عندما جاء الملك عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة وقرر أن يبني وطنا عصرياً لم يجانبه الصواب فقد رأى أن يكون التعليم ، والتربية في أساسه، هو الوسيلة الفاعلة والناجحة لبناء الوطن إنساناً وعمراناً وكياناً,
ولقد كانت صورة الوطن )المعاصر( واضحةً في بصر وبصيرة المؤسس, فهو اراد وطناً يعتمد على الجذور الفكرية الثابتة، وينطلق لذلك من المناهل الفكرية الصافية من )القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة السلف الصالح(,, هذا الوطن المتمسك بالأصالة لابد وان يأخذ )بأساليب العصر(,, لقد قرر الملك عبد العزيز باختصار ان يعيد )مجد الإسلام( فقد كانت هذه العبارة )الأسوة برسول الله والسلف الصالح( تتردد على لسانه في احاديثه وخطبه وتوجيهاته,
ومرة اخرى باختصار قرر أن يبني وطناً جديداً ليعيد مجد )الحضارة الإسلامية(,
لقد صدر التوجيه الملكي بانشاء مديرية المعارف عام 1344ه )لنشر العلوم والمعارف والصنايع مع دقة العناية بأصول الدين(,
وهكذا نتلمس في هذا التوجيه ما كان يخطط له الملك,, اراد ان ينشر العلوم,, والمعارف,, والصنايع واراد ان يزاوج بين )النظري( و)التطبيقي( انه بهذا كان كما عرفناه من سيرته واعماله متمسكاً بالدين وآثار السلف، ومع هذا يعيش العصر بكل جديده وحديثه وتطلعاته، وينظر إلى المستقبل بأمل وثقة في النفس لاتخاف المجهول ولا ترهب المغامرة فأوكل الاشراف والمتابعة على هذا المرفق الهام إلى ابنه جلالة الملك فيصل الذي كان نائبا لجلالة الملك )والده( في الحجاز,, وفي هذا اشارة الى حرص الملك عبدالعزيز على سلامة سير التربية والتعليم في بلاده وعلى اعطاء هذا المجال حقه من الدعم والمساندة والتأييد,
اشتهر الملك عبدالعزيز بسداد الرأي ونفاذ البصيرة,, وكان يتعامل مع أبناء شعبه بروح الأبوة ولذلك عندما أسس مديرية المعارف العامة كلفها في البداية بفتح المدارس المختلفة في الحجاز,, وكان تحديد الحيز الجغرافي لمسؤولية المديرية الناشئة نابعاً من إدراك الملك رحمه الله بأن اهل الحجاز ألفوا نوعاً من المدارس البدائية ولا أقول الابتدائية ولكن تلك المدارس التي كانت اشبه بالكتاتيب قدمت لأهل مكة والمدينة وجدة والطائف فكرة التعليم النظامي, وهكذا سارت الأمور ما يقارب عشر سنوات حيث صدرت اوامر الملك المؤسس بتعميم التعليم وان تكون المديرية مسؤولة عن التعليم في ارجاء المملكة الواسعة,
انتشرت المدارس في انحاء المملكة وكانت أول عقبة تواجه التعليم هي توفير المدرس الكفء,, وسارت الامور في هذا المجال على ثلاثة خطوط متوازية,, كانت التعليمات واضحة وصريحة: تفتح المدارس، ويشجع الناس على الحاق ابنائهم بالتعليم، وتذلل كل الصعاب ولذلك تقرر:
)1( انشاء المعهد العلمي السعودي لاعداد المعلمين للمرحلة الابتدائية,, وكان اول مؤسسة تعليمية ثانوية تنشأ بالمملكة,, ولأول مرة تقرر للطلاب مكافآت شهرية تساعدهم على مواصلة الدراسة، وتقرر ايضا مع المكافآت مساعدات للطلاب المتزوجين تعينهم على القيام بواجباتهم الاسرية,
)2( ابتعاث من يرغب وفيه الكفاءة للدراسات العليا والجامعية خارج البلاد,
)3( الاستعانة بمدرسين من مصر والبلاد العربية للمساهمة في نشر التعليم وحتى تتمكن البلاد من سدّ احتياجاتها من المدرسين السعوديين انشئت مدرسة تحضير البعثات وهي أول مدرسة ثانوية )بالمفهوم الحديث( وكانت مهمتها اعداد طلاب مؤهلين للدراسات الجامعية خارج المملكة, وبدأت الدراسة بالقسم العلمي فيها عام 1356ه وغادر أول الخريجين للدراسة في مصر وودعهم مدير المدرسة السيد احمد العربي بقصيدة نقتبس منها:
خففي السير ياعروس الحجاز وارفقي في سراك بالأسفار إنما تحملين آمال جيلٍ زاهيات كأنضر الأزهار انما يُنهض البلاد بنوها وبهم تستعيد كل فخار وبنوها لاينهضون بغير العلم والعلم أثمن الأزهار فلقد مهد السبيل إلى النهضة )عبد العزيز( فخر نزار |
ومحاولة جادة من الملك المؤسس لنشر التعليم، وتجاوباً منه مع مواطنيه حيث كان بعضهم لم يقتنع بجدوى التعليم النظامي , بل إن هذا البعض كان ينظر الى التعليم الحديث بأنه يقدم دروساً لاتنفع بادر الملك بفتح مدرسة دار التوحيد في الطائف,, وكانت مهمتها إعداد طلاب يصلحون في المستقبل لدراسة الشريعة والعمل في مجال القضاء وكان ذلك عام 1364ه,
وفي عام 1369ه أمر الملك عبدالعزيز بانشاء كلية الشريعة في مكة المكرمة لتستقبل الخريجين من مدرسة دار التوحيد ومن المعهد العلمي السعودي وبهذا انشأ رحمه الله أول مؤسسة تعليمية عليا في البلاد,
وقد مثّلت هذه الكلية فتحاً جديداً في مسيرة التعليم، حيث تبعها انشاء كلية للشريعة بالرياض,
لقد كان الملك عبدالعزيز حريصاً على نشر التعليم وان يكون في متناول الجميع,, وكان يقوم بزيارة المدارس عندما يتجول في ارجاء بلاده فكما زار المدارس في مكة المكرمة واستقبل خريجي المعهد العلمي السعودي في قصره بمكة فقد زار مدارس في القصيم وكان يستقبل طلاب مدرسة التوحيد في قصره الصيفي بالحوية، احدى ضواحي الطائف,
وهكذا كان الملك في التفكير والتخطيط والتنفيذ والنتائج يسعى الى إقامة وطن معاصر يستطيع ان يعيد )مجد الاسلام(,
في الاسبوع القادم خادم الحرمين الشريفين وبناء الإنسان ,