في أدائها التفاوضي، كما في أفعالها العسكرية وتصريحات وزرائها، تسعى اسرائيل الى فرض آرائها كمرجعية وحيدة لعملية السلام في الشرق الأوسط,, فبدلا من المرجعية التي على أساسها قبل العرب واسرائيل معا خوض غمار عملية السلام اثر مؤتمر مدريد الذي اصبح مصطلحا يتردد كلما جاء الحديث عن السلام، مبدأ ترتكز عليه كل خطوات واتفاقيات السلام وهو الارض مقابل السلام والذي يترجم قرارات مجلس الأمن الخاصة بمعالجة قضايا الشرق الأوسط، 242 و338 و425،ولهذا فإن تأكيد الدول العربية المتداخلة في العملية التفاوضية والدول العربية المساندة لمسيرة السلام، وكذلك الدول التي شاركت بمؤتمر مدريد ومنها الدولتان الراعيتان للمؤتمر، تؤكد في كل أحاديثها وخطواتها لاقرار سلام الشرق الأوسط، بأنه يتم استنادا لمرجعية مؤتمر مدريد.
إذن وبما أن عملية السلام انطلقت من خلال هذه المرجعية فإن المفترض ان تلتزم الدول المتداخلة بالعملية التفاوضية والدول الراعية لهذه العملية والدول المساندة لها، وان المسؤولية الأدبية والقانونية وحتى المادية تلزم هذه الدول بالدفاع عن هذه المرجعية مرجعية مؤتمر مدريد لضمان نجاح المسيرة السلمية، ولتحقيق الاحترام الواجب للمواثيق الدولية وبالذات قرارات مجلس الأمن الدولي، وصونا لمكانتها الدولية خاصة أنها قبلت بأن تكون راعية للسلام.
والآن وبعد كل السنوات الماضية منذ عقد مؤتمر مدريد، وبعد كل ما جرى من مفاوضات ومباحثات واتفاقيات ومن خلال ما شهدناه وتابعناه في شهر واحد ولا نريد العودة للأشهر الماضية إذ نحتاج الى مجلدات لاظهار معاكسة اسرائيل لهذا الالتزام الدولي الذي يعتبر قرارات مؤتمر مدريد المرجعية الأساسية للسلام، فإسرائيل من خلال المسارات التفاوضية الثلاث تعمل ودافعها شعورها المتغطرس بالتفوق العسكري على جعل مفهومها للسلام هو المرجعية الوحيدة التي على الآخرين التسليم بها.
مع سوريا لا تريد الالتزام بالعودة الى حدود الرابع من حزيران من عام 1967م عشية عدوانها على الدول العربية، رغم ان القرار 242 ينص على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
أما مع الفلسطينيين فقد ابتدع ايهود باراك الذي صفق العالم الغربي لنجاحه متوهمين سعيه للسلام، ابتدع لغة تفاوضية مع الفلسطينيين لا يستعملها سوى السيد مع عبده، وهي ان الاسرائيليين وحدهم الذين يقررون من أي الأراضي الفلسطينية سينسحبون,, والنسب التي يخرجون منها,,!
وعلى الفلسطينيين أن يقتنعوا بما يعطى لهم,, أما القراران 242 و338 فقد محيا من ذاكرة الاسرائيليين.
ومع اللبنانيين الأسلوب أفظع وأكثر وحشية، فمع ان القرار 425 يتحدث بوضوح عن انسحاب القوات الاسرائيلية المحتلة من جنوب لبنان والبقاع الغربي دون شروط، إلا أن الاسرائيليين يشنون اعتداءات يومية على المدنيين والمنشآت الحيوية ويحاربون حتى الصيادين في رزقهم بمنعهم حتى من صيد الأسماك، للضغط على لبنان للقبول بشروط اسرائيل للانسحاب من أرضهم.
هذه الخروق الفاضحة لمرجعية السلام والتجاوز الصارخ للقرارات الدولية وفرض عنجهية القوة لا نرى من يتجرأ ويفضحها حتى من الذين أوكلت لهم مهمة رعاية السلام، رغم ان هؤلاء الرعاة يسارعون الى شجب واستنكار شعب لبنان حينما يلجأ أبناؤه لمقاومة الاحتلال، أو حينما ينتفض أبناء فلسطين للمطالبة بحقوقهم,!
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
Jaser * Al-jazirah.com