المال زينة الحياة الدنيا، وقد أنعم الله سبحانه على الكثيرين في عالمنا العربي والإسلامي بأموال وفيرة تزيد عن حاجتهم، وهم غالباً ما يرغبون أن يعرفوا كيف يحافظون عليها، ويحارون في اختيار السبل لتنميتها.
خصوصاً وان الاهتمام باستثمار الأموال قد زاد كثيراً في أيامنا هذه، وشغل الكبير والصغير، فلا يكاد ينعقد مجلس إلا ويتطرق الحديث فيه إلى الاستثمارات.
فنرى بعض الناس يمدحون العقار، ويحضون عليه وآخرون يرغبون في الأسهم ويزينون شرائها وفئة ثالثة تُطري التحف ولا تجد أكثر ضماناً منها.
فإذا كان هذا هو عصر عدم الاستقرار والثورات فهو أيضاً عصر التطور والمال والأعمال وهذه أمور كثيرة توجب المحافظة على المال ومعرفة الطريق القويم لتنميته واستثماره.
ومن المعلوم ان اختيار الشخص لاستثمار معين، ينبغي ان ينطلق من أمرين؟
الأول: المعرفة الوافية لمختلف أنواع الاستثمار وميزان كل منها.
الثاني: الرؤية الواضحة لاهداف الشخص من الاستثمار.
ومعظم الناس يفضلون الاستثمار الذي يضمن لهم أموراً ثلاثة:
أ المحافظة على رأس مالهم.
ب تقديم أكبر نسبة ممكنه من الربح.
ج ابقاء مالهم في متناول أيديهم ليستعملوه متى شاؤوا.
وواضح ان الاستثمار الذي تجتمع فيه هذه الميزات الثلاث هو الاستثمار المثالي.
بيد أنه من النادر ان تجتمع سلامة رأس المال مع الدخل المرتفع والسيولة التامة في استثمار واحد.
لذا، قيل إن من أهم الشروط المطلوبة لتشجيع الاستثمارات هي الأمان والاطمئنان قبل الربحية.
فإذا كان الاستثمار سهلاً في بعض البلدان المتقدمة وبعيداً عن أي من الأخطار في جو من الأمان والاطمئنان وحسن المردود والسرية.
فإنه قد يكون في بلاد أخرى معرضاً للخسارة أو المصادرة أو التأميم.
إن الاستثمار في العقار والأراضي وسيلة استثمارية ناجحة، ذلك لأن العقار بأنواعه، كان وما زال أحد المقومات الأساسية للثروة، وهو أفضل في مجالات الاستثمار الموجودة.
والمميزات التي تجعل من العقارات استثماراً محموداً ومرغوباً كثيرة، منها:
1 سيكون العقار ثابتاً جامداً، وهذا يُضفي عليه صفة الدوام.
2 ان العقار بدوامة افضل مأوى امام موجات التضخم المالي.
3 ان العقارات خصوصاً عندما تستثمر وتؤجر تُدر دخلاً سنوياً إلى جانب ارتفاع قيمتها.
4 ان امتلاك العقار يولد في النفس بهجة.
غير خاف ان النشاط العقاري هو مقياس حرارة الاقتصاد بصورة عامة، فكلما كان التطور العقاري جيداً، كان الاقتصاد أفضل.
بيد أن قطاع العقار الذي يكاد يكون شبه مضمون الربح، يكون مردوده محدوداً جداً، وبالتالي يمكن اعتباره، في نظر بعض الاقتصاديين توظيفاً أكثر منه استثماراً.
إذ أن موارد العقارات هي أضعف ما يمكن أن يحصل عليه المستثمر، لأنه يتراوح ما بين ثلاثة إلى عشرة بالمائة في أفضل الاحتمالات.
أما السكن العقاري فإنه يعتبر في الدول المتقدمة استثماراً ممتازاً يحمي رأس المال من التضخم، وخصوصاً عندما تكون قوانين التأجير والاستثمار عادلة، فإن ما يوظفه الشخص في العقار يعطيه دخلاً سنوياً حوالي 5% ويضيف الى رأسماله نفس نسبة التضخم السنوي ان لم يكن أكثر.
وهكذا نجد أن العقار هو من أحسن الاستثمارات فهو لا يخسر، وفي الوقت نفسه يشكل قاعدة مجمدة لاموال كانت قد ذابت لو لم توظف فيه.
فإذا كان الاستثمار في مجال الزراعة يرمز إليه بأرض وعضلات .
وإذا كان الاستثمار في مجال التجارة يشار إليه بمرونة ومال .
وإذا كان الاستثمار في مجال الصناعة يختصر بكونه اختصاص وسوق تصريف .
فإن الاستثمار في مجال العقار والأراضي يعني مال ونفس طويل .
وهكذا، فإذا شعر الشخص ان بامكانه ولوج الاستثمار العقاري، وانه يملك عناصره الأساسية فعليه البدء بالدراسة وتحديد البرامج ووضع الخطوط الرئيسية للتنفيذ.
أما اذا كان هذا القطاع بعيداً عن امكاناته وقدراته، فالأفضل له أن يتحاشى المغامرة.
وحسب قول أحد التجار القدامى: إن لم يكن من التجارة إلا الخسارة، فعدم التجارة هي التجارة .
وهذا ينطبق بصورة خاصة عند جمود الأسواق وفي أوقات الأزمات.
فمن المعلوم ان رأس المال جبان، أي أنه يهرب باستمرار وقبل أية معركة، ويسعى للاطمئنان في دول أو مصارف، أثبتت انها مضمونة من حيث امكان استرداد المبالغ في أي وقت.
ومن البديهي ان يحسن الشخص المستثمر خياراته عندما يتخذ قراره في التوجه ضمن قطاع معين استثماري أو يختار بلداً أو منطقة معينة، ويتجه نحو أسواقها أو مصارفها، حيث يجد الأمن والاطمئنان والربحية والمحافظة على نقودهم.
ومما تجدر الاشارة إليه ان وسائل الاستثمار وسبل تنمية الأموال عديدة، فهناك الاستثمار الزراعي والاستثمار التجاري والاستثمار الصناعي.
وهناك الاستثمار في مجال الأسهم والسندات، وفي مجال الذهب والفضة، وفي مجال التحف القديمة والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة.
ومهما تعددت انواع الاستثمار ووسائله، فإن المقصود الأول منها كلها هو زيادة رأس المال والمحافظة عليه، والاستثمارات تحقق هذه الأهداف المرسومة لها بدرجات متفاوتة.
فبعض الاستثمارات سائلة كالأسهم تحول إلى عملة نقدية بكل سهولة، ولكن غيرها كالعقار جامد يصعب بيعه، فيطول تحويله الى النقد.
والفروق بين هذه الأنواع من الاستثمار مهمة لأنها هي التي تؤثر في اتخاذ قرار الاستثمار، واختيار الوسيلة المناسبة، ولذلك فإن معرفتها ضرورية لكل مستثمر.
إذ أن الناس متفقون على أن الاستثمار هو الطريق الأكثر ضمانة وسلامة لتنمية المال.
بيد أننا نلاحظ عند بعض الناس ان الاستثمار عندهم قد أصبح مرضاً مزمناً كالادمان، فأصبحت حياتهم مقتصرة على عد نقودهم وتفقد عقاراتهم وملاحقة أسهمهم ورعاية سنداتهم والتفكير في زيادة أموالهم، فتحولوا نتيجة لذلك عبيداً للمال.
إن السعادة هي في القناعة والبعد عن الطمع والجشع وليس في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة, لذا قال سبحانه: ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك,, وذلك بعد قوله سبحانه: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ,, صدق الله العظيم.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود .
- عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية .