جائزة الملك فيصل لها قيمة متميزة، ذلك أنها تحمل اسم ملك خدم أمته الإسلامية خدمة جُلى، فإذا كانت الجوائز تحمل اسم تاجر، أو مخترع، فإن هذه الجائزة تفضل غيرها بسمو من تنسب إليه، فالملك فيصل علم من أعلام الأمة الاسلامية، فحمل جائزته شرف لمن يحملها، لقد أسهم الفقيد في توحيد أرجاء المملكة فقاد الجيوش، وخاض المعارك، وأمن البلاد بحكمته، وعندما أصبح ملكاً للبلاد كان همه خدمة الأمة الإسلامية، فدعا إلى التضامن الإسلامي، والتقارب بين المسلمين، وقد وجد صدى طيباً لدعوته، ثم إن مواقف الملك فيصل مع اخوانه العرب تعد في مقدمة المواقف الداعمة للحق العربي، فله موقفان متميزان، الموقف الأول في سنة 1967م عندما أوقف النفط حتى يتضح الموقف في الحرب، وتلك جرأة لا يقدم عليها إلا عظماء الرجال، ذلك ان الغرب لا يتحرك إلا بالنفط، فقد خنقه النفط، وبطل فعل آلته، الموقف الثاني هو موقفه من حرب 1973م فقد دعمها بالمال بلا حدود، والمال عصب الحرب، فنجحت الحرب، وكانت الخطوة التي اتكأت عليها مصر في استرداد سيناء، وبعد وفاة الملك فيصل رحمه الله أنشأ ابناؤه هذه الجائزة لتكون ذكرى لهذا الملك العظيم، ومنذ سنتها الأولى وهي تأخذ طريقها إلى مستحقها بأمانة واخلاص، شاملة مجالات الابداع التي تسهم في تقدم الانسانية من خدمة العالم الإسلامي خاصة والعالم أجمع، فمنحت لعلماء الطب والباحثين في العلوم، وللنقاد والأدباء.
ففي هذا العالم شملت الجائزة في مجالها الأدبي والنقدي عالمين جليلين، هما الدكتور عبدالله الطيب، والدكتور عز الدين اسماعيل، فالدكتور عبدالله الطيب جدير بهذه الجائزة، فهو من أوائل العرب الذين جمعوا بين الثقافتين العربية والغربية، فقد درس في السودان، ثم درس في انجلترا، وتزوج انجليزية فعرف البيئة الغربية، واطلع على دقائق اللغة الانجليزية، وأصبح شاعراً معروفاً وناقداً مذكوراً، وأستاذاً جامعياً لامعاً في آخر النصف الأول من القرن العشرين.
ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وعلى مدى ستين عاماً وهو يؤلف ويحاضر ويقول الشعر وينفع الناس بأنماط المعرفة، لقد قال الشعر في أنماطه المختلفة، ومن تلك الأنماط تقليد الشعر الغربي، فتجاوز الأوزان، وصنع شعراً بدون قافية، وسار في هذا الطريق ثم تراجع عنه لأنه رأى أن الشعر ابن بيئته، فالشعر الذي لا يتوافر فيه الوزن، ولا توجد فيه القافية نما وترعرع في بيئة غربية فإذا نقل من بيئته نما نمواً ناقصاً، فمن يحاول صناعة الشعر الغربي فعليه أن يفهم ان القمح لا يثمر في تهامة وأن الذرة لا تثمر في الاسكيمو، فلكل بيئة شعرها، وقد انصرف إلى صناعة الشعر العربي بقواعده المعروفة من حسن المطلع، والتقيد بالوزن والقافية، وانتقاء الكلمات الملائمة لاذن العربي، من مثل قوله:
رنا قلبي إلى روض غريب وغابات كأستار الغيوب . |
وقد سبق شوقي الدكتور عبدالله الطيب، فشوقي درس في فرنسا واطلع على الادب الفرنسي ثم عاد إلى مصر، فكان اختياره الشعر العربي بأنماطه المعروفة من الالتزام بالوزن والقافية، ثم أقام شوقي في أسبانيا أربع سنوات، واطلع على الشعر الأسباني، ولكنه التزم بقواعد الشعر العربي، ولم يحد عنها, ولعبدالله الطيب اطلاع على نصوص الأدب العربي القديم، أتاح له معرفة غريبه وشرحه وتقريبه لمن أراد الاطلاع على عيون الشعر العربي، فالدكتور عبدالله الطيب بذل جهداً طيباً في تذليل الطرق الموصلة إلى شعرنا العربي القديم، فاستحقاقه لجائزة الملك فيصل جاء تقديراً لجهوده في خدمة اللغة العربية, والدكتور عز الدين اسماعيل واحد من علماء أرض الكنانة فهو ينضم إلى من نال هذه الجائزة من أمثال الدكتور عضيمة والدكتورة عائشة عبدالرحمن، ويدخل الأزهر الشريف في هذا العام، لينال جائزة خدمة الإسلام، والدكتور عز الدين اسماعيل من أوائل النقاد العرب الذين توجهوا إلى الشعر العربي الحديث والمعاصر بالدراسة والتحليل، من أمثال نازك الملائكة في كتابها قضايا الشعر المعاصر والدكتور محمد النويهي في كتابه قضية الشعر الجديد والأستاذ عز الدين الأمين في كتابه الشعر المتجدد والأستاذ جليل كمال الدين في كتابه الشعر العربي المعاصر وروح العصر وهو وإن كان واحداً من هؤلاء إلا أنه تميز بجمال عرضه للنواحي الفنية في الشعر المعاصر، مثل عرضه للتشكيل الموسيقي، وتشكيل الصورة ومعمارية الشعر المعاصر، وغيرها فهو جدير بجائزة الملك فيصل، لتقدمه في خدمة النقد العربي المعاصر.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل