إن الأمانة أمر عظيم والمحافظة عليها خلق من خلق المؤمنين الذين امتدحهم ربهم بقوله سبحانه:(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) بل إن من حافظ عليها كان من الناجين أما من ضيعها وخان فيها كان من أهل الشقاء واتصف بصفة من صفات المنافقين قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا أؤتمن خان واذا عاهد غدر وفي رواية: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان .
إن لما للأمانة من أهمية بالغة أعرضت السموات والأرض والجبال ان تحملها عندما علمت ما فيها وتحملها ابن آدم الضعيف المسكين.
يقول الحسن البصري رحمه الله في تفسير قوله تعالى:(إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال) يقول عرضها الله على السبع الطباق التي تزينت بالكواكب والنجوم وحملة العرش فقيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها، قالت وما فيها، قال: قيل لها إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت قالت لا, ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد التي شدت بالأوتاد وذللت بالمهاد قال فقيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها قالت وما فيها قال قيل لها ان احسنت جزيت وان أسأت عوقبت قالت لا, ثم عرضها على الجبال الشم الشوامخ الصعاب الصلاب قال قيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها, قالت وما فيها: قال: ان أحسنت جزيت وان أسأت عوقبت, قال: لا.
ويقول مقاتل: ان الله حين خلق خلقه جمع الانس والجن والسموات والأرض والجبال ثم عرض عليها جميعا حمل هذه الأمانة وأبت حملها إلا الانسان فعندما قيل له أتحمل الأمانة وترعاها حق رعايتها؟ قال عند ذلك لربه مالي عندك؟ قال: يا ابن آدم إن أحسنت وأطعت ورعيت الأمانة فلك عندي الكرامة والفضل وحسن الثواب في الجنة وان عصيت ولم ترعها حق رعايتها وأسأت فإني معذبك ومعاقبك وأنزلك النار, قال: رضيت يا رب وأتحملها، فقال الله عزوجل عند ذلك: قد حملتكها فذلك قوله تعالى: (وحملها الإنسان), ولعظم شأن الأمانة وخطرها فإن الأعمال الصالحة لا تكفر الإخلال بها حتى القتال في سبيل الله الذي يكفر كل شيء لا يكفر الأمانة فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول صلى الله عليه وسلم قال:القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها أو قال يكفر كل شيء إلا الأمانة يؤتى بصاحب الأمانة فيقال: أد أمانتك فيقول أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا, فيقال له أد أمانتك فيقول أنى يارب فيقول اذهبوا به الى أمة الهاوية, فيذهب به الى الهاوية فيهوى فيها حتى ينتهي الى قعرها فيجدها هناك كهيئتها فيحملها فيضعها على عاتقه فيصعد بها الى شفير جهنم حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت قدمه فهوى في أثرها أبد الأبدين .
وعن عبدالرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:أربع اذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:خمس من جاء بهن يوم القيامة مع ايمان دخل الجنة, من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن بمواقيتهن وأعطى من ماله طيب النفس بها, وكان يقول وأيم الله لا يفعل ذلك إلا مؤمن وأدى الأمانة قالوا يا أبا الدرداء ما أداء الأمانة قال رضي الله عنه: الغسل من الجنابة فإن الله تعالى لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره .
فالأمانة تكون في الصوم والصلاة والوضوء والحديث وأشد ذلك الودائع, فجميع الأعمال والأقوال والمعاملات والنظرات أمانة فمن حفظ أمانته في كل شأن من شؤون حياته كان من الناجين ومن ضيعها كان من الخاسرين المفرطين, بل ان من حلف بالأمانة فليس منا كما بين ذلك الصادق المصدوق في قوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بالأمانة فليس منا .
وختاما أسأل المولى جلت قدرته ان يجعلنا وجميع المسلمين ممن رعى الأمانة حق رعايتها وأداها كما أمر بها إنه ولي ذلك والقادر عليه والله أعلم.
علي بن صالح الشمراني
رئيس هيئة محافظة خميس مشيط