Saturday 26th February,2000 G No.10012الطبعة الاولى السبت 20 ,ذو القعدة 1420 العدد 10012



التخصيص من ابن خلدون إلى مارغريت تاتشر

على ذمة تقرير البنك الدولي لعام 1991م عن التنمية، ان المؤرخ العربي الشهير ابن خلدون أول من دعا في القرن الرابع عشر الميلادي إلى التخصيص، عندما انتقد في مقدمته لكتابه المبتدأ والخبر النشاط التجاري للحاكم قائلا: إن النشاط التجاري من جانب الحاكم هو نشاط ضار لرعاياه، ومدمر لإيراد الضرائب، ويحول دون دخول المتنافسين، ويملي اسعار المواد والمنتجات مما قد يؤدي إلى الانهيار المالي لكثير من الأعمال التجارية .
فابن خلدون بمصطلحاتنا اليوم يعارض ممارسة القطاع العام للنشاط الاقتصادي، ويعتبر ذلك مضراً بالقطاع الخاص لأنه منافس لهم، ومضرا بجمهور المواطنين لأنه يرفع الأسعار ومضرا بالدولة نفسها لأنه يحرمها من إيرادات الضرائب.
وإذا كان آدم سميث في القرن الثامن عشر كتب فيما يشبه هذا، فإن التخصيص لم يدخل الحياة العلمية على نطاق واسع إلا من خلال حكومة السيدة ماغريت تاتشر المحافظة في المملكة المتحدة في بداية الثمانينات، التي قررت نقل ملكية المؤسسات العامة الصناعية والتجارية والخدمية إلى القطاع الخاص، وقامت على الفور بتحويل شركة الاتصالات british telecommunication ، وشركة الغاز British Gas من ملكية القطاع العام الى ملكية القطاع الخاص.
منذ ذلك الحين وتجارب التخصيص تتوالى في اوربا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وقد وصلت دول الخليج العربي مع بداية التسعينات، عندما بدأ العجز في الموازنة يظهر في بعض دولها.
بعض تلك التجارب نجح، وبعضها فشل، ويرى المحللون الاقتصاديون أن نجاح عملية التخصيص يعتمد بالدرجة الأولى على استيعاب صانعي القرار لتشعب هذه العملية، وصعوبتها، وبعدها الزمني، واحتمالية إخفاقها، وما قد يترتب على هذا الإخفاق من آثار، وقدرة صانعي القرار على التفاعل بإيجابية مع مراحلها المتعددة وصولا لتحقيق أهدافها باعتبارها وسيلة لاغاية.
بمعنى أن تحويل المؤسسات العامة، إلى الملكية الخاصة، ليس عملية سهلة خالية من الآثار السلبية، وليس كل مؤسسة عامة قابلة للتحويل إلى القطاع الخاص، وعند اتخاذ قرار التخصيص فإن مبدأ الموازنة بين المصالح يجب ألا يغيب عن أذهان صانعي القرار وهم يقررون التخصيص لمجرد الرغبة في تقوية أداء القطاع العام، أو رفع كفاءة الأداء الاقتصادي.
إن التخصيص ليس علاجاً لمرض بعد التشخيص بل هو أسلوب للعلاج يشبه العملية الجراحية التي تبدأ من الفحوصات المخبرية وتمر بالتشخيص، وقد يعدل عنها إلى بدائل أقل خطراً على المريض، أو توقف برمتها إذا تبيّن انتفاء الحاجة لها بعد تحسن حالة المريض أو اليأس من شفائه بهذا الأسلوب.
وهكذا ، فإن عملية التخصيص، يجب أن يكون لها مسبباتها ابتداء، وغايات تزيل المسببات انتهاء، ورابطة سببية بين الاثنين، وبالتالي فإن الحاجة للتخصيص من عدمها ترتبط ارتباطا كليا بنوع المعاناة، وتوفر البدائل.
ويؤلمني كباحث أن اختصر الزمن بين ابن خلدون وتاتشر في بضعة اسطر، لكنها متطلبات الصحيفة اليومية، وعزائي أن للحديث بقية.
د, حسن عيسى الملا



رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved