Friday 25th February,2000 G No.10011الطبعة الاولى الجمعة 19 ,ذو القعدة 1420 العدد 10011



العالم الثالث والتنمية
د, محمد بن عبدالرحمن البشر

يشتكي كل آمر مما هو فيه، ويشتكي كل مأمور بمثل شكوى الآمر، ويتبادل كل منهما الملام, وعلى أنغام الملام يتراقصون، وعلى جنباته يتمايلون، وهم كذلك عاشوا، ويبدو أنهم سيعيشون ويسترسلون في تحليل الأحداث، فيستمتعون ويمتعون، ويمعنون في الخيال حتى لكأن الواقع أبعد من الخيال، وفي خضم ذلك تراهم قعوداً عاجزين عن أخذ المسلك الصائب، والعلاج الناجح، ومع هذا فهم يسمعون ويسمعون اطراء يشنّف الآذان، ويستهوي الوجدان.
وفي ظل عام كهذا يبحث الباحث عن الانتاجية فلا يجدها، وعن المنطق الاقتصادي فلا يراه، وعن روح الإبداع فإذا بها مريضة بل تكاد تكون ميتة.
ومع ذلك فالتغني بالأوهام مستمر، والتزيّن بالأصباغ ظاهر، وإن كانت اصباغاً غير متناسقة لا يستسيغها ذوو الذوق الرفيع, إنه العالم الثالث، أو قل بعضه، تعيش شعوبه مثل ذلك أو قريباً منه، وينتج البعض القليل, ليأكل قليل من ذوي الخطوة جزءاً من ذلك القليل فتزيد معاناة الكثير، وتبقى البلاد أسيرة مصائب لا تنقضي.
في إحدى الدول الأفريقية قيمة الصادرات لا تغطي خدمة الديون عليها، فالصادرات تبلغ أربعمائة مليون وخدمة الدين تتجاوز ستمائة مليون، وقيمة انتاجية الفرد العامل لا تتجاوز ثلاثمائة دولار سنوياً، ومع هذا فالأوهام مستمرة، والناس لا تكاد تبحث عن الانتاج، فما بالك بالابداع! ثم تأتي الدول التي ترغب في مساعدتها فيما تزعم فترسل ما فاض من انتاج، وتملي ما تشاء من الشروط وتربط كل خطوة بموقف, وقد ينال الصفوة الجزء الأكبر من المساعدات، ويبقى الوضع كما هو لا تقدم يذكر ولا تأخر يؤثر، بل هو تأخر ناتج عن تقدم الغير.
وفي ظل ما يدعي النظام العالمي الجديد الذي لا أرى لذلك الاسم معنى، فهو ليس نظاماً عالمياً جديداً، بل هو وضع عالمي جديد فرض معطياته وواقع حاله، وأخذ في التعامل بمسلك يتناسب مع خدمة المنتصر, وفي ظل ذلك مدت دول العالم الثالث أيديها كما هو عادتها تنشد المساعدة وتطلب المعونة، وأخذت تعد العدة للمزيد من الخير والنماء, وبقيت حتى الآن رافعة الأيدي محدقة بالأبصار، مسترسلة في الأوهام، لعل حمامة الخير تسقط شيئاً من الطعام!.
كان مثقفوا العالم الثالث يأملون من العالم المتقدم شق قنوات جديدة، وإيجاد مؤسسات عالمية قادرة على النهوض الحقيقي باقتصاديات البلدان النامية, وكان الأمل كبيراً في مشاريع دون مشروع مارشل، ولكن فوق مشروع كاليفورنيا، أو خيار معدات الإنتاج، بدل البضائع الجاهزة، ولكن دون جدوى.
إن خطأ العالم الثالث يكمن في سعة الأمل ووضعه في غير محله، فالأمل في الدول المتقدمة مطلوب لكنه ليس العلاج أبداً، بل إن عقد الأمل بما هو واقع ألا هو الداء بعينه والهم القاتل والعلة الكأداء.
إن الأمل في الله أولاً ثم في سواعد الرجال بالكد والعرق والعمل والتخطيط السليم فهو المخرج القويم للنهوض بالبلدان والشعوب, وحتى نكون منصفين فإن مساعدات الدول المتقدمة مهما بلغت وتنوعت لن تكون ذات جدوى إذا لم تصاحبها رغبة في الاصلاح من أصحاب الشأن أنفسهم, فكيف لذي لبّ أن يعتقد بأن دولة ما مهما كان حجمها وقدرتها المالية والاقتصادية ستقوم بتوفير المال وبناء البنية التحتية ثم بناء أدوات الانتاج وتشغيلها والعمل على صيانتها في الوقت الذي يرغب فيه طالب المساعدة ان يبقى بعيداً عن ذلك الإنجاز متفرجاً على ما سيحدث منتظراً ان تقدم له النتائج على أطباق من ذهب، وقد لا يكتفي بذلك بل يطلب من غيره أن يلقمه اياها لقمة سائغة حتى لا يكلف يده عناء رفعها لفمه؟.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــى

محليــات

مقـالات

الثقافية

الاقتصادية

متابعة

أفاق اسلامية

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

أطفال

شرفات

العالم اليوم

تراث الجزيرة

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved