الدراما السعودية بين التليفزيون والمسرح والمثقف محمد العثيم |
وصلت في الأسبوع قبل الماضي الى القول بإمكانية مصالحة بين المسرح والمجتمع من خلال دراما فاعلة تكون الطريق الى التعرف على المسرح لفئآت لم تعرف هذه الثقافة وبعضها يدعي انه من الارستقراطية الثقافية وكانت المشكلة ان البعض يبتعد متذرعا بمقام ادبي وهربا من موضوع لايعرفه,, لذلك تخلو قاعات الجنادرية للمسرح من متفرجين ممن يحتلون هرم الثقافة ويقتصر امر الحضور على مثقفين في مجال المسرح.
ولان الدراما مفهوم اقل من المسرح فهي الطريق للوصول الى فئات خجولة من مواجهة ثقافتها الناقصة,, وطريق الدراما هو التلفزيون,, والتلفزيون أداة البعيد والمكتئب والخجول يستطيع ان يطل منه بعيدا عن مطاردة عيون الناس والتداخل معهم بسلبية الى عالم العرض لكنه يفقد التشارك النفسي.
وكان التلفزيون حيلة كثيرين من اهل المسرح للخروج من عنق الزجاجة المسرحي بعضهم ممثلون وبعضهم فنيون في مجالات مختلفة.
المخرج عبدالخالق الغانم احد وجوه الثقافة السعودية في مجال المسرح وهو قبل ان يصير مخرجا في التلفزيون كان من قلة من المخرجين منسوبة للمسرح منذ حوالي اثنتي عشرة سنة قبل ان يتقدم الشباب السعودي لهذا الفن (الإخراج) وهو الآن نجم الإفطار الرمضاني من خلال فنه السينمائي حيث استطاع ان يخلق مشاهد لمت شتات طاش من ارتجاليات ومشاهد (بدون نص او حوار او مونتاج) لتصير عملا تلفزيونيا بإبهار سينمائي.
افكار بسيطة مما هو ملقى على قارعة الطريق السينمائي ومما تنشره الصحف ويعاد وأحيانا ببعض الممثلين وجيش من اعداد المتواجدين (الكومبارس) يخلق الغانم اجواءه السينمائية المبهرة مع اسراف في حيل كلاسيكية ومعروفة لكنها تمتع المشاهدين وتنقلهم الى تجلي المشاهدة من المسرح والاندهاش من صناعة السينما والاستجابة من طبيعة الآنية في التلفزيون.
من هذه الخامات المعروفة فرادى كان الغانم يجمع مشهد بعد الإفطار الرمضاني بكل صبر وأناءة متحملا الكثير من تجاوزات وتنظيرات كادر العمل الذي للغرابة يخرج عمله جماعيا وارتجاليا وتضيع منهم الحكاية والسرد كثيرا لأنهم يغرقون في تفاصيلهم الشخصية كما تفضح عنهن ذلك قصاصات المونتاج التي تسمى شيء لم تروه التي يلحقونها بالعمل بعد انتهائه .
وضع الغانم في توجيه طاش صعب لا يحسد عليه لأن بعض المشاركين في طاش لا يعرف إلا القشور الشعبية ويجزم أنه ينظر في كل الأمور الفنية فهو يعرف ارسطو والفعل الدرامي ويتصيد ما يسميه الكاريكتر من سوق الحراج,, على أساس انه معادل الشخصية بأبعادها وهو من أخطاء سوء الفهم.
عبدالخالق الغانم يضحي بالكثير ويتنازل,, وقد لا يقول وحسب معلوماتي الخاصة وأرجو ان تكون خاطئة يتبنى مفهوم ان المنتج دائما على حق,, ولكنه غير راض في أحيان كثيرة عن الحال بالعمل بدون حيث أنه أمام الكاميرة يرتجل الممثلون وعلى مصورهم ان يصور من الفكر العبقري المرتجل أما لقضية فنقد يتكفل به المقال الصحفي ودور عبدالخالق أن يعيد ويزيد ليجعل مشاهدة أقل تبعثرا وأحيانا يربط مجانينه بحيلة الأبنية والاعدادات السينمائية ليكون الأمر تحت يده.
ومن معرفتي فعبدالخالق رجل مسرح يعرف الفعل السردي وفعل الفعل وماهية الطقس المسرحي والذاكرة العاطفية واسقاط الفعل على الواقع وغيرها وهو رجل سينما مؤهل يستخدم من السينما اللقطة الواسعة وكثير من خدع الفيلم السينمائي والابهار,, ولا يدخل في بهرج المسرح مثل نجدة أنزور أو المتحدثين بقدر ما يتقن فن الحيل الكلاسيكية في المشهد وهو بذلك يضع الخارج ميدان عمله ويعتمد نفس أسلوب الاسراف السينمائي في الانتاج بواقعية تناسب المشهد,, لذلك فليت,, عبدالخالق يتجه بكليته لبدء نواة سينما درامية سعودية لأن هذا الفن لم يخلق أي تراكم وبقيت المحاولات التي تمت تدور في حلقة صغيرة من اجتهادات منسية.
والناس عندنا لا يعرفون إلا الشاشة فهم ينسون المخرج عبدالخالق الغانم ويذكرون ممثليه,, ينسون ما يعمله من ابداع وخدع تعلمها في دراسته ويركزون على الممثل الطرف الذي ينتج لنفسه وبذهنه شهرته لكن الحقيقة ان شعبية طاش ما طاش لا تنسب إلا لعبدالخالق الغانم.
وحتى لا يكبر الخطأ فالدراما السعودية بمعناها الكامل لم تر النور بعد فالاجتهادات كانت فردية ومبعثرة وليس لها تراكم يعطيها تاريخها الذي يؤدي الى نكهة تعتقها اجتماعيا,, بكلمات أخرى الدراما من شغل اهل الترف لا تكون دراما لأن المترفين لا يلمسون الوحل فما بالك بمن يغوص فيه,, وهم يريدون دراما نظيفة زجاجية الملامح أنيقة مثل بيوتهم وسياراتهم وملابسهم,, وتأتي عناصرنا الدرامية خارج نطاق الشرف الانساني في كثير من الأحيان في الوقوف والتأليب على فئات اجتماعية انسانية أو معوقة بدنيا أو عقليا لتجعلها في خانة المضحوك عليه لا ترحما بل استخفافا وتحت الاطار الكوميدي التيي أحيانا,, لكن الدراما قل ان تلمس بعض المحرمات الطبقية مثل رجال التجارة المستغلين,, والامور المشابهة ويترع المترفون برقابة وهمية حول أمور لا تقدم ولا تؤخر.
دراما التلفزيون لا يقوم بها في أغلبها ممثلون بل منتجون يفكرون تجاريا مثل بقية التجار الجشعين وهنا تخرج من اطارها لأنهم لا يترفعون بترفهم ولا يتخلون عنه لحساب العمل.
هذا لا يعني انه لم تكن هناك ملامح تمثيلية للممثلين في الظل لا يقدمهم التلفزيون إلا في قطاع ضيق في منظومة الاحتكار الانتاجي.
ان تلفزيوننا في برامجه الدرامية ينسى ممثليه ومسرحنا المحلي ويعطي الدراما في برامجه معلبا لجامعة الدول العربية ويشتري أعمالاً لمشككين بثقافتنا والمدعين بقدرة لهجتنا والمتبنين للهجات عربية وكأنها لهجات أمهاتهم.
الدراما من الأمة وللأمة وهي بقدر محليتها وملامستها لحياة الانسان في ميليو درامية بقدر ما تكون صحيحة وبعيدة عن الهجاء والمديح كما ترجمها في أوائل النقل العربي عن اليونان المترجم بن لوقا الانسان بأحزانه وأفراحه هو ملهم الدراما وليست الوجاهة والشياكة والتصوير بين الثلوج وفي القصور المنيفة.
|
|
|