Tuesday 22nd February,2000 G No.10008الطبعة الاولى الثلاثاء 16 ,ذو القعدة 1420 العدد 10008



المآل المتوقع لأسواق النفط العالمي
مفرج بن سعد الحقباني *

تشهد أسواق النفط العالمية في هذه الأيام نقاشات حادة ذات أبعاد وأغراض متباعدة وربما متناقضة في معظم الأحيان حول مستقبل أسواق النفط العالمية في ظل ما تشهده أسعار النفط من ارتفاع تدريجي منذ منتصف العام الميلادي المنصرم, وعلى الرغم من أن السعر السائد في الوقت الحاضر لا يتجاوز كثيراً الأسعار المسجلة في بداية السبعينيات إذا تم الأخذ في الاعتبار معدلات التضخم السائدة، إلا أن الكثير من المحللين والمهتمين بالشؤون النفطية يرون أن مثل هذا الارتفاع قد يصيب الدول المستهلكة للنفط بالذعر الشديد خاصة تلك التي تعتمد على النفط المستورد كمصدر رئيس للطاقة, وحتى نستطيع تصور واقع ومستقبل أسواق النفط في ظل هذه المستجدات فإن من الأولى مناقشة الاسباب التي أدت إلى الارتفاع الحالي في الأسعار وأهمية ذلك لصناعة النفط العالمية ومن ثم نناقش المستقبل المتوقع للأسواق النفطية في ظل ما استجد من متغيرات.
قد لا يختلف الكثير على أهم الأسباب التي نقلت الأسعار النفطية من حالة الهبوط الحاد في بداية ومنتصف عام 1998م إلى حالة الارتفاع التدريجي في عام 1999م والتي يأتي في مقدمتها:
1 الصعوبات الاقتصادية الشديدة التي واجهتها الدول المنتجة للنفط مما أثر كثيراً على اتجاهات التنمية في تلك الدول وقاد الكثير إلى اللجوء إلى الاستدانة من الغير كمحاولة منها للوفاء بمتطلبات التنمية الضرورية, وإذا أخذنا في الاعتبار اعتماد معظم الدول المنتجة للنفط على النفط كمصدر رئيس للدخل، فإننا نستطيع القول بأن هذه الدول لم تجد أمامها سوى اللجوء إلى التنسيق الجماعي لتصحيح الاختلال في أسواق النفط العالمية وهذا بدوره قاد كبار الدول المنتجة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية إلى التحرك الدولي لردم صفوف المنتجين في مواجهة الانهيار الكبير للأسعار النفطية.
2 معدلات البرد العالية التي سجلت في معظم الدول المستهلكة للنفط مما زاد من الطلب العالمي على النفط كمصدر رئيس للتدفئة.
3 تحسن الأوضاع الاقتصادية في الدول الآسيوية التي تعرضت لأزمة اقتصادية شديدة في العامين السابقين مما زاد من طلب هذه الدول على النفط، وإذا أخذنا في الاعتبار التقديرات التي تقول بارتفاع مرونة الطلب الدخلية على النفط فإن ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي أو تحسنها في هذه الدول قد ساهم من دون شك في زيادة الطلب العالمي على النفط.
4 الصعوبات المالية الشديدة التي واجهتها الشركات الأمريكية المنتجة للنفط داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لانخفاض أسعار النفط خلال العام الميلادي 1998م مما أدى إلى إضعاف موقفها المالي ومقدرتها الاستثمارية وساهم في تدنية أسعار أسهمها في الأسواق المالية العالمية, وهذا بدوره قاد تلك الشركات إلى الضغط على الحكومة الأمريكية للتدخل في الأسواق العالمية للنفط من أجل تهيئة الظروف السياسية والاقتصادية الملائمة لتصحيح الخلل الكائن.
5 ان انخفاض الأسعار النفطية يمنح الدول الصناعية المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية ميزة نسبية خاصة تلك التي تعتمد على النفط المستورد كمصدر رئيس للطاقة مما ادى إلى ضرورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإجراءات مرئية وغير مرئية لتصحيح الخلل كمحاولة للمحافظة على استقرار ميزانها التجاري وعملتها الرسمية.
6 حالات التقارب والتحسن في العلاقات السياسية بين الدول الأعضاء في المنظمة خاصة وفي مقدمة ذلك التحسن في العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية مما أدى إلى سهولة التنسيق بين السياسات النفطية لتلك الدول وساهم في القضاء على تعارض الأهداف الاقتصادية والسياسية.
7 إن تماسك الدول المنتجة للنفط وتقيدها المرتفع نسبياً بالحصص الإنتاجية قد ساهم في التأثير على سيكولوجية المضاربين في الأسواق النفطية وشجع على دعم القناعة بالارتفاع المستقبلي في الأسعار والذي بدوره دفع بالمضاربين والمستهلكين إلى زيادة الطلب في الوقت الحاضر لتلافي أو للاستفادة من الزيادة المستقبلية في الأسعار.
ومن هذا المنطلق نجد أن العوامل الاقتصادية والبيئية والسياسية قد لعبت في صالح الدول المنتجة للنفط مما مكنها من الحصول وليس فرض السعر الذي يعتبر معقولاً في نظر الكثير من المحللين كما أفاد بذلك معالي وزير النفط السعودي خلال الكلمة التي ألقاها في الندوة التي عقدت عن الطاقة في العاصمة اليابانية طوكيو.
ولكن ما هو مستقبل هذه الأسواق وما هو مستقبل الأسعار النفطية؟ وهل تستطيع الدول المنتجة للنفط المحافظة على تماسكها المستقبلي؟ وهل تبقى المتغيرات السياسية تلعب في صالح الدول المنتجة للنفط؟ وما الذي حدث في هذه الأيام حتى ترتفع الأصوات مرة أخرى محذرة من اثر هذا الارتفاع في الأسعار على مستقبل النمو الاقتصادي العالمي داعية إلى ضرورة التدخل للحد من او لمنع أي ارتفاع مستقبلي؟
أعتقد أن هنالك ثمة عوامل قد تلعب في غير صالح الدول المنتجة للنفط خاصة تلك الدول التي تعتمد على تصدير النفط الخام ومن أهم هذه العوامل:
1 التحسن في عوامل البيئة لصالح الدول المستهلكة للنفط مما سيؤدي إلى نقصان الطلب على النفط.
2 قرب الموعد المحدد لانتهاء العمل بالتخفيضات الإنتاجية المتفق عليها بين الدول المصدرة للنفط من داخل وخارج المنظمة والذي قد يدفع ببعض الدول المنتجة إلى استغلال الواقع وضخ كميات كبيرة من النفط للاستفادة من السعر المرتفع في الوقت الحاضر, وإذا تحقق ذلك من بعض المنتجين المؤثرين فإن من المتوقع أن تعاود الأسعار انخفاضها.
3 إن فشل أو توقع فشل المنظمة في تمديد العمل بالسقف الإنتاجي المتفق عليه حالياً قد يدفع بالمضارين والمستهلكين في الوقت الحاضر إلى خفض طلبهم على النفط كمحاولة للاستفادة من السعر المنخفض في المستقبل, كما أن توقع الانخفاض المستقبلي قد يدفع بالمضاربين والمستهلكين إلى إعادة بيع ما تم شراؤه في الماضي كمحاولة للاستفادة من السعر المرتفع في الوقت الحاضر.
4 التغير المتوقع في العوامل السياسية لغير صالح الدول المصدرة للنفط خاصة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث من المتوقع أن يتسابق المرشحون إلى تلمس معاناة الأسر الأمريكية بما فيها معاناتهم من فواتير الطاقة المرتفعة, ولعل التحذيرات الأمريكية باللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي التي بدأت تلوح في الأفق خير دليل على تبدل المواقف تبعاً لتبدل المصالح السياسية.
وعليه فإن المتوقع ان تبدأ الدول المصدرة للنفط مرحلة جديدة من المقاومة للضغوط الاقتصادية والسياسية وعليها إن هي أرادت أن تحافظ على موقفها القوي والمؤثر في الأسواق النفطية أن تعمل من الآن على عكس توقعات المضاربين والمستهلكين من خلال إقرارها لتمديد العمل بالتخفيضات لعام مالي قادم وفي وقت سريع قبل أن تبدأ القناعات بالتبدل وقبل أن تبدأ مرحلة الانهيار التي ستكون بلا شك متسارعة خاصة بعد أن يلمس العالم تفككاً في الموقف أو انخفاضاً ملحوظاً في الأسعار, وهنا نشير إلى أن تمديد العمل بالسقف الإنتاجي الحالي لن يكون خطيراً على التوازن في الأسواق النفطية ولن يكون مؤثراً على المخازن الاستراتيجية العالمية خاصة إذا علمنا بان الطلب العالمي على النفط سينخفض نتيجة لتبدل العوامل البيئية ونتيجة لانخفاض حصة النفط في إجمالي مصادر الطاقة وفي إجمالي التجارة العالمية كما تفيد بذلك التقديرات الإحصائية العالمية.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

منوعـات

لقاء

نوافذ تسويقية

ملحق تكنولوجيا المعلومات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved