الى وقت قريب لم يكن استخدام الحاسب الآلي الا في بعض الأعمال القليلة والمحدودة وخلال العقود الثلاثة الماضية أو العقدين الماضيين توسع استخدام الحاسب الآلي بشكل فاق كل التوقعات وخاصة في المجالات المالية والمحاسبية والإدارية ومجالات الإنتاج وغيرها من المجالات المتعددة . واختفت تماماً أو كادت بعض الاصطلاحات المحاسبية الشائعة والتي استمر تداولها عشرات السنين مثل مسك الدفاتر او النظام الإيطالي او النظام الإنجليزي او الفرنسي او الأمريكي ودفاتر الأستاذ المساعد الخ وبعد أن كان المحاسب يمسك الدفاتر اصبح يلمس مجموعة من المفاتيح في لوحة موضوعة أمامه واختفت الدفاتر التقليدية ذات الحجم الكبير التي كانت أحياناً بحجم الطاولة التي يجلس عليها !! وأصبحت دفاتر اليومية المركزية او اليومية العامة ودفاتر اليوميات المساعدة وغيرها من الدفاتر ذات الأحجام والأشكال المختلفة جزءا من التراث المحاسبي . واصبح طالب المحاسبة الآن في حالات كثيرة لا يكترث كثيرا لهذه المسميات على اعتبار انه لن يحتاج اليها في حياته العملية وقد ينظر إليها بشيء من الدهشة والاستغراب وقد يرثى لحال المحاسبين من الأجيال القديمة وبعضهم في خريف العمر يلهث لمواكبة التطور الهائل والبعض الآخر ربما ترك مجال المحاسبة بعد عشرات السنين من مزاولة المهنة بكفاءة وجدارة ليعمل في مجال آخر ليتفادى سخرية الصغار كما قد يرى )!(. هذا إن لم يكن قد أدرك مؤخراً ما لم يكن متاحاً عندما بدأ تعلم المحاسبة قبل ثلاثين سنة الا كأفلام الخيال العلمي (النظري). وأصبح لزاماً على القانونيين ان يواكبوا التطور ويعدلوا ويلغوا بعض مواد القانون ذات الصلة بالمحاسبية والدفاتر وأشكالها . وربما أصبحت العلاقة ( الشكلية) بين المحاسبة والقانون في انكماش مستمر ان لم تكن قد تلاشت فعلاً .ومع ذلك لو أننا قمنا بعمل استبيان بسيط حول مدى الاستفادة من هذه الأنظمة المتطورة والمتسارعة وتقييم العائد منها على أصحاب المنشآت سنجد ان الإجابة تقتصر على مجالات محصورة مثل أعمال الطباعة المختلفة (كالفواتير والاستمارات) إضافة إلى بعض التقارير المستخرجة من النظام. والملاحظ أيضا أن مجالات الاستفادة العملية من هذه التقارير محصورة على أعمال التدقيق والمراجعة والتحقق من البيانات المدخلة في الحاسب الآلي إلا ما ندر. وهنا لنا وقفة لندعو إلى الارتقاء في استخدامات أنظمة الحاسب الآلي للحصول منها على بيانات تحليلية واحصائية متعددة تعين على اتخاذ القرار. وتحويل المعلومات الصماء لهذه الهيئات والمنظمات والشركات إلى أشكال أخرى تجعلها مساندة بصفة أساسية وموجِهة لقرارات الشركة التي تعني بقاءها من عدمه في ظل المنافسة التي تفرضها طبيعة الاسواق في العصر الحديث. وكذلك الاستفادة من النتائج التاريخية والحالية وهذا الكم الهائل من الخبرات المخزنة على اقراص الاجهزة والتي لا تعني شيئاً ما لم يتم الاستفادة منها كما ذكرنا. فليس المطلوب الحصول مثلاً على تقرير عن المبيعات ليتم التأكد من ان إجمالي المبيعات مطابق للرقم الموجود في الحسابات ولكن المطلوب ان يحتوي تقرير المبيعات على معلومات ونسب تساعد على اتخاذ قرار لزيادة الإنتاج او تخفيضه او عمل حملات تسويقية لبعض المنتجات. أي اتخاذ قرارات مبنية علي معلومات دقيقة بحيث تكون الرؤية المستقبلية ليست ضربة حظ بل واقعاً تفرضه الأرقام التاريخية بثقة وجدارة. الجدير بالذكر أن الاستثمار في مثل هذه الأنظمة التي توفر هذا المستوى من المعلومات مجدٍ تماماً. ومن الممكن تعويض الاستثمار بالكامل أو الجزء الأكبر منه عند الاستفادة من قرار واحد اعتمد على المعلومات التي تقدمها هذه الأنظمة. وتوجد الآن أنظمة متخصصة في إعطاء مثل هذه المعلومات بشكل مستقل عن النظام المستخدم في إدخال البيانات تسمى أنظمة دعم القرار Decision Support Systems والتي تستطيع قراءة البيانات المخزنة التي يتم تجميعها من الأنظمة التقليدية وتحليلها وإصدار نتائج وتقارير بمختلف الأشكال وطرق التحليل العديدة . ومما ذكرناه بإيجاز نصل الى ضرورة تسليط الضوء على هذه النظم الفائقة الإمكانيات والقدرات وضرورة النظر إليها من زاوية مختلفة. فعلى مديري الشركات والمؤسسات والمسؤولين فيها أن يوجهوا لانفسهم هذا السؤل هل أنظمتنا المطبقة لدينا تعيننا فعلاً على اتخاذ القرارات الهامة أم لا ؟
* العضو المنتدب والمدير العام لشركة حاسب
waqafat*hasib.com.sa