوق الانسان وقال: فليتذكروا ما قاله المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا ذنب فليرجمها)، ونشير الى ان الغرب قد اكتشف الكثير من الكنوز ومصادر الثروات في الشرق منها البترول والذهب والحديد ويعمل جاداً على استغلالها والاستفادة منها، إلا ان في الشرق شيئا لم ينقله المكتشفون الغربيون لكم على حقيقته ولم يعرفوه لكم على طبيعته بل تعمد بعضهم تشويهه ومغالطة حقائقه ألا وهو دين الاسلام الحنيف الذي جاء لخير الانسان في كل زمان ومكان، ومن هنا فالدعوة لهم قائمة لاكتشاف هدى الاسلام فيما يتعلق بحقوق الانسان.
وفي ختام كلمته قدم معاليه جزيل الشكر والتقدير للحكومة الايطالية على تعاونها مع رابطة العالم الاسلامي في تسهيل نشاط مكتبها في روما وادارة وتشغيل هذا المركز كما شكر اعضاء مجلس ادارة المركز على رأسهم رئيس مجلس الادارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز سفير خادم الحرمين الشريفين في روما، ووجه شكره الى الدول الاسلامية التي أسهمت في نشر العلم والمعرفة عن دين الله عز وجل وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأثنى على المؤسسات الاسلامية الرائدة في مجال الدعوة الى الله، وعلى رأسها الأزهر الشريف والمجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة وقدم لها الشكر والتقدير.
ثم القى معالي الدكتور عزالدين العراقي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي كلمة شكر فيها أمين عام الرابطة وقال: لقد أحسنت رابطة العالم الاسلامي صنعا حين اختارت حقوق الانسان في الاسلام عنوانا لهذه الندوة وهو موضوع يتطرق من خلال محاوره المتعددة الى قضايا حقوق الانسان من وجهة نظر الشريعة الاسلامية الغراء ويتناول بصورة مباشرة أو غير مباشرة الرد بوضوح لا خفاء فيه على الشبهات التي تروج في بلاد الغرب لتشويه صورة الاسلام الناصعة النقية، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن اتوجه بالتقدير والشكر الى معالي الأخ الدكتور عبدالله بن صالح العبيد على تنظيم هذه الندوة النافعة وكلي أمل في ان تساهم مساهمة فعالة في تحقيق ما يتوخاه وما نتوخاه نحن منها.
كما شكر المسؤولين في الحكومة الايطالية على ما أبدوه من تعاون واستعرض معاليه ما تعانيه بعض الشعوب العربية والاسلامية في هذه الفترة بقوله: ان اخواننا ابناء الشعب الفلسطيني ما يزالون يعيشون مأساة مستمرة مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي الغاشم الذي يزهق الأرواح ويصادر الممتلكات ويكبل الحريات ويتمادى في العدوان على المسجد الأقصى المبارك وينشىء المزيد من المستوطنات وذلك يمثل انتهاكا فاضحا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م بشأن حماية المدنيين وقت الحرب ولذا فمنظمة المؤتمر الاسلامي ما انفكت تعلن تمسكها بضرورة تطبيق تلك الاتفاقية على أبناء الشعب الفلسطيني الصامد في الضفة الغربية وفي مدينة القدس المحتلة، ثم تحدث عن عدوان اسرائيل على لبنان فقال: ان التراب اللبناني ما يزال عرضة للاعتداءات الهمجية الاسرائيلية التي تفتك بالمدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وتدمر البنية التحتية ضاربة عرض الحائط بحقوق الانسان دون رادع أو زاجر.
وبين معاليه ان ما تعرض له الشعب الشيشاني المسلم وما يزال يتعرض له من تقتيل وتدمير وترويع ليشكل انتهاكا صارخا يقع تحت سمع العالم وبصره على حقوق الانسان الفردية واكرر المناسبة المطالبة بوضع حد للهجوم الروسي الغاشم على هذا الشعب الصغير دون تمييز بين نساء وأطفال ورجال, كما أدعو الى سحب القوات الروسية الى مواقعها الأصلية واعادة النازحين الى ديارهم وتسوية القضية الشيشانية تسوية سلمية قائمة على أساس من العدل والانصاف ومراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية, ثم تحدث معاليه عن حقوق الانسان فقال ان من أهم المكتسبات الانسانية حقين رئيسيين تتفرع منهما حقوق الانسان على وجه العموم وهما الحرية والمساواة وقد زعمت الأمم التي تصف نفسها بأنها أمم ديمقراطية حديثة ان البشرية مدينة لها باقرار الحقين المذكورين.
ثم تحدث عن قضية حقوق الانسان في الاسلام مبينا ان الاسلام هو أول ما أقر مبادىء حقوق الانسان في أوضح صورة وعلى أوسع نطاق وكانت الأمة الاسلامية في عهد الرسول الأعظم وخلفائه الراشدين سباقة الى التمسك بها والى تطبيقها وليس ذلك بغريب ذلك ان الاسلام هو خاتم الرسالات السماوية وقد حمل الى الناس كافة من التعاليم ما يكفل للبشر حياة راضية مستقرة وما يفصل الحقوق المقررة لكل انسان تفصيلا يذهب الريبة ويغني عن الجدل.
وأوضح ان حقوق الانسان في الاسلام صادرة من صلب الاسلام نفسه من الوحي الالهي الذي لا يأتيه الباطل من امام أو من خلف وحين قال الله في محكم كتابه الكريم (قل هو الله أحد) فإنه اصدر بذلك أمراً لبني الانسان بألا يعبد أحد سواه وبذا حرر الانسان من عبادة الانسان مهما تكن صفاته وهذا في حد ذاته تحرير للانسان لا يتقدمه تحرير، انه تتجلى فيه عظمة الاسلام وهو توجيه الهي قاطع جاء الاسلام به لرسم علاقة دائمة للانسان بأخيه الانسان, انها علاقة ترفض عبودية الفرد للفرد جملة وتفصيلا.
وقال معاليه ان الوحي الالهي جعل الاتصال بالخالق البارىء محصورا بين الانسان وربه وبذلك جعله اتصالا ميسورا في كل وقت وفي أي مكان ودون وساطة أو تدخل متدخل وبصيغة واضحة ومباشرة (ادعوني أستجب لكم).
وجعل الاسلام البشر كلهم متساوين امام الخالق حين أكد عدم التفرقة بين الناس بسبب لون أو لسان أو جنس (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ثم شرح جانبا من جهود منظمة المؤتمر الاسلامي وبين ان المؤتمر الاسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية اصدر في سنة 1990م اعلان القاهرة لحقوق الانسان في الاسلام الذي يعد صدوره تأكيدا لايمان الدول الأعضاء بتلك الحقوق وبتعاليم الشريعة الاسلامية في هذا الصدد ونصت الفقرة الرابعة من ديباجته على ان الحقوق الأساسية والحريات العامة في الاسلام جزء من دين المسلمين لا يملك أحد تعطيلها كليا أو جزئيا أو خرقها أو تجاهلها وهي أحكام الهية تكليفية أنزل الله بها كتبه وبعث بها خاتم رسله وتم بها ما جاءت به الرسالات السماوية واصبحت رعايتها عبادة واهمالها أو العدوان عليها منكرا في الدين وكل انسان مسؤول عنها بمفرده والأمة مسؤولة عنها بالتضامن.
واضاف لقد اصدر مؤتمر القمة الاسلامي الثامن الذي عقد في طهران في سنة 1997م قرارا دعا فيه الى الاحتفال بالذكرى الخمسين لصدور الاعلان العالمي والى ان يتعامل المجتمع الدولي مع هذه الحقوق تعاملا منصفا يقضي بالحرص على احترام الخصوصيات والخلفيات الثقافية والدينية والحضارية والاجتماعية المختلفة للأمم والشعوب, وأكد أن الحق في التنمية والحياة الكريمة هو حق عالمي ثابت وجزء لا يتجزأ من حقوق الانسان وان احترام النظم القانونية الرئيسية العالمية ومنها الفقه القانوني ضرورة لفهم الاعلان العالمي فهما عاما شاملا.
وقال: لقد دعا مؤتمر القمة الاسلامي الثامن والمؤتمر الاسلامي الخامس والعشرون لوزراء الخارجية الى البدء في صياغة مواثيق ومعايير اسلامية خاصة بحقوق الانسان ودراستها خلال اجتماعات تخصص لهذا الغرض وهذا ما تعمل الأمانة العامة منذ فترة على متابعته تفعيلا للمبادىء والتعاليم التي تضمنها اعلان القاهرة بشأن حقوق الانسان في الاسلام ولما قضت به الشريعة الاسلامية.
وبين ان منظمة المؤتمر الاسلامي حرصت على تعريف المجتمع الدولي بمكان الصدارة والريادة الذي تتبوأه حقوق الانسان في الاسلام فعملت على تعزيز التعاون مع هيئة الأمم المتحدة على هذا الصعيد واهتمت باجراء تنسيق فعال ومستمر مع المفوضة السامية لحقوق الانسان السيدة ماري روبنسون في جنيف اسفر عن نتائج ملموسة وفي هذا النطاق نظمت ندوة هناك يومي 9 و10 نوفمبر 1998 موضوعها اثراء عالمية حقوق الانسان الاعلان العالمي لحقوق الانسان من منظور اسلامي وقد شاركت المنظمة عبر فريق الاتصال التابع لها خاصة مشاركة فعالة في تحديد محاور تلك الندوة وفي اختيار الخبراء المسلمين ذوي الاقتدار الذين ساهموا ببحوث قيمة ودراسات عالية المستوى في أعمال الندوة المذكورة التي سبقها عقد اجتماع تمهيدي في مقر الأمانة العامة بجدة من 17 الى 19 اكتوبر 1998م لتنسيق مواقف الدول الاعضاء وقد تولت المفوضية السامية لحقوق الانسان ترجمة بحوث الندوة ومداولاتها كما عملت على طبعها ونشرها.
وفي ختام كلمته دعا معاليه العالم الى تفهم حقوق الانسان في الاسلام من منطلق الشريعة الغراء لا من منطلق العادات والتقاليد والممارسات التي تتباين بتباين الميراث التاريخي وباختلاف المكان والزمان مبينا ان هذا المنطلق قد يقحم عنصر الارتباك والاختلاف وقد يؤدي الى تعذر فهم الاسلام الصحيح والى تشويه صورته واظهار المسلمين في مظهر المتشددين وذلك اعتداء على كنه عقيدتهم نطالب بالكف عنه على الفور.
بعد ذلك تلا ممثل الدكتور كوفي عنان الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة الرسالة التي وجهها عنان للندوة حيث قال فيها: يسرني غاية السرور ان ارفع أطيب تحياتي الى جميع المشاركين في هذه الندوة الهامة والتي تعقد في وقتها المناسب تحت شعار حقوق الانسان في الاسلام، لعله من المعلوم ان حقوق الانسان ليست سوى تعبير عن التسامح الموجود في جميع الثقافات التي تشكل اساسا للتقدم والسلام فحقوق الانسان بمفهومها الصحيح وتفسيرها السليم ليست غريبة على أية ثقافة، بل هي في واقع الأمر مفروضة لدى جميع الأمم, الحقيقة تستمد حقوق الانسان قوتها من عالميتها التي تمنحها القدرة على تخطي الحدود وتسلق الجدران وتحدي كل القوى, هذه العالمية التي تكتسبها حقوق الانسان ليست بسبب رسوخ جذورها في جميع الثقافات والتقاليد فحسب، بل إن الإعلان العالمي لحقوق الانسان نفسه ما هو الا نتاج لمناقشات جرت بين أفراد مجموعة فريدة من العلماء الذين ينتمي معظمهم الى العالم غير الغربي وقد استرجعوا عند القيام بهذه المهمة التاريخية الذكريات الأخيرة للحرب العالمية واستدركوا التعاليم العتيقة للسلام العالمي, فالمبادىء التي تضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان راسخة الجذور في تاريخ البشرية ولذا فهي موجودة في تعاليم الديانات والثقافات الكبرى في العالم بما في ذلك الاسلام, فلقد أوصى الامام علي بن ابي طالب الخليفة الرابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والي مصر، ان يراعي في حكمه الرحمة والتسامح تجاه رعاياه جميعا وقال: ليكن العمل الصالح أحب الخزائن اليك املأ قلبك بالرحمة والمحبة والاحسان نحو الرعية، ولا تكن في نظرهم ذلك الحيوان الجارح الذي لا يرى فيهم إلا فرائس، فهم لا يخرجون عن اثنين، إما اخوانك في الدين أو اندادك في الخليقة .
وقد عبر السعدي الشاعر الفارسي العظيم الذي عاش في القرن الثالث عشر عن قيم التسامح والمساواة بين الشعوب والأمم جميعا حيث قال:
ابناء آدم لبعضهم بعضا كأطراف الجسد الواحد
وينتمون في خلقهم الى جوهر واحد
إذا اشتكى عضو بالألم
تألمت سائر الأعضاء
فأنت يامن لا تهتم بآلام الآخرين
لا تستحق ان تعد انسانا
وجاء في رسالة كوفي عنان كذلك قوله: أما القرآن الكريم فيقول:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وفي ختام الرسالة عبر كوفي عنان عن تقديره للعقيدة والحضارة الاسلامية وقال: لقد أعانت وأثرت البشرية خلال مراحل تاريخها وأرجو أن تكون مصدر الهام تستعين به هذه الندوة في البحث عن وسائل جديدة للتعبير عن حقوق الانسان في الاسلام.
بعد ذلك القيت كلمة أمين عام جامعة الدول العربية حيث ألقاها نيابة عن معاليه السيد محمد علي محمد رئيس بعثة جامعة الدول العربية في روما ومما جاء في كلمة معاليه: لقد كرم الله الانسان بالاسلام دين العزة والكرامة والمساواة الذي عني بحقوق الانسان أيما عناية فقد جعل آفاق الاسلام مفتوحة أمام كافة البشر دونما تمييز أو تفضيل ورفع من قدر كرامة الانسان وحقه في الحياة قال تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً).
وقال معاليه: يتضح من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ان التاريخ الحقيقي لحقوق الانسان يبدأ من خلق الانسان ومانح هذه الحقوق هو الله رب العالمين وليس كما يدعي البعض بأن الوثائق التي صدرت عن حقوق الانسان لها السبق مثل الزعم القائل بأن الوثيقة الانجليزية المسماة العهد الكبير هي أول وثيقة لحقوق الانسان بل لعله من المهم ان نذكر هنا بأن القرآن الكريم والسنة النبوية هي التي أكدت على هذه الحقوق فكرا وممارسة بدقة متناهية لم يسبق لها مثيل, واشار معاليه الى ان جامعة الدول العربية جاء اهتمامها بضرورة الاسهام في مجال حقوق الانسان منذ انشائها سنة 1945م وقد توج هذا الاهتمام باصدار مجلس الجامعة قرارا بتاريخ 12/9/1966م بانشاء لجنة تسمى اللجنة الخاصة تهتم بقضايا حقوق الانسان ثم اصدر المجلس قرارا بالموافقة على إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان بتاريخ 13/9/1968, وقال: لقد قامت هذه اللجنة باعداد ودراسة الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي صدر عن مجلس الجامعة بتاريخ 15/9/1994م, وبين أن الدول العربية ساهمت في إصدار إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عام 1991م, وأكد معاليه ان الحقوق الأساسية والحريات العامة في الاسم جزء من دين المسلمين لا يملك احد بشكل مبدئي تعطيلها كليا أو جزئيا أو خرقها أو تجاهلها في أحكام الهية تكليفية انزل الله بها كتبه وبعث بها خاتم رسله وتمم بها ما جاءت به الرسالات السماوية واصبحت رعايتها عبادة واهمالها أو العدوان عليها منكرا في الدين وكل انسان مسؤول عنها بمفرده والأمة مسؤولة عنها بالتضامن, واضاف قائلا: هكذا يتضح ان الأمة العربية التي حباها الله بأن جعل موطنها موطنا للرسالات السماوية وشرفها بحمل رسالة الاسلام خرجت على الناس تحمل رسالة الحق والخير وترفض سلوك البطش والعدوان وانطلقت على ظهر الأرض مدفوعة ببواعث الصدق والعدالة متحرية مرضاة الخالق وكرامة المخلوق مسترسلة مع نداء الطبيعة البشرية المتطلعة للكمال والسيادة نداء الفطرة الأصلية فطرة الاسلام التي وضعها الله في الخلق منذ بدء الخليقة.
واختتم كلمته بقوله: ان الأمة العربية والاسلامية في الواقع قد أثبتت عبر تاريخها المديد أنها في طليعة الأمم التي تعمل دوما على رفع شأن كل ما هو انساني انطلاقا من قيم الاسلام الخالدة التي تكفل حقوق الانسان وتحميها فعملت على تعزيز هذه الحقوق وترسيخها وقد ساهمت بجهود بارزة في المحافل الدولية ومن خلال المواثيق العالمية مدفوعة بقناعتها الراسخة بأن حقوق الانسان كل لا يتجزأ يجب الحفاظ عليها وصونها بما يرفع من قدر الانسان وكرامته وبما لا يتعارض مع تعاليم الدين الاسلامي الحنيف.
|
|
|