Friday 25th February,2000 G No.10011الطبعة الاولى الجمعة 19 ,ذو القعدة 1420 العدد 10011



شخصيات قلقة
جيرهارت هاوبتمان 1862 1946م
أول ألماني يفوز بنوبل في الآداب

لم يتخيل كارل ان حفيده سيحصل في يوم من الايام على جائزة نوبل في الآداب، ليكون بذلك اول ألماني يفوز بها.
كان هذا الجد مجرد عامل نسيج بسيط، فلما يئس من ان ينال عمال النسيج حقهم العادل في الحياة الكريمة تحول الى العمل في احد المطاعم حتى اذا ما تعرف على اصول تلك المهنة وفنونها استأجر نزلاً صغيراً من ذلك النوع الذي يأوي الغرباء اليه أثناء اسفارهم, وسرعان ما حول الجد هذا النزل بالاشتراك مع ابنه روبرت والد الشاعر جيرهارت هاوبتمان الى فندق محترم في اوبرسالتسبرن.
لكن حتى هذا الفندق لم تستطع ان تحتفظ به العائلة طويلاً، فاضطر والد جيرهارت ان يرحل للعمل في سكة الحديد نظراً للتدهور المالي الذي اصاب العائلة.
هكذا ينتمي الشاعر الى عائلة بسيطة كانت تكافح طويلاً لتضمن قوت يومها، وتشق طريقها في الحياة بصعوبة بالغة خصوصاً ان المانيا في ذلك الوقت كانت بلداً غير صناعي يسودها التفاوت الاجتماعي ويخيم على اغلب افرادها البؤس والشقاء, وقد شهد هاوبتمان تطور البيئة الالمانية اجتماعياً وتكنولوجياً طوال عمره المديد 84 عاماً بل انه عاصر ايضاً حربين عالميتين ضاريتين، ورأى سقوط الرايخ الثالث بزعامة ادلف هتلر يبدأ هذا التاريخ الحافل بالآلام والآمال عندما توجه هاوبتمان الى مدرسة القرية في العاشرة من عمره لكنه وجدها مغلقة اثر تفشي وباء الجدري، فكان عليه ان يمكث في البيت الى اجل غير مسمى، مكتفياً بالدروس الخصوصية على يد ابيه قرابة عامين، وعندما عاد الى الدراسة المنتظمة وحصل على الشهادة الثانوية، قرر هاوبتمان ان يكتفي بهذا القدر ويتحول الى حرفة الزراعة، وبالفعل بدأ فترة التدريب الزراعية الشاقة لمدة تزيد عن العام، وكان دافعه الى ذلك ما تعانيه العائلة من تدهور مالي، الا انه اجهد جسده فوق طاقته واصيبت رئتاه بالتهاب شديد ادى فيما بعد الى أن صارتا منذ سنة 1904م غير قادرتين على اداء وظيفتهما.
ويبدو ان هاوبتمان اعتاد الا ينتظم في عمل ما او في دراسة ما، فلم يدرس بالجامعة سوى ثلاثة فصول دراسية متفرقة في جامعتي فيينا وبرلين, بالاضافة الى دراسات خاصة في العزف على بعض الآلات الموسيقية، وبعد ذلك تقدم لدراسة النحت عام 1880م وكان في الثامنة عشرة من عمره في المدرسة الملكية الفنية والمهنية في بريز لاو، لكنه لم يستطع التقيد بالمواعيد ففصل من المدرسة لسوء سلوكه وعدم مواظبته على الدراسة بالقدر الكافي ولولا توسط احد الاساتذة له لما عاد للدراسة ولما حصل على الشهادة المتوسطة في العشرين من عمره، حيث جعلته يسافر الى روما ويتفرغ للعمل كنحات قرابة عامين، اصيب خلالها بمرض التيفويد فاضطر الى العودة الى المانيا.
ليس في حياة هاوبتمان معنى يتمسك به سوى ان يكافح بقوة، عابراً للعديد من المدن الالمانية والاوروبية, برلين,, روما, ,فيينا, وكذلك كان عابراً للعديد من المهن والاعمال المختلفة فتارة يعمل كعامل زراعي وتارة اخرى كنحات، ودائماً يدفعه طموحه الوثاب الى الابداع والاطلاع على المؤلفات العظيمة ومصاحبة الشخصيات البارزة، فنراه يكتب الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره بجانب العديد من الاعمال المسرحية والروائية اهمها:
قبل شروق الشمس ربيع الحب تيل ملاحظ المزلقان الناجون مينافون بارنيهلم هانيلا الجرس الغرق وغيرها.
قبل الشروق
وكانت اول مسرحية تعرض له وتثير ضجة كبرى هي قبل شروق الشمس التي عرضت على مسرح ليسنج في برلين وفوجىء الجمهور لأول مرة بأن المسرحية تتكلم بلغة رجل الشارع وباللفظ العامي، وتبدو مختلفة تماماً في الموضوع والاسلوب وطريقة العرض: فراح الضجيج يعلو ممتزجاً بالصفير والتصفيق ودب الاقدام في اعتراض قاطع على ما يشهدونه، ثم كانت المفاجأة الأخرى لهم حين ظهر الكاتب في نهاية العرض هاوبتمان مجرد شاب اشقر في السابعة والعشرين من عمره وليس رجلاً عريض المنكبين وملتحياً وذا قبعة ورداء يشبه زي الصيادين، كما اعتادوا ان يروا كتاب المسرح آنذاك.
لقد شيد هاوبتمان عبقريته المسرحية مبكراً وعمل على ايجاد التيار الواقعي والطبيعي الخاص بالمسرح الالماني، مما عرضه للانتقاد من قبل الذوق الاجتماعي السائد آنذاك، ووصل الامر الى أن شرطة برلين منعت عرض مسرحيته الناجون فاضطر الى عرضها في باريس، وحين عرضت مرة اخرى في المانيا بعد ان افرجت عنها السلطات الادارية، ابدى الامبراطور فيلهم الثاني استياءه لذلك، واعلن انه لم يعد في حاجة الى المقصورة الفاخرة الخاصة به في المسرح، بما يعني تزايد الهجوم والسباب على هاوبتمان، وفي ذلك يقول عن نفسه: لقد عوملت كما لو كنت مجرماً واهانني البرلمان البروسي بل تمادى احد النبلاء الى حد القول: هذا الوغد يجب ان يسجن لكن هاوبتمان ظل على اخلاصه لاظهار الواقع الاجتماعي المتردي!!
لقد قدم من خلال مسرحية الناجين مأساة لمسها هو نفسه عن كثب، وكيف يعاني مجتمعه من الصراع الطبقي، وضم النص العديد من الاتهامات الصارخة وما يعتمل من احاسيس الناس العاديين، بجانب ما يراه الكاتب من حلول عادلة تتنبأ للبشر بفجر جديد.
وبذلك يعتبر هاوبتمان من اوائل المنادين بالاشتراكية وبالعطف على الفقراء والجائعين، وقدم في هذا الاطار عدداً من الاعمال ذات الطابع الحماسي الثوري، حيث ينقل الحقيقة عارية من كل تنميق او خيال، ومهما بدأ هاوبتمان عنيفاً في كشف واقع الحياة الا انه كان في كل ما كتب محباً للحق وحده ومدافعاً عن المظلوم والمحروم اينما وجد, كما انه كان مخلصاً في كل ما كتب لحياته ومعاناته وكفاحه الشخصي لثالوث الجهل والفقر والمرض, هذا الكفاح الخلقي والابداعي توج في عام 1912م بحصوله على جائزة نوبل في الادب، كأول الماني يفوز بها، وهو في الخمسين من عمره، كما انه نال العديد من الاوسمة والجوائز والدكتوراة الفخرية من اكثر من جامعة اوروبية، ليصبح هذا العنيد المكافح صديقاً للملوك والرؤساء وضيفاً في العديد من المحافل الدولية حتى وفاته عام 1946م.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved