ان السلام العالمي والدائم لايمكن اقامته الا على اساس من العدالة الاجتماعية ,, من هذا الشعار الذي تعمل من خلاله منظمة العمل الدولية انطلق معارضو مؤتمر سياتل في ديسمبر اواخر العام الماضي وكان شعارهم الذي رفعوه هو الناس قبل الارباح ورغم فشل المؤتمر لاسباب بعيدة عن الشعارات الانسانية التي رفعها ناشطو منظمات الدفاع عن حماية البيئة وبعض النقابات، الا ان صدى هذه الشعارات وجد تجاوبا دوليا بفضل الاستخدام الامثل لوسائل الاتصال الحديثة وكيفية ادارة التقنية المتطورة مما اضطر الرئيس الامريكي للاعتراف ببعض شعارات المتظاهرين الخاصة بالمطالبة بادارج معايير العمالة وحماية البيئة.
لقد تمحورت مطالب المتظاهرين ضد انعقاد المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية حول الخوف من بعد هذه المنظمة الدولية للمضامين الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بظروف العمل وعقوده وتركيز المنظمة على القضايا التجارية البحتة، وهو الامر الذي يشكل قلقا دائما للمدافعين عن حقوق الانسان والمطالبين بفرض شروط العدالة الاجتماعية.
وعلى الرغم من ان تلك الشعارات كانت قد انطلقت من الشوارع المحيطة بقاعات المؤتمر في مدينة سياتل الامريكية وتعرضت اليافطات للتمزيق والمصادرة الا انها شكلت اضاءة في طريق دول الجنوب ( الدول النامية) التي لاحول لها ولاقوة في فرض النظام العالمي الجديدة وآلياته البعيدة كل البعد عن الجوانب الاجتماعية والحفاظ على البيئة والتي تعمل فقط من اجل الحفاظ على مكاسب الشركات العملاقة العابرة للقارات والتمهيد لانسياب بضائعها داخل اسواق دول الجنوب ووضع تشريعات وانظمة لحمايتها.
ان فشل المؤتمر كان بسبب الخلاف الشديد حول موضوعي الخدمات والزراعية بين الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى الى تحقيق وازالة دعم صادرات المنتجات الزراعية وبين دول الاتحاد الاوربي واليابان كونهما من اكثر الدول الداعمة للصادرات الزراعية وهذا الفشل من شأنه ان يكون فرصة لدول الجنوب كي تنسق فيما بينها، وقد كان لي مقال سابق يتطرق لدعوة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي لزيادة التنسيق فيما بينهم، والاتفاق على طرح وجهة نظر تتوافق ومصالح دولهم ومصالح شعوبهم وتوحيد جهودهم للتأثير بقدر الامكان على القرارات التي تصدر من جولات المفاوضات القادمة على ان تراعي الدقة والموضوعية في الطرح وتبتعد عن المبالغة والمغالاة وبمعرفة تامة بامكانات دولنا وفق حجمها وثقلها الطبيعي.
ان المتتبع لجولات المفاوضات واجتماعات جنيف التحضيرية لمؤتمر سياتل يفاجأ بعدم الاهتمام والاكتراث من قبل بعض دول العالم النامي التي لم يصدر عنها اي رد فعل او اهتمام بنتائج اجتماعات المجلس العام للمنظمة وربما مبعث ذلك عدم ادراك النتائج المؤثرة على اقتصاديات الدول النامية في المستقبل.
ان 136 دولة عضو في منظمة التجارة العالمية اغلبهم من الدول النامية عليهم يقع عبء توحيد جهودهم والعمل على ايجاد ارضية مشتركة تشكل مبادىء عامة يتم الالتزام بها ادبيا.
ان الدول الصناعية الكبرى، تسعى بكل ثقلها لحماية مصالحها وهو الامر الطبيعي عليه فان من حق الدول الاخرى ايضا العمل بالمثل وتستخدم حقها المشروع لحماية مصالحها وفق قنوات وآليات المنظمة وان تدافع عن منتجاتها وحمايتها من المنافسة غير المتكافئة، والعمل على ايجاد صيغ جديدة تكون من العدالة انصاف دول العالم النامي ومراعاة أوضاعه الاقتصادية البسيطة وغير المستقرة التي تنعكس على الوضع الاجتماعي وتسبب مزيدا من البطالة والفقر والتشرد وتوجد اوضاعا سياسية غير مستقرة تساعد على خلخلة الامن والاستقرار وتمتد خارج اقطارها الرئيسية لتؤثر على دول اكثر أمنا واستقرارا مما يتعارض مع ابرز المبادىء العاملة للنظام العالمي الجديد الذي يعمل على استتباب الامن والاستقرار في العالم على الاقل من حيث النوايا المعلنة.
بندر بن فهد آل فهيد