التلازم بين المؤزم والمتأزم في,, قضية الكتاب السعودي,. حمَّاد بن حامد السالمي |
* ما هي الرسالة المطلوبة من الكتاب السعودي,,؟
* الجواب في ظني لا يخرج عن التمني بأن يكون هذا الكتاب، مرآة حضارية صادقة، تعكس فكر الأمة، وتقيس نبض تفاعلها مع المستجدات في هذا الكون، وتفصح عن مساهماتها العلمية، ونتاجها الإبداعي في البناء الثقافي والحضاري العام مع بقية الأمم.
* هل نريد منه أبعد من هذا؟
* قد يكون,, عندها تكون هذه بعض الوظائف المرجوة، وهي مبنية على فرضيات آنية، فهل حقق كتابنا شيئاً منها طيلة العقود الماضية؟
* هل نهض الكتاب السعودي برسالته الوطنية المطلوبة منه؟
* لقد ظل الكتاب السعودي وما زال، منكفئاً على نفسه، مثل ما هي حال صحافتنا وبقية الوسائل الإعلامية والثقافية، التي ينتظر منها؛ بل ويطلب منها؛ أن تقدم بلادنا وشعبها إلى الآخرين كما يفعل كتاب الآخر وصحافته وثقافته ووسائله المختلفة، فبلادنا لا تقل شأناً عن البلدان الأخرى، وشعبها غير منقوص في شيء، لأنها تزخر بالكفاءات العلمية والأدبية والثقافية والإعلامية، وأبناؤها يتوفرون عل قدر كبير من الطموح وسمات التفوق، التي تجعل حظوظهم في الفوز أكبر وأوفر، ولكن العيب لا يمكن أن يوجه إلى شخص بعينه أو إلى جهة محددة، إنه عيباً جميعاً، وداؤنا العضال الذي لم نحاول في علاجه سنوات طويلة.
* وعلتنا هذه,, أحالت الكتاب إلى كائن كسيح يراوح مكانه، فلا يجرؤ على الحركة، ولا يقوى على المنافسة، ويرضى أن يكون رهين محبسين: محبس إقليميته في الطرح والتناول، ومحبس إقليميته في الحركة.
* إن تناول قضية الكتاب السعودي من هذه الزاوية؛ إجراء لا يخلو من إضاءات مهمة، فلا ينبغي أن ندعها تضوي دون أن نستفيد منها، ونبني من معطياتها الأسس التي تجعلنا ننظر من خلالها إلى الكتاب على انه كائن حي، يصلح أن يكون سفيراً فوق العادة لمواطنيه في أنحاء الدنيا، فإذا ارتضينا ذلك؛ وجب أن نلتزم بأن نعطيه من الاهتمام ما يستحق، ومن العناية ما يجب أن يكون.
* ومن إضاءات هذا التناول في هذه القضية، الحوارات والمداخلات التي نشرتها هذه الجريدة، مع عدد من الناشرين والموزعين والباحثين والمؤلفين والكتاب والأدباء والمفكرين، على ثلاث حلقات في أسبوع واحد: (الأحد والاثنين والأربعاء الموافقة 7 و8 و10 من شهر ذي القعدة الحالي) ثم ما واكب ذلك أو تلاه من مداخلات، لعدد من الكتاب، سواء في جريدة الجزيرة ، أو في غيرها من الصحف، وفي مقدمة ذلك كله، الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور محمد عبده يماني، وزير الإعلام السعودي الأسبق، في حفل تدشين الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م، فقد ركز فيها على أهمية الكتاب، وضرورة دعمه وتشجيع نشره وتسويقه، لأنه دعامة لكل ثقافة ناضجة نابضة بالحياة، فقد كان هذا دأب المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، في دعم الكتاب ونشره وتوزيعه، فالكتاب خير وسيلة، لتنوير المجتمع بالعلم والمعرفة، وإبعاد شبح الجهل عنه, وعقب الدكتور يماني نفسه بكلمة نشرت في الصحف، تناول فيها، قضية الكتاب السعودي والتحديات التي تعترض مسيرته في الداخل والخارج.
* وجاءت كلمة كتبها الأستاذ محمد بن عبدالعزيز القشعمي في جريدة الجزيرة عدد يوم السبت الموافق 6 من ذي القعدة الحالي، لتعيد إلى الأذهان، بل وتكشف الغطاء، عن بدايات جرت صوب البحث عن حلول لقضية الكتاب وكانت الكلمة تعقيبا على كلمة الدكتور يماني في حفل الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000م، فذكر قصة لجنة تكونت من وزارة الإعلام والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة المعارف، وكان هو فيها عن رعاية الشباب، وجاء تشكيل هذه اللجنة من مجلس الوزراء، بناء على اقتراح مقدم من الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله, وأن هذه اللجنة الثلاثية، درست مشاريع دول عربية فقيرة، تعمل جاهدة على دعم كتابها، وتشجيع تأليفه ونشره وتوزيعه، ومنها تونس والعراق والأردن، فقامت هذه اللجنة، بوضع مشروع طموح لدعم الكتاب السعودي، تمت الموافقة عليه من قبل وزارة الإعلام ورعاية الشباب، واعترض عليه معالي وزير المعارف آنذاك الدكتور عبدالعزيز الخويطر، ثم نامت الفكرة سنوات، وربما أكلت (الأرَضَة) أوراق ذاك المشروع الحلم الذي لم ير النور,,!
* ونحن لم نعرف بمثل هذا الأمر إلا اليوم، ولم نطلع على وجهة نظر الدكتور الخويطر، لا في حينها ولا اليوم، بعد أن تكشف الغطاء عن فكرة جميلة ماتت, فليت معاليه لم يعترض ولادتها، ولم يعارض ظهورها في مشروع حضاري ثقافي يمس ماضي وحاضر ومستقبل أمة، ولو حدث ووافق معاليه، لربما كنا اليوم نتكلم على الكتاب السعودي بشكل مختلف، ولكني، ومع جهلي بأسس (الفيتو) الذي رفعه وزير المعارف، الضلع الثالث في لجنة البحث، استغرب حقيقة,,! كيف لم يؤخذ في حينها برأي الأغلبية، اثنان ضد واحد، ولابد أن لدى الدكتور الخويطر مبررات وتفاصيل لم يعرف بها أحد، فلو أبان عنها، ربما أفادت في هذا الوقت.
* إنه لأمر جيد، أن تأتي هذه التفاعلات والمداخلات في مسألة الكتاب، في منطلق الاحتفال بزعامة الرياض للثقافة العربية، حيث تسعد المملكة بهذا الحدث العظيم، وهذه مفخرة لثقافة المملكة، ولصانعي هذه الثقافة في هذه البلاد الفتية، لكن هذا الافتخار وهذه السعادة، ينبغي ألا ينسيانا همومنا التي تكتنف وسائل الاتصال، وتعيق قنوات التوصيل بينا وبين عالمنا العربي والعالم الإسلامي والدول الأخرى، وألا يدفعنا الزهو بهذا الحدث، نحو تكريس أكبر للانكفاء، ذلك أن بلادنا علميا وثقافيا وإعلاميا، هي المستورد الأكبر، وهي في الوقت نفسه، المصدر الأصغر، وهذا وضع شاذ لا يليق بنا أبداً، ويجب تغييره.
*لقد قال الناشرون كلمتهم، وقال الموزعون والمؤلفون والمفكرون والأدباء,, كل أدلى بدلوه في قضية أرى أنها شائكة، ومن حق هؤلاء جميعا، ألا تعاد إليهم دلاؤهم فارغة، لابد أن نقابلها بما تستحق من الدرس والتفهم والتفاعل، الأمر الذي يسير بنا جميعا إلى نقطة الحل,, حل العقدة.
* ومن الحوارات والمداخلات، رأينا كيف أن هناك أكثر من مؤزم في هذه القضية، ولكن المتأزم بحق، هو فكر الأمة، ونهضتها العلمية والثقافية، والمستوى الذي بلغته في هذا المضمار، هذا المستوى بينه وبين النور، علة تشترك فيها أطراف كثيرة، تبدأ بالمؤلف، ولا تنتهي بالموزع أو الجهة المشرفة، فيشترك في التأزيم: المؤلف والناشر والموزع والمتلقي والجهة المشرفة والكتاب نفسه, المؤلف ينتظر التشجيع ولو على سبيل التعويض، في وسط اجتماعي ليس من عاداته الكثيرة عادة اسمها القراءة، ومجتمع لم يوطن نفسه على معاشرة الكتاب, والناشر يبحث عن الربح السريع، فهو تاجر يبيع ما لا يملك في حالات كثيرة، لذا فهو يستولي على حقوق المؤلف في معظم الأحيان، الموزع كسول وجاهل بالكتاب، وغير مثقف، فهو ربما جاء من حانوت يبيع الملابس الجاهزة, أما المتلقي,, وما أدراك ما المتلقي,, فهو منشغل بالثقافة الملونة الهابطة عليه من الأقمار الصناعية، فهو يفضل ثقافة معلبة في ثوب راقصة إن كانت تلبس ثوباً، أو أنها تظهر في بعض الأحيان من غير هدوم! والجهة المشرفة تتحدث عن دعم وعن مشاريع تصب في هذا الاتجاه، لكن هذا لا يرضي الأطراف الأخرى التي تتحدث عن أزمة حقيقية، أما الكتاب من حيث فحواه ومحتواه، فهو موضوع انتقاد من الوسط الثقافي الناقد, فمن يملك الحل,,؟
* قلنا هذا في الحلقات الحوارية الثلاثة المنشورة بالجزيرة ، وتفاوتت الإجابات وتباينت، ولم تخل المعركة من تبادل الركل بالكرات غير المستديرة, وكنت أفاضل وقتها بين صيغتين للسؤال: من يملك الحل؟ و,, من يملك قرار الحل؟
* إن كل الأطراف في هذه القضية مسؤولة عن مثل هذا القرار، مع انطلاقة عام الزعامة الثقافية لبلادنا، ويتطلب الأمر، أن ينصب تفكيرنا في إطلاق الكتاب السعودي من محبسيه، أو محابسه كما يرى البعض، ليتحرك ويركض في كل الاتجاهات في أرجاء العالم، ولنبدأ بالعواصم العربية والجيران، ألم ننجح قبل هذا في إطلاق المها العربي؟,, وأن نعيد له اعتباره,,؟ ونكثر من عدده في المفاوز والأودية والجبال,,؟! فليس صعبا علينا إذن؛ أن نخص المعارض الدائمة والسنوية للكتاب السعودي في العواصم والمدن العربية والعالمية، وأن نشجع المؤلفين ، على سبيل التعويض وندعم النشر والتوزيع في الداخل والخارج، بكافة السبل والوسائل الممكنة، وأن ننظر في تجارب الآخرين، فنأخذ بالمفيد منها في هذا الشأن، وكما قال عدد من المتحدثين لهذه الجريدة في الحوارات الثلاثة، فإن الكتاب السعودي لا ينقصه إلا الدعم والتشجيع، والأخذ بيده إلى الأسواق العربية والعالمية، لانه ما زال غير معروف، وإنه من العيب أن ندخل الألفية الثالثة، وأن نتزعم الثقافية العربية، وكتابنا لا يعرف في خارج الحدود، فهو غير معروف غير مقروء، وبالتالي ففكرنا مجهول، وجهودنا العلمية والثقافية والأدبية نكرة، وهذا يحدث، ونحن في عالم يموج بكل ألوان الثقافة، والثقافة المضادة.
* من يملك الحل,,؟ بل من يملك (قرار) الحل,,؟
|
|
|