طالب المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي بضرورة النهوض واستعادة أمجاد الحضارة الإسلامية، مؤكداً ان هذا لن يأتي عن طريق تقليد الحداثة الغربية التي نشرت العنف والدمار في العالم، ورفض جارودي الفكرة القائلة بأن الصراع القادم سوف يكون بين الإسلام والغرب لان الغرب انتهى اصلاً بعد ان تحولت اوروبا الى مجرد مستعمرة أمريكية، والصراع القادم بين أمريكا وبقية العالم.
وقال جارودي ان العولمة هي المرادف لكلمة الأمركة التي تحاول تسييد المنتج الأمريكي وغض النظر عن موت خمسة واربعين مليونا كل عام بينهم ثلاثة ثلاثة عشر مليون طفل, واضاف جارودي ان زعماء اوروبا اصبحوا اتباعا للسياسة الأمريكية، الأمر الذي يستفز قطاعا عريضا من الاوروبين، ووصل بأوروبا الى وضع شبيه بوضع الاحتلال النازي، حيث ينقسم الناس الى متعاونين ومقاومين للغازي.
جاء هذا اللقاء الفكري الذي اقيم ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب لجارودي كضيف شرف معرض هذا العام والذي شهد اعلى نسبة حضور في ندوات المعرض هذا العام وقابله جمهور الحاضرين بموجة عارمة من التصفيق.
بدأ اللقاء بكلمة قصيرة من د, سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب الذي غادر القاعة مباشرة ليترك التقديم للدكتور علاء طاهر الاستاذ بجامعة السوربون والكاتب كامل زهيري الذي ادار الحوار.
تحدث د, علاء طاهر عن تاريخ جارودي الفكري المولود في مارسيليا بالجنوب الفرنسي عام 1913م وعن المحطات المهمة في حياته وتأثير الأوضاع العالمية على أفكاره وتوجهاته وأهمها الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م والأزمة الاقتصادية التي قادت العالم الى الحرب الثانية وما تبع ذلك من احتلال النازي لفرنسا واعتقال الاحتلال لجارودي عندما كان عمره عشرين عاماً.
وكان جارودي يجاهر بانتقاداته للاتحاد السوفيتي، لانه لم يكن يلتزم العقلية الماركسية وانما روحها التي تصورها تحقق العدالة بين البشر وتطورت كتابات جارودي وحيرته في هذه السنوات الى ان اعتنق الإسلام واهتم بالعالم العربي والإسلامي وعندما ادان الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 بدأ التعتيم الإعلامي عليه في فرنسا والآن كلنا نعرف ماحدث لجارودي منذ عام 1987م وحتى اليوم لموقفه من اسرائيل.
وترك جارودي مهمة القاء مداخلته الرئيسية بالعربية للدكتورة منى طلبة معتذرا عن عدم قدرته على التحدث بالعربية وفي نفس الوقت مختصراً الجهد على الجمهور، حتى لايكون مضطرا لسماع المحاضرة مرتين بالفرنسية ثم العربية.
قال جارودي: ابدأ بالسؤال عما نطلق عيه: الحداثة؟ ويجيب: ولدت الحداثة مع عصر النهضة الذي قام على فكرة الاعتراف بقدرات الانسان في ادارة العالم لكن ماحدث هو احتدام الحرب واحتلال الشمال للجنوب واختلال التوازن داخل المجتمع الواحد.
وان نهضة ثقافية إسلامية لايمكن ان تتحقق بتقيلد الغرب ولا باستعادة الماضي، انما بالتمسك بالخصوصية الاسلامية التي جعلت من المسلمين قوة مهابة في عصور تقدمهم.
وقال جارودي ان مايحتاجه المسلمون اليوم هو قراءة دينهم بعيونهم اليوم، مؤكداً ان القرآن الكريم كتاب مقدس يضع القواعد العامة.
وقال جارودي انه من التعسف ان نحصر القرآن الكريم في عدة آيات، لانه نداء مادي ومعنوي يضع المبادىء العامة للحياة وهو مايجعله نبعا دائما للحلول في كل عصر، وقد اجتاح الإسلام العالم بسبب ثورة اجتماعية ضد المفهوم الروماني للملكية الذي يعني السفه، والثورة الروحية التي قضت على التعصب الذي مارسته الامبراطوريات الأخرى، وعلى المسلمين ان يعيدوا الإسلام الى سماحته الأولى حتى لاتجري المزايدة عليه من الآخرين.
وتحدث كامل زهيري عن اعجابه بجارودي الذي يعود الى انه ليس مجرد مفكر او كاتب موسوعي ألف 54 كتاباً او استاذ فلسفة، بل لانه فنان ومناضل لم يتخل ما يراه حتى وهو في هذه السن، اذ بلغ السابعة والثمانين.
وحكى زهيري واقعة يعتقد انها من اسباب اعتناق جارودي للاسلام وذلك حين كان جارودي معتقلاً في الثامنة والعشرين من عمره وتم نقله وزملائه للسجن في معسكر جنوب الجزائر وحذرهم قائد المعسكر من القيام بأي مظاهرة وانه سيقابل أي تصرف كهذا بإطلاق النار العشوائي، وتحدى جارودي ورفاقه التحذيرات فأمر القائد الجنود الجزائريين المسلمين باطلاق النار ولكنهم رفضوا تنفيذ الأمر قائلين، ليس من الشرف ان يطلق محارب مسلح النار على اعزل ومن يومها بدأ جارودي دراسة الحضارة الإسلامية والعربية.
وردا على سؤال من احد الحضور حول اسطورة الارض التوراتية وحق الفلسطينيين في ارض فلسطين قال روجيه جارودي انه شدد في كتابه الصادر عام 1987م على فكرة الاسطورة من حيث ماضيها وحاضرها، فالثابت تاريخيا انه لاوجود لادعاء وجود 600 الف أسير وقتيل يهودي في مصر، فالمصريون كانوا يسجلون كل صغيرة وكبيرة، ومايعبر حدودهم حتى من الحيوان والطير، فكيف لايسجلون عبور 600 ألف اسير يهودي؟!
اما عن الجانب المعاصر للاسطورة، فان جولدا مائير الملحدة كانت تقول: كيف نرفض ارضا اعطاها الله لنا؟
وردا على سؤال حول ما أثير بشأن المحرقة قال جارودي ماذكرته ان عدد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية كان ثلاثة ملايين ونصف مليون وذلك حسب الدراسات والاحصاءات الامريكية، بينما اليهود يدعون ان النازي قتل ستة ملايين وهو امر غير ممكن، وفي قرار الاتهام لي قالوا اني انكر جريمة ضد الانسانية، فقلت اذا قتل انسان واحد بسبب دينه فهي جريمة ضد الانسانية، ورد المدعي الفرنسي قائلاً: اذا قتل يهودي واحد فقط بسبب دينه فهي جريمة ضد الانسانية، فقلت: اذا كان ارمينيا ألا تكون جريمة؟! وهددت بترك المحاكمة لانني لا اثق في عدالة عنصرية.
وطلب احد الحاضرين تعقيب جارودي على مايحدث في الشيشان فقال من السذاجة ان نتصور ان الجيش الامريكي يمكن ان يحارب من اجل ان يحمي المسلمين، فما يحدث في الشيشان وماحدث في يوغسلافيا هي حرب حول البترول.
سامي القمحاوي