نوافذ المختلف أميمة الخميس |
يروى (غابريل ماركيز) الروائي الكولومبي الشهير والحائز على نوبل في إحدى قصصه الخيالية القصيرة، حكاية مخلوق مجنح وقع من السماء في حظيرة أحد المزارعين,, والمخلوق على هيئة إنسان ولكن له أجنحة بيضاء طويلة, وهذه المخلوقات في الخيال الشعبي هي مخلوقات نورانية روحانية مطلقة، ولكن هذا المخلوق الخيالي عندما يسقط في هذه الحظيرة ويخرج من نطاقه الشفاف النائي، يتحول إلى محض مخلوق غريب ومختلف ينخزه الصبية بالعصي ويرمونه بقشور الثمار ليرون ردة فعله, وسبب سقوط هذا المخلوق لم يذكره الكاتب، ولكن صور لنا بقدرته الروائية المفعمة بالواقعية السحرية، كيف أن بني البشر قادرون على امتهان كل ما هو جميل ونادر فقط لذنب الاختلاف والغرابة, وكيف أن بعدهم البشري عاجز عن استيعاب كل ما هو خارج نطاقهم اليومي أو مأولوفهم العام!؟.
وقد نشرت قبل فترة صحيفة محلية خبراً مفاده بأن (حديقة الأنعام) في مدينة جدة قد جلبت من باكستان أطول امرأة في العالم وأقصر رجل في العالم لكي يكونا مادة لاستعراض يومي مدفوع الثمن!!؟.
والخبر بحد ذاته صادم ومفجع، لأن آفاقه الإنسانية ضحلة إن لم تكن معدومة، وتحمل امتهاناً ساخراً لكثير من القيم.
والسوق الاستهلاكية رحبة ومتسعة لكنها تحمل خصائص الغابة في الكثير من قسوتها وشراستها، ومن أبوابها الكثيرة يتجلى الشيطان في عدة صور فإن كان أقصر رجل في العالم وأطول امرأة في العالم قد قبرا جوهر كرامتهما الانسانية تحت إلحاح العوز والحاجة، فإن السوق الاستهلاكية لها شعوذاتها المتخصصة التي بإمكانها أن تحوّل كل شيء إلى ذهب حتى تلك النفحة الربانية المقدسة التي خص بها الله سبحانه وتعالى البشر دون البقية من خلقه!!؟.
وماذا تنتظر (حديقة الأنعام)؟,, هل سيحضر الآباء والأطفال ويشير الآباء اتجاه الرجل والمرأة,, ليقولوا: انظروا إلى الرجل القزم الذي يشبه,,,,، أو يا للهول انظروا إلى المرأة العملاقة التي تلتقط السمك من البحر ومن ثم ترفعه لتشويه فوق عين الشمس!!؟.
أي صورة,, أية رسالة,, سنقدمها لأطفالنا,, حين نخبرهم بطريقة غير مباشرة بأن كل ما هو مختلف وغريب ولا يشبهنا، لا يستحق سوى أن يكون قرداً في أقفاص الفرجة فقط؟.
|
|
|