Wednesday 23rd February,2000 G No.10009الطبعة الاولى الاربعاء 17 ,ذو القعدة 1420 العدد 10009



منعطفات
لماذا يتصرف ياسر هكذا؟
د, فهد سعود اليحيا

يكبر الطفل الوليد، يبتسم، يضحك، ينقلب ،يحبو، يدرج، ويبدأ في الكلام, يركض هنا وهناك، يلعب، يضحك، يشتكي، يبكي، يغضب، أحياناً ترتفع درجة حرارته، وأياما يلم به السعال, طفل مثل كل الاطفال, وفجأة، وعادةً قبل اتمامه العام الثالث من عمره، تتدهور قدرته علىالكلام، وتُختصر حصيلته اللغوية إلى بضع كلمات, قد يزعق أحياناً ويصدر اصواتاً غريبة، ويقهقه تارة أخرى, وقد يقوم بحركات غريبة بيديه, ويبتعد عن الاطفال، ويتشبث بمتابعة التلفزيون ساعات وساعات، ويريد دائماً نوعاً معيناً من البسكويت أو الشكولاته.
ويكون بين أخوته كنهر متفرد يشق طريقه وحيداً وبعيداً, يرعبه الاندماج مع الآخرين، ويكاد يرى أن عناق أمه له وكأنه نوع من الخنق, إنه يتقوقع داخل ذاته، ينعزل عن المحيط ليتقوقع في مداره الخاص, ويغدو وحيداً وسط الجميع, لايفهم لماذا الآخرون هكذا، ولايفهم الآخرون صغاراً وكباراً لم هو هكذا, ببساطة هو متوحد بذاته، أو إن شئتم هو طفل توحدي, الله كم هي قاسية هذه الكلمة على الوالدين, وكم هي قسوة الا يشعر بك الآخرون وتتهدم الجسور بينك وبينهم وتُسد السبل التي تصلك بهم.
في السنوات الأخيرة تزايد الحديث في صحفنا ووسائل إعلامنا عن اضطراب التوحد ومعاناة الطفل التوحدي, وظهرت على استحياء مراكز تطوعية وخيرية وربحية تنقش على الصخر، وتكابد الصعاب لمساعدة الطفل التوحدي, وظهرت بعض الفصول الدراسية في المدارس لتعليم الأطفال التوحديين بل وظهرت مدارس خاصة بهم, فهل التوحد نبت شيطاني ظهر فجأة؟ وهل هو اضطراب جديد على البشرية مثل الإيدز و الإيبيولا ؟ لا ليس جديداً! كل مافي الأمر أن الوعي بين الأهل وبين المختصين على السواء قد ازداد فكثرت حالات تشخيصه , ويقدر انتشار التوحد عالمياً بوجود من طفلين إلى خمسة أطفال توحديين بين كل عشرة آلاف طفل دون سن الثانية عشرة, وعلى ذلك فهو يعتبر من الاضطرابات قليلة الانتشار ولكن ظهوره لدى طفل مايؤثر سلباً بشكل قوي على والديه, وللقارئ أن يتخيل أي رد فعل نفسي ابتداءً من الإحباط وفقد الرجاء والقلق والسلبية والاستسلام أو الصلابة والبحث وبذل الجهد والدأب والمحاولة, وهذا مافعله ياسر حتى غدا معروفاً لدى كل كبار المهتمين باضطراب التوحد من المختصين, وعندما كان ياسر يسأل ويناقش ويقدم مداخلاته حول التوحد في مؤتمر الكويت الأخير حول التوحد كان البعض يناديه بقولهم: د,ياسر, فكان يرد بهدوء أنا لست ُ دكتوراً ولاطبيباً, أنا أب لطفل توحدي.
ياسر الفهد موظف في الخطوط السعودية وفي قسم التموين أو التسويق على ما أظن, رزقه الله بطفل توحدي, لعله في البدء انزعج وابتأس وعصفت به شتى انواع المشاعر, ولكنه في النهاية لم يجد له طريقاً إلا أن يتقدم, في دورة تدريبية في بريطانيا قدم مشروعاً مذهلاً عن وجبات خاصة تقدم للمسافرين من الاطفال التوحديين وتبنت السعودية مشروعه فاصبحت اول خطوط جوية في العالم تقدم هذه الخدمة, وقام ياسر بترجمة كتاب صغير بعنوان لماذا يتصرف طارق هكذا وقام مركز الكويت للتوحد بنشره, كتاب بسيط في لغته، سهل في أفكاره يأخذ بيد القارىء في رحلة ممتعة لفهم عالم الطفل التوحدي، ويعطيه المفاتيح للتعامل معه.
ولياسر ثلاثة كتب مترجمة تحت الطبع حول التوحد والطفل التوحدي, وفي مؤتمر الكويت طلب منه اثنان أن يقوم بترجمة كتابيهما وتنازلا له عن حقوق الملكية, ليس حباً في ياسر ولكن تقديراً لجهوده, والآن يعمل بكل جهده مع مجموعة صغيرة تعمل على إنشاء مركز متميز للتوحد في الرياض.
وفي مؤتمر الكويت كان هناك البعض من الأمهات والآباء يتابعون كل جديد عن التوحد بعكس آخرين لايملكون سوى اللعب لاطفالهم ويحاولون قدر استطاعتهم تقديم الرعاية والحنان لهم, قد يكون ياسر واولئك الاباء ذوي تركيبة نفسية مختلفة، ويملكون عزيمة من حديد، لكن من المؤكد أن كثيراً من الآباء والامهات تركوا لينغلقوا على ذواتهم يلعقون جراحهم ويجترون معاناتهم.
الطفل التوحدي ليس بحاجة إلى عملية جراحية قد تكلف بضعة العشرات من الآلاف، أو إلى دواء باهظ الثمن يتناوله بضعة اشهر,
بل هو بحاجة إلى برنامج علاجي تربوي تعليمي مستمر ينمي قدراته اللغوية ويطور مهاراته الاجتماعية ويعيد تأهيله فاعلاً بشكل ما في الحياة.
ليس هذا فحسب ، بل ان أسرته بحاجة إلى تنوير ووعي ودعم نفسي ومعنوي, كما أن المجتمع بمؤسساته المختلفة يتوجب عليه تفهم احتياجات الطفل التوحدي واسرته والتعان معهم.
هل تمد يدك إلى ياسر وصحبه أينما كانوا في انحاء المملكة؟ لا شك انك فاعل!
* لابد من التنبيه هنا إلى أمرين: الأول: أن تشخيص التوحد قد تحول إلى نوع من الحمى لدى بعض المختصين فأكثر من إطلاق التشخيص دون مسوغ علمي, والثاني، ان بعض المراكز أو المدارس تحول إلى وسيلة لاستنزاف جيوب الأهل دون تقديم خدمة حقيقية مدروسة, وهذا حال البشر.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved